تؤكد انتفاضة الشعوب العربية على أنظمة الفساد والتوريث ونهب المال العام ومصادرة السيادة والحرية أن إرادة الشعوب من إرادة الله متى صح العزم منها وتوفرت إرادة التغيير لديها " أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ", فمن تونس الى مصر الى ليبيا – والحبل العربي على الجرار - تهاوت أنظمة أمنية قمعية حاربت شعوبها بقوة الحديد والنار وسخرت كل مقدرات البلد لاستمرار وجودها وتأمين انتقاله الى النسل المبارك , ونجحت في هذا لأكثر من نصف قرن مؤجلة أي دعوة للإصلاح قامعة لأي رأي يخالفها بالتصفية الجسدية و المعنوية وبالنفي وبالتخوين والاتهام بالعمالة والتآمر والرجعية الى آخر الاسطوانة الرخيصة
والحقيقة انه لا مفاجأة في ما آلت إليه الأنظمة العربية من عجز عن تحقيق التنمية ,ومن تخلف حضاري وتبلد سياسي و ارتباك اقتصادي , وبطالة متفشية وفقر يسحق غالبية الشعب , لأن فاقد الشيء لا يعطيه فمعظم هذه الأنظمة حكمها العسكر وساسها بطريقة الأمر غير القابل للنقاش وعقلية الثكنة الصارمة الجافة في حين أن السياسة تتطلب الخيال الواسع والآراء المتعددة والمرونة وفقا لاتجاه مصالح الدولة , والحقيقة ايضا أن بعض هؤلاء العسكر كانوا ذوو نوايا طيبة و أحلام ساذجة عجزوا عن تجسيدها ذلك أنهم وهنا مكمن الخطأ والخطر عندما لجئوا الى قتل الحياة السياسية وحلوا الأحزاب وصبغوا بلدانهم بلون واحد وحزب واحد وبرلمان يصفق أدى هذا الى ظهور طبقة طفيلية وبطانة فاسدة عزلت الحاكم عن الشعب وزورت الانتخابات حتى جاء زمن على الجمهوريات العربية ينجح فيه رئيس الجمهورية بنسبة ال99 % وامتلأت نشرات الإخبار الرسمية بانجازات وهمية بل زينوا له في نهاية المطاف عندما تقدم به العمر حفاظا على مصالحهم الخاصة أن يهيئ الابن ليستكمل مسيرة الإصلاح المظفرة ويواصل الفتوحات السياسية والاقتصادية وتعزيز مكانة الدولة بين الأمم.
هذه الأخطاء المتراكمة راكمت ايضا الغضب وأسباب الثورة في نفوس الشعوب العربية فكان الزلزال الذي مازلت هزاته الارتدادية وتداعياته تنتقل من بلد لآخر وإذا بالديكتاتور القوي مجسم من ورق أو جرذ مذعور يبحث عن الخلاص من المصيدة بأي ثمن ولو كلفه إزهاق أرواح شعبه كله.
سقط العقيد إذن بعد 42 سنة من أدائه لمنولوج فاشل تقمص فيه ادوار عدة من الثائر الى رجل المافيا الى ملك ملوك إفريقيا وهو الذي استكثر على إدريس السنوسي أن يكون ملك ليبيا فقط , وتواصلت شطحاته و نكاته التي جمعها في مؤلف سماه الكتاب الأخضر مكنه من لعب دور المفكر ضمن المسرحية العبثية الطويلة , اعلم أن البعض منا نحن الصحراويين يتعاطف مع العقيد من باب رد الجميل باعتباره كان سباقا في دعم نضالنا واحتضان كفاحنا ضد المستعمر الاسباني ثم الاحتلال المغربي لكن ينسى هذا البعض ايضا أن العقيد نفسه تخلى عن دعم شعبنا في كفاحه العادل في ظرف بالغ الخطورة والحساسية وصب دعما عسكريا و لوجيستيا مضاعفا للاحتلال المغربي لكن لا غرابة في هذا "التناقض" فهذه هي شخصية القذافي ودعمه لكفاحنا جاء يوم كان يتقمص دور الثوري المؤيد لأحرار العالم أينما كانوا وانتهى الدعم بانتهاء الدور , ومع ذلك لم يسئ الصحراويين للقذافي مثلما فعل الآخرون بل حفظوا له سابق جميله وصمتوا عنه.
حكم القذافي ليبيا 42 سنة وهي بلد نفطي غني - العاشر عالميا من حيث الاحتياطات والسابع عشر من حيث الإنتاج - وقليل العدد نسبيا مقارنة بالثروة لدرجة أن الوزير الأول الروسي كوسيغن في ذلك الوقت – حسب رواية لهيكل - قام بعملية حسابية بسيطة لمداخيل ليبيا النفطية وعدد سكانها وقال انه بعد عشرين سنة سيكون الشعب الليبي كله مليونيرات لكن الذي حدث أن ثروة ليبيا تم تبديدها في مغامرات لا حصر لها , فبدت ليبيا لنا في الشاشات مخالفة لكل الظنون ودون جميع التوقعات فلا مدن حديثة ولا بنية تحتية قوية فقط عبارة عن مداشر وقرى متباعدة تترجم من البؤس اكثر مما تعكس من الانتماء لبلد ثروته ملايير الدولارات , أما الدولة فلا وجود لها فالسلطة والسلاح والثروة بيد الشعب النظام جماهيري أو هكذا قال الكتاب الأخضر لكن الواقع قال أن السلطة المطلقة بيد القذافي والثروة والسلاح بيد أبنائه, ولا تقف غرابة القذافي عند حد فأسماء الشهور عنده مختلفة وتأريخه مختلف ولباسه ومسكنه وغير ذلك.
هوس القذافي وجنونه نتاج طبيعي للحكم الفردي المطلق لكنه كان الأغرب بين جميع اقرأنه لأسباب ذاتية وفروق شخصية وأخرى موضوعية تتعلق باختلاف ليبيا عن مصر وسوريا وتونس وغيرها ....... فهي الأقل تحضرا وثقافة بينهم.
سيختبر جميع الحكام العرب عاجلا أو آجلا قوة شعوبهم وارداتها في التغيير وسيطال الزلزال وارتداداته كامل الخريطة العربية ما لم تعمد الأنظمة القائمة الآن الى الإصلاح الجذري للسياسة والاقتصاد والقائم حسب تقرير التنمية الإنسانية العربية الثالث " علي عملية تفاوض سلمية تستهدف إعادة توزيع القوة لمصلحة عامة الناس وبناء معمار قانوني و مؤسسي يضمن الحرية والعدل وفق نسق حكم ديمقراطي, تحترم فيه حرية الرأي والتعبير والتنظيم, ما يؤدي الى قيام مجتمع مدني حيوي وفعال.
وعلى الممالك و الإمارات العربية ايضا أنِ لا تظن أن هذا التغيير سيمس فقط الجمهوريات و أنها بمعزل عنه فهذا ظن آثم وواهم فالتغيير إنما بدأ بالجمهوريات لأن فيها الحد الأدنى من حرية الرأي وحق التجمهر و لأنها وهذا الأهم خيبة آمالا كانت معقودة عليها وظنا أحسن بها اكثر من الممالك المعروفة بداهة بان كل ما فيها من قيمة هي منحة من الملك وان الشعب مجرد رعايا وليسوا مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات.
ومهما تكتمت هذه الممالك و الإمارات على الحراك الشعبي الذي تشهده ومهما تجاهلته ارمادتها الإعلامية الجبارة "الجزيرة , العربية" وغيرها كما يحدث في البحرين والمغرب فان الشعب أذا أراد فلابد أن يستجيب القدر.
. 
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق