اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

ساركوزي و"القيادة" في الميزان.

كتب بواسطة : futurosahara on 15‏/05‏/2012 | الثلاثاء, مايو 15, 2012


اسلامه الناجم 
تابعنا جميعا الانتخابات الفرنسية بشيء من الاهتمام والترقب، رغبة في سقوط ساركوزي، وانتهت الانتخابات بنجاح الاشتراكي هولاند، مثلما تمنينا، ورافق غمرة الاهتمام والترقب، سيل من الشتائم والاتهامات للرئيس الفرنسي المنتهية ولايته ساركوزي المثير للجدل ، وهي شتائم واتهامات يستحق اكثر منها دون شك .
لكن ليست هذه هي المسالة ، فساركوزي قصة رجل طموح وجريء ومخلص لوطنه فرنسا - رغم تحدره المباشر من اب مجري الاصل كان مجند مرتزق في الفيلق الفرنسي الشهير - . له رؤية يمينية مهما اختلفنا معها ومع مباذل صاحبها وعنصريته واستعلائه الكولونيالي ، غير أن هذا لا يمنع من الاعتراف له بأنه حقق معظم احلامه وجسد الكثير من أفكاره          على ارض الواقع، وسوف لن تزول بسهولة بصمته التي تركها على السياسة الفرنسية ولا تداعياتها داخليا وخارجيا .
الرابح من هذه الانتخابات ليس هولاند وحده  أو حزبه الاشتراكي بل فرنسا ومؤسساتها الجمهورية، وقيمها العلمانية و الديمقراطية، التي اختارتها لنفسها بعد ثورتها التي أسقطت حكم الفرد المطلق، و أنهت شعار وشريعة لويس الرابع عشر " أنا الدولة ".
من هنا نقع نحن في الخطأ، باعتقادنا أن خسارة ساركوزي ازاحت عدوا شخصيا لقضيتنا الوطنية وننسى او نتناسى ان العداء نابع من فرنسا الدولة ومؤسساتها وهو عداء  ليس مجانيا ، بل صنعته الجغرافيا  والمصالح الإستراتيجية والقليل من الايديولوجيا والتاريخ. نعم ساركوزي سيئ وملعون بالنسبة لنا لكنه اختيار الشعب الفرنسي لفترة خمس سنوات من ماي 2007 إلى غاية ماي 2012، ثم لم يعد يريده الان وقد خاض المنافسة بكل شراسة ودهاء في اطار القانون والدستور الفرنسيين وعندما تأكدت النتيجة، احترم خيار شعبه وهنأ منافسه ثم انصرف لحال سبيله لم يندم الفرنسيين على خيارهم ولم يقل لهم " من انتم" أو ينعتهم بعدم النضج وإدراك المصلحة او يصادر خيارهم او يزور ارادتهم بدعوى خطورة المرحلة واستثنائية الظرف ، ماذا عن مسؤولينا نحن الذين تشفوا من خلال تصريحات جوفاء وبلهاء بسقوط الرجل وكأنه ثمرة لعملهم الدؤوب  او استجابة لدعائهم على الأقل، فالقوم قد استبدلوا منذ أمد بعيد العمل بالدعاء! الم يدركوا أنهم بمباركتهم لنتيجة الانتخابات ، إنما يدينون أنفسهم ؟ ألا يخجلون من أنفسهم ؟وهم الذين يجدد انتخابهم مرة بعد اخرى قرابة اربعة عقود ! سنفترض أن "الانتخابات" شفافة ونزيهة وان "الشعب" يجدد ثقته فيهم عند كل استحقاق، لكن أين دورهم   هم في سن مواد دستورية وقانونية تمنع التجديد الأبدي؟ ، هؤلاء الذين حطموا كل الارقام القياسية في مدد الحكم في الرئاسة وفي الوزارة !. اية حكمة في التجديد الابدي سوى استشراء الفساد والنهب، وركود الحال ونمو البطانة الفاسدة والمفسدة ،وترهل مؤسسات الدولة وذهاب هيبتها واحترامها أمام شعبها فكيف أعدائها.ألا يتعظ هؤلاء  مما يجري الآن في مصر؟ والذي هو نتيجة مباشرة ومنطقية لحكم مستبد وبليد استمر ثلاثة عقود بدأ فرديا وانتهى عائليا، يحسب الركود استقرارا وذل الشعب او لا مبالاته رضى  ! فإذا به يكتشف متأخرا جدا حجم الغضب الشعبي على سياسته ، هل نحن في حاجة الى سرد باقي الأمثلة ؟
يجادل البعض ان التجديد المستمر لهذا القيادة في صالح الدولة والجبهة، و يخدم كفاحنا العادل والمشروع ،لان هذه القيادة من وجهة نظره فوق ان معظمها يتمتع "بالشرعية الثورية " فإنها صارت تتمتع بخبرة واسعة في التسيير والتنظيم ! كما أنها صارت حاملة لقدر كبير من اسرار الدولة والتي هي اخطر من أن تتداولها الأيدي والعقول!،وبالتالي لا يمكن ان يكون حاملها مجرد مواطنا عاديا!، ثم لا يتورع هذا البعض من محاولة إقناعك بان ثباتهم في أماكنهم كل هذا الزمن  ضرورة وغاية في حد ذاته  اذ بفضله تمكنوا من نسج شبكة علاقات عامة واسعة لا يجب التفريط فيها على حد رأيه،كل هذه الحجج على تهافتها هي أتفه من أن يرد عليها سوى بكلمة واحدة، لماذا إذن تغير الديمقراطيات رؤسائها وحكوماتها  كل اربع أو خمس سنوات ؟ وهي التي لها من الاسرار الامنية والإستراتيجية والعلاقات  بحكم القوة والتأثير ما يجعل مجرد التفكير في المقارنة بيننا وبينها نكتة ثقيلة .
هي شهوة الحكم وسطوة المكانة الاجتماعية وبريقها  وإغراء السلطة  وما تتيحه من قوة ونفوذ ليس أكثر ، و إلا من يفسر لنا اذن لماذا على امتداد العشرين سنة الاخيرة على الاقل لم يطرأ تغيير يذكر؟! فالحكومة هي ذاتها مع تعديل طفيف لبعض الكراسي او توسيعها من حين لآخر  لأجل غايات أخرى لا علاقة لها بضرورات الدولة .
لقد شيعت قيادتنا شيراك آنذاك بنفس التصريحات البلهاء التي تشيع بها ساركوزي الآن وسيسمع الأحياء منا نفس الموال بعد خمس سنوات أو عشر في حق هولاند.
سيكتب التاريخ يوما إن سبب طول مأساة الشعب الصحراوي ومعاناته من الاحتلال المغربي ونتائجه، يكمن في قيادة احترفت المناورة من اجل البقاء الأبدي في السلطة والحفاظ على مصالح أوجدها الفساد، وتركت القضية والشعب للزمن والحظ!!!.