اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

الحدود الجزائرية – المغربية والثقة الغائبة بين البلدين / السيد حمدي يحظيه

كتب بواسطة : futurosahara on 04‏/08‏/2011 | الخميس, أغسطس 04, 2011



منذ مطلع هذه السنة ورحى الإعلام والدبلوماسية المغربيين لا تفتأ تدور وتلف حول محور واحد لا ثاني ولا ثالث له: قضية فتح الحدود مع الجزائر. ورغم ما حاول المغرب تمريره وتبريره من كذا وماذا، ورغم توجيه نعوت التهام وأصابعه وأظافره للجزائر ومحاولة إحراجها أمام العالم وتناول الموضوع في الصحافة وفي التصريحات، والقفز على الطُرق الدبلوماسية المعمول بها، إلا أن شيئا مما حلم به المغرب لم يحدث طبقا للأجندة المغربية.
مع اقتراب صيف هذا العام زاد لهب ولهيب الموضوع، وسخُن أكثر في اللغة الرسمية المغربية حتى صار في الشارع. لكن، على ما يظهر، حين لم ينفع الرقص والتهريج السياسي، وحين أدارت الجزائر الظهر لكل ذلك، ذهب الهوس بالمغرب، الجار، المسلم، إلى الاستنجاد بفرنسا وبأمريكا وحتى ببعض الدول العربية الصديقة، مثل قطر، للتوسط لدى الجزائر لتفتح الحدود المغلقة منذ سنة 1994م. حين لم ترجع "ريمة بشيء من الغنيمة" عادت لغة الاستجداء وتقبيل اليد والرجل إلى الخطاب الرسمي المغربي من جديد. لقد أدى الهوس بالمغرب لفتح الحدود إلى جعل المغرب متمثلا في شخص ملكه أن يظهر في الأخير، على حقيقته وضعفه، ويترجى الجزائر مرتين في 25 يوم، وفي خطابين رسميين بفتح الحدود قبل نهاية الصيف الحالي.
حين نعود لقضية الحدود المغربية- الجزائرية، تاريخيا، نجد أنها تشكل دائما موضوعا ملغما وشائكا في العلاقات بين البلدين. فالجزائر، بعد لدغها في حرب 63م، وبعد رفض المغرب توقيع معها اتفاقية ترسيم الحدود، أصبحت متخوفة، وأنخفض لديها مؤشر الثقة في المغرب في ظل نمط حكمه الحالي( أسرة ملكية واحدة) إلى درجة أنها لم تعد تصدق أي شيء يصدر من مثل هكذا نظام. من جانب آخر، المشكلة لا تكمن في شريط الحدود بين البلدين، لكن أيضا تكمن في أن المغرب، ضمنيا، لا يعترف بخط الحدود الطويل للجزائر مع الصحراء الغربية وموريتانيا ومالي والنيجر. إن المغرب لا زال يفكر، ضمنا وبجدية، في " استرجاع" صحاري ادرار، بشار وتوات التي يحسبها المغرب جزأ من خارطته الوهمية الكبيرة. إن تفكير المغرب الضمني هذا يقابله أستنفار ، ضمني أيضا، من الجزائر التي تعرف إن جارها، بسبب أطماعه، قادر على خلق في أي يوم مشكلة لها بسبب هذه الحدود. ففي التلفزيون والصحافة المغربية لازال بعض السياسيين المغاربة يجاهر، اليوم وعلنا وعلى المباشر، بأن المغرب عليه أن يسترجع أراضي الصحراء الجزائرية الغربية، بل أن بعضهم يدعوا إلى إيداع الملف لدى الأمم المتحدة ويتوعد الجزائر مستقبلا بفعل ذلك.
الحدود بين البلدين في الوقت الراهن
سنة 1975م، تم غلق الحدود بسبب التهديدات المغربية بشن حرب على الحدود الغربية الجزائرية على شاكلة حرب 63م "لاسترجاع" الأراضي ومطاردة الصحراويين في الأراضي الجزائرية لإبادتهم. ثلاثة عشر سنة بعد ذلك، تدخلت المملكة العربية السعودية وتم فتح الحدود في مايو سنة 1988 م تزامنا مع بناء اتحاد المغرب العربي. عدة أشهر بعد فتح الحدود بدأت الاضطرابات في الجزائر وهي الأحداث التي أدت، بعد ذلك، إلى الحرب العنيفة التي شنها الإرهاب على الجزائر وكاد يجعلها، كدولة، تركع وتتفكك. حسب العارفين بخبايا الأمور، كان تمويل وتسليح وإمداد الإرهابيين يدخل عن طريق الحدود مع المغرب. في سنة 1994م، حين أتهم المغرب الجزائر بتفجيرات مراكش، وأراد فرض التأشيرة على الجزائريين تم غلق الحدود من جديد. الذي لاحظه الجزائريون بعد غلق الحدود هو أن عنف الإرهاب تم خفضه إلى النصف، وبعد سنة- على اقل تقدير- تم القضاء عليه تقريبا ولم تبق منه سوى جيوبا في الجبال الشرقية. وليس فقط الإرهاب إنما هناك حرب المخدرات التي يشتهر المغرب بتصديرها للعالم، ومشكلة المهاجرين ومشاكل أخرى فنية تتمحور حول ضبط الحدود، وطبعا مشكلة الصحراء الغربية. وبالإضافة إلى كل هذا وذاك، وهذا جوهري، هناك سؤال كبير مطروح في الجزائر حينما يتم الحديث عن فتح الحدود مع المغرب يتعلق بجانب الربح والخسارة وهو: ما الذي سيدخل للجزائر من المغرب عن طريق هذه الحدود، وما الذي سيدخل للمغرب من الجزائر؛ أي هل فتح الحدود فيه ربح أو خسارة للجزائر؟.           
بسبب التغليط الإعلامي والدعاية المغربية يتصور البعض إن قضية الصحراء الغربية هي سبب غلق الحدود الرئيس، لكن في الحقيقة هذا ليس صحيحا. إن توظيف قضية الصحراء في قضية غلق\فتح الحدود هو اختراع مغربي هدفه إظهار الجزائر وإحراجها على أساس أنها طرف في الصراع. إن المغرب يوظف دائما قضية الصحراء، ليس فقط في مشكلة الحدود مع الجزائر، لكن أيضا في قضية بناء المغرب العربي. إن الذي يريده المغرب من الجزائر في القضيتين( الحدود وبناء المغرب العربي) هو واضح تماما: 1- أن تعترف الجزائر أن حدودها مع الصحراء الغربية التي يبلغ طولها 75 كلم هي حدود مغربية -جزائرية وليست حدود جزائرية- صحراوية، و2) أن يتم بناء المغرب العربي على أساس أن تُدرج الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية. إن شروطا مثل هذه هي شروط تعجيزية وقد لا يتم الاتفاق حولها ما لم تُحل قضية الصحراء الغربية وفقا للقانون الدولي.
- لماذا الحديث اكثر عن الحدود هذا الصيف
السؤال المطروح الآن هو، لماذا يصر المغرب هذا الصيف، أكثر من أي وقت، على فتح الحدود ويصاب بهستريا غير مسبوقة تلهفا على فتحها.؟
السبب بسيط. فالمغرب يلجأ حتى إلى تهديد الجزائر بأنه قادر على خلق المتاعب لها داخليا كي تتحول إلى ليبيا أخرى أو يمن أخر إذا رفضت فتح الحدود؛ أي أن المغرب يستغل القلاقل الحاصلة في العالم العربي ويهدد بها الجزائر كي تفتح الحدود.
من جانب اقتصادي، فرح الكثير من المغاربة، سياسيين ورجال أعمال، بقرب فتح الحدود، بل إن بعضهم، مثل وزير الخارجية المغربي، قد لمح إلى إن فتحها سيكون في يوم 2 جوان الماضي. لقد ظنوا فعلا إن الضغط المُمارس على الجزائر من الخارج لفتح الحدود، واتهامها علنا من طرف المغرب بالعرقلة، كفيل بجعلها تضع يديها فوق رأسها وتستسلم. في هذا السياق نجد إن المملكة المغربية قد باعت جلد الدب قبل اصطياده، وبدأت تُحضر منذ أشهر للحدث، وأنشأت طريقا سريعا يربط مدينة وجدة الحدودية مع الداخل المغربي. أيضا، على الحدود انتعشت الحركة الاقتصادية وبدأت المشاريع المغربية تُقام، وبدأت بعض الفنادق تتحضر للحدث كأنما هو حقيقة ستقع اليوم أو غدا.. لكن على ما يبدو لم يحدث أي شيء مما خطط له المغرب لهذا الصيف. إن إصرار المغرب على فتح الحدود، في هذا الصيف بالضبط، له منفعة مغربية اقتصادية كبيرة. فالمغرب، من خلال فتح الحدود البرية، أراد تغيير وجهة مسار السواح الجزائريين من تونس ومصر -اللتين تعرفان اضطرابات - إلى الشواطئ والفنادق المغربية.  
من زاية ثانية فتح الحدود سيجعل المغرب المحاصر من الجنوب والشرق يتنفس الصعداء ويبدأ بالاتصال بالعالم الخارجي، خاصة في ظل الغليان الشعبي الذي يعيشه.
على أية حال، الكثير من المتابعين للشأن المغاربي يظنون أن فتح الحدود قد يتم، لكن، من زاوية أخرى، قد لا يخفف ذلك من ثقل الملفات العالقة ومنها التخوف الجزائري الكبير جدا من مزاعم المغرب حول كل حدودها الغربية.
السيد حمدي يحظيه
sidhamdi@yahoo.es                                    

0 التعليقات: