اسلامه الناجم
هراء ودجل، هذا الذي نسمع كل حين من قيادتنا، حول خصوصية النظام واستثناء الدولة، فليس من خصوصية للنظام أي نظام، وتحت أي ظرف. نعم ، للشعوب خصائص وخصوصيات متباينة، تتمايز إلى درجة الاختلاف ، أساسا في الثقافة التي هي بالمعنى العام، محصلة التاريخ لتجارب وتراكمات المعرفة لكل شعب .
لكن هذا لا ينسحب على نظام الحكم، ذلك أن تجارب الإنسانية في هذا الحقل، متشابهة إلى حد التطابق . فقد مرت البشرية بأطوار مختلفة وعديدة من أنظمة الحكم ، وجربت منها بكثير من المرارة والمعاناة، أشكالا شتى، ابتداء بالحق الإلاهي وانتهاء بالديمقراطية .
وبالمناسبة، لا احد يعتقد بعصمة الديمقراطية ونظامها من الخطأ، وأول من يقر بهذا هم الديمقراطيون أنفسهم، فللديمقراطية عيوب كثيرة وثغرات أكثر، ليس هذا وقت الحديث عنها، لكنها أيضا دون أدنى ريب أفضل المتاح، إذ لم يتوصل الفكر البشري بعد، إلى حل معضلة نظام الحكم،والصراع عليه، سوى بمبدأ التداول السلمي على السلطة، وباستحداث عديد المؤسسات الكفيلة بالمراقبة والمحاسبة والحد من تسلط الحاكم، من خلال فصل السلطات واستقلالية القضاء، فلا يحد من طغيان السلطة إلا سلطة موازية ومساوية لها في الشرعية، البرلمان مقابل الحكومة على سبيل المثال. و طبيعي أن البرلمان الذي اعنيه شيء مختلف عن هذه المسوخ المنتشرة في العالم العربي، وتحمل اسم المجالس الشعبية أو الوطنية، والتي هي بالمجمل ديكورا لا أكثر، وان صدقت نوايا بعض أعضائها.
إن كل عيوب الديمقراطية، لا تساوي شيئا، أمام المفاسد المطلقة، التي يخلفها الحكم المطلق. أمامنا الآن في شهر نوفمبر الجاري، مثالان واحد من الغرب و آخر من الشرق،.ما يؤكد أن لا استثناء في نظام الحكم، فمن الغرب الانتخابات الأمريكية التي تجري كل أربع سنوات، يجدد فيها للرئيس مرة وحيدة فترة أخرى. ولا اعتقد بوجود مزايدة على الديمقراطية الأمريكية، ومن الشرق الصين، فرغم الاختلاف الجوهري بين النظامين، إلا أن مبدأ التداول السلمي يجمعهما! فالصينيون يختارون رئيسا جديدا كل عشر سنوات، أو بمعنى أدق يعينه المؤتمر العام للحزب الشيوعي الصيني.
نحن إذن أمام واقع سياسي وطبيعي صارم، يفرض نفسه على البشر مهما كانت مظلة الحكم التي تاويه، ومهما كان الشعار الذي يرفعه.فأول مزايا التداول على السلطة، تجديد الدماء والفكر، ومنع الفساد من أن يعشش في مفاصل الدولة، وما قاله الرئيس الصيني الجديد شي جين بينغ - سيتولى الرئاسة الفعلية مارس المقبل- يطرق الأذهان بشدة ويجمد الدم في العروق «قدر كبير من الحقائق يبين لنا أنه كلما زاد الفساد تكون النتيجة الوحيدة نهاية الحزب وانهيار الدولة! » فهل تتعظ قيادتنا قبل الطوفان، ألا تجد في قوله وصفا دقيقا لأوضاعنا.
تجارب الشعوب في الحكم ، خاصة في عصرنا، تؤكد باليقين المطلق، خطأ وسفاهة التجديد الأبدي للحاكم ،أو جمع السلطات كلها بيده، وقد دفعت الشعوب التي اعتمدت هذا المسار أثمانا باهضة من تقدمها وحريتها، مقابل التي تبنت خيار الديمقراطية القائل بالتداول على السلطة.
مثال آخر لمزيد من التوضيح، مصر والهند كانتا في منتصف القرن الماضي بذات مستويات التنمية، وتواجد بهما عملاقان ثوريان ناصر ونهرو، اختار ناصر استثنائية النظام والظرف والتجديد الأبدي، فلا صوت يعلو على صوت المعركة، واختار نهرو الديمقراطية .
الآن وبعد مرور أكثر من ستين سنة، لازالت مصر تتخبط، وبالكاد بدأت تخرج من النفق المظلم الذي ابتلعها كل هذه المدة، وانتهت جميع معاركها إلى فشل ذريع، العسكرية منها والتنموية وغيرها. في حين تحتل الهند مكانة مرموقة في تقنية البرمجيات وصناعة السيارات والصناعات العسكرية والفضائية وهي ضمن النادي النووي .
سبب هذه الفجوة بين البلدين أن عبد الناصر ورفاقه من قادة ثورة يوليو، ظنوا أن الثورة لن تحقق أهدافها ولن تنجح مشاريعها، إلا من خلال نظام استثنائي يلائم الظروف التي تمر بها البلاد،ففصلت القوانين على مزاج الحاكم و طغمته، ليتحول ناصر ومن جاء بعده، إلى فراعين جدد و أنصاف آلهة، اصبغ عليهم الإعلام الرسمي الدعائي،ألقاب وأوصاف الأنبياء، من حكمة وعصمة من الخطأ! فكيف بالمساءلة ؟. فكان أن تخشبت هياكل الدولة وتصلبت شرايينها، وبدأت تراوح مكانها، ووقف التقدم ، فيما تراجعت الحياة السياسية، وصودرت الحريات العامة، وتشعب الفساد، وامتدت اذرعه في كل اتجاه، لم يسلم منه الحاكم نفسه وعائلته، وكانت نتيجة كل هذا ثورة 25 يناير 2011. في الهند حصل العكس فرغم الكثافة السكانية الهائلة، والفقر المدقع ، والتباين الحاد بين عديد الإثنيات والطوائف والديانات، أصر نهرو على الاختيار الديمقراطي, وجعل الهند اكبر الديمقراطيات في العالم ومكانتها هي ما نعرفها الآن من ثقل سياسي واقتصادي مطرد .
هذه أمثلة متفرقة، من هذا العالم الواسع، تبين زيف ادعاء قيادتنا لاستثناء الحكم والدولة، وهو استثناء يرفع في وجه الشعب فقط إن طالب بحقوقه السياسية أو المادية أو المعنوية.
لاشيء على الإطلاق يمنعنا الآن، هنا بالمنفى، من إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، وليس هذا الشكل المشوه، لا شيء يمنع من التداول على السلطة، وتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية، أو الأمين العام للجبهة، وفصل السلطات واستقلالية القضاء، لاشي يمنع من إقامة قضاء إداري، يقلم أظافر السلطة التنفيذية ويحد من تجاوزاتها، وسفاهة بعض أعضائها في تعاملهم مع الشعب، وتعاليهم عليه، لاشي يمنع من تفعيل دور البرلمان ليحجب الثقة عن حكومة فاشلة او عن وزير لم يؤدي عمله.
الوضع الاستثنائي للنظام، هو عنوان لكل كارثة تحل بالشعوب ، هو سبب اللا استقرار والانقلابات والتمرد والثورات، لان قوانينه خاصة وشاذة ومفصلة على فرد أو عائلة أو طغمة، و هو البيئة الخصبة للفساد ومرتع الفاسدين، هو أيضا الذي يدفع أبناء الوطن المخلصين إلى الهجرة وبالتالي يحرم الوطن من أفكارهم وسواعدهم، هو عنوان ومظلة للاستئثار بالحكم وربما توريثه، كما حدث في سوريا وكاد إن يتم في مصر وليبيا واليمن وتونس.
وخلاصة القول إن كان الوضع الاستثنائي، سبب تخلف الأنظمة التي ذكرت وأخرى لم ترد في السياق ، فهو سبب تأخر استقلالنا الوطني، و طول هذه المرحلة الرمادية المليئة بالخطايا والفساد والخيانة .
والله إني لاستغرب من جرأة البعض ، عندما يعدنا عند كل استحقاق، بالنزاهة والشفافية في الانتخابات، هل سمع أحدكم عبارات "شفافة ونزيهة وديمقراطية" إلا عندنا أو عند من قلدناهم في هذا الاستثناء المخزي ، هل سمعتم يوما سياسيا فرنسيا او اسبانيا او امريكيا يتلفظ بهذه العبارات، خلال حملاتهم الانتخابية ؟ أبدا ، لم لن تسمعوه ، إنما يصر على ترديدها من يشعر في أعماقه بأنها تنقصه .
هراء ودجل، هذا الذي نسمع كل حين من قيادتنا، حول خصوصية النظام واستثناء الدولة، فليس من خصوصية للنظام أي نظام، وتحت أي ظرف. نعم ، للشعوب خصائص وخصوصيات متباينة، تتمايز إلى درجة الاختلاف ، أساسا في الثقافة التي هي بالمعنى العام، محصلة التاريخ لتجارب وتراكمات المعرفة لكل شعب .
لكن هذا لا ينسحب على نظام الحكم، ذلك أن تجارب الإنسانية في هذا الحقل، متشابهة إلى حد التطابق . فقد مرت البشرية بأطوار مختلفة وعديدة من أنظمة الحكم ، وجربت منها بكثير من المرارة والمعاناة، أشكالا شتى، ابتداء بالحق الإلاهي وانتهاء بالديمقراطية .
وبالمناسبة، لا احد يعتقد بعصمة الديمقراطية ونظامها من الخطأ، وأول من يقر بهذا هم الديمقراطيون أنفسهم، فللديمقراطية عيوب كثيرة وثغرات أكثر، ليس هذا وقت الحديث عنها، لكنها أيضا دون أدنى ريب أفضل المتاح، إذ لم يتوصل الفكر البشري بعد، إلى حل معضلة نظام الحكم،والصراع عليه، سوى بمبدأ التداول السلمي على السلطة، وباستحداث عديد المؤسسات الكفيلة بالمراقبة والمحاسبة والحد من تسلط الحاكم، من خلال فصل السلطات واستقلالية القضاء، فلا يحد من طغيان السلطة إلا سلطة موازية ومساوية لها في الشرعية، البرلمان مقابل الحكومة على سبيل المثال. و طبيعي أن البرلمان الذي اعنيه شيء مختلف عن هذه المسوخ المنتشرة في العالم العربي، وتحمل اسم المجالس الشعبية أو الوطنية، والتي هي بالمجمل ديكورا لا أكثر، وان صدقت نوايا بعض أعضائها.
إن كل عيوب الديمقراطية، لا تساوي شيئا، أمام المفاسد المطلقة، التي يخلفها الحكم المطلق. أمامنا الآن في شهر نوفمبر الجاري، مثالان واحد من الغرب و آخر من الشرق،.ما يؤكد أن لا استثناء في نظام الحكم، فمن الغرب الانتخابات الأمريكية التي تجري كل أربع سنوات، يجدد فيها للرئيس مرة وحيدة فترة أخرى. ولا اعتقد بوجود مزايدة على الديمقراطية الأمريكية، ومن الشرق الصين، فرغم الاختلاف الجوهري بين النظامين، إلا أن مبدأ التداول السلمي يجمعهما! فالصينيون يختارون رئيسا جديدا كل عشر سنوات، أو بمعنى أدق يعينه المؤتمر العام للحزب الشيوعي الصيني.
نحن إذن أمام واقع سياسي وطبيعي صارم، يفرض نفسه على البشر مهما كانت مظلة الحكم التي تاويه، ومهما كان الشعار الذي يرفعه.فأول مزايا التداول على السلطة، تجديد الدماء والفكر، ومنع الفساد من أن يعشش في مفاصل الدولة، وما قاله الرئيس الصيني الجديد شي جين بينغ - سيتولى الرئاسة الفعلية مارس المقبل- يطرق الأذهان بشدة ويجمد الدم في العروق «قدر كبير من الحقائق يبين لنا أنه كلما زاد الفساد تكون النتيجة الوحيدة نهاية الحزب وانهيار الدولة! » فهل تتعظ قيادتنا قبل الطوفان، ألا تجد في قوله وصفا دقيقا لأوضاعنا.
تجارب الشعوب في الحكم ، خاصة في عصرنا، تؤكد باليقين المطلق، خطأ وسفاهة التجديد الأبدي للحاكم ،أو جمع السلطات كلها بيده، وقد دفعت الشعوب التي اعتمدت هذا المسار أثمانا باهضة من تقدمها وحريتها، مقابل التي تبنت خيار الديمقراطية القائل بالتداول على السلطة.
مثال آخر لمزيد من التوضيح، مصر والهند كانتا في منتصف القرن الماضي بذات مستويات التنمية، وتواجد بهما عملاقان ثوريان ناصر ونهرو، اختار ناصر استثنائية النظام والظرف والتجديد الأبدي، فلا صوت يعلو على صوت المعركة، واختار نهرو الديمقراطية .
الآن وبعد مرور أكثر من ستين سنة، لازالت مصر تتخبط، وبالكاد بدأت تخرج من النفق المظلم الذي ابتلعها كل هذه المدة، وانتهت جميع معاركها إلى فشل ذريع، العسكرية منها والتنموية وغيرها. في حين تحتل الهند مكانة مرموقة في تقنية البرمجيات وصناعة السيارات والصناعات العسكرية والفضائية وهي ضمن النادي النووي .
سبب هذه الفجوة بين البلدين أن عبد الناصر ورفاقه من قادة ثورة يوليو، ظنوا أن الثورة لن تحقق أهدافها ولن تنجح مشاريعها، إلا من خلال نظام استثنائي يلائم الظروف التي تمر بها البلاد،ففصلت القوانين على مزاج الحاكم و طغمته، ليتحول ناصر ومن جاء بعده، إلى فراعين جدد و أنصاف آلهة، اصبغ عليهم الإعلام الرسمي الدعائي،ألقاب وأوصاف الأنبياء، من حكمة وعصمة من الخطأ! فكيف بالمساءلة ؟. فكان أن تخشبت هياكل الدولة وتصلبت شرايينها، وبدأت تراوح مكانها، ووقف التقدم ، فيما تراجعت الحياة السياسية، وصودرت الحريات العامة، وتشعب الفساد، وامتدت اذرعه في كل اتجاه، لم يسلم منه الحاكم نفسه وعائلته، وكانت نتيجة كل هذا ثورة 25 يناير 2011. في الهند حصل العكس فرغم الكثافة السكانية الهائلة، والفقر المدقع ، والتباين الحاد بين عديد الإثنيات والطوائف والديانات، أصر نهرو على الاختيار الديمقراطي, وجعل الهند اكبر الديمقراطيات في العالم ومكانتها هي ما نعرفها الآن من ثقل سياسي واقتصادي مطرد .
هذه أمثلة متفرقة، من هذا العالم الواسع، تبين زيف ادعاء قيادتنا لاستثناء الحكم والدولة، وهو استثناء يرفع في وجه الشعب فقط إن طالب بحقوقه السياسية أو المادية أو المعنوية.
لاشيء على الإطلاق يمنعنا الآن، هنا بالمنفى، من إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، وليس هذا الشكل المشوه، لا شيء يمنع من التداول على السلطة، وتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية، أو الأمين العام للجبهة، وفصل السلطات واستقلالية القضاء، لاشي يمنع من إقامة قضاء إداري، يقلم أظافر السلطة التنفيذية ويحد من تجاوزاتها، وسفاهة بعض أعضائها في تعاملهم مع الشعب، وتعاليهم عليه، لاشي يمنع من تفعيل دور البرلمان ليحجب الثقة عن حكومة فاشلة او عن وزير لم يؤدي عمله.
الوضع الاستثنائي للنظام، هو عنوان لكل كارثة تحل بالشعوب ، هو سبب اللا استقرار والانقلابات والتمرد والثورات، لان قوانينه خاصة وشاذة ومفصلة على فرد أو عائلة أو طغمة، و هو البيئة الخصبة للفساد ومرتع الفاسدين، هو أيضا الذي يدفع أبناء الوطن المخلصين إلى الهجرة وبالتالي يحرم الوطن من أفكارهم وسواعدهم، هو عنوان ومظلة للاستئثار بالحكم وربما توريثه، كما حدث في سوريا وكاد إن يتم في مصر وليبيا واليمن وتونس.
وخلاصة القول إن كان الوضع الاستثنائي، سبب تخلف الأنظمة التي ذكرت وأخرى لم ترد في السياق ، فهو سبب تأخر استقلالنا الوطني، و طول هذه المرحلة الرمادية المليئة بالخطايا والفساد والخيانة .
والله إني لاستغرب من جرأة البعض ، عندما يعدنا عند كل استحقاق، بالنزاهة والشفافية في الانتخابات، هل سمع أحدكم عبارات "شفافة ونزيهة وديمقراطية" إلا عندنا أو عند من قلدناهم في هذا الاستثناء المخزي ، هل سمعتم يوما سياسيا فرنسيا او اسبانيا او امريكيا يتلفظ بهذه العبارات، خلال حملاتهم الانتخابية ؟ أبدا ، لم لن تسمعوه ، إنما يصر على ترديدها من يشعر في أعماقه بأنها تنقصه .