اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

كيف يخلق النظام أسباب ديمومته؟

كتب بواسطة : موضوع on 26‏/07‏/2011 | الثلاثاء, يوليو 26, 2011



الأستاد:التاقي مولاي أبراهيم

شد انتباهي مقالا على صفحات جريدة الخبر الصادرة يوم14/06/2011 تحت عنوان:لماذا يتمكن النظام من الاستمرار؟ لكاتبه الأستاذ مصطفى هميسي الذي أستسمحه والقارئ الكريم في الإقتباس من بعض الأفكار الواردة في هذا المقال عندما تدفعني الضرورة لذلك لإثراء الإشكالية التي أطرقها والتي جاءت تحت عنوان: كيف يخلق النظام أسباب استمراره؟
وسأنطلق من إشكالية جزئية مشابهة لتلك التي أنطلق منها الكاتب وهي:لماذا نعيش هذا الوضع المأساوي الذي طال أمده ومع ذلك يواصل النظام تحديث مقومات وجوده واستمراره؟
يقول عالم الاجتماع غاستون باشلير: ''إن القطيعة يمكن أن تحدث ''عندما يتخلى النظام عن منطقه الخاص'' ويصف باشلير النظام الأحادي بأنه نظام يدمّر كل مراكز القرار ذات الاستقلالية. ومن هنا فإن التقنية المستخدمة لاستمرار النظام يمكن أن تكون نقلا عن غ. باشلير كالتالي:
1 ـ كل النخب غير الآتية مباشرة من السلطة وغير التابعة لها ينبغي القضاء عليها حتى لا تتجمع حول مراكز ذات استقلالية.
2 ـ إن توكيل السلطة لا ينبغي أن يتحول إلى عمل مؤسساتي حتى يظل من الممكن إلغاء هذا التوكيل في أي وقت.
3 ـ تثـبيط كل روح مبادرة وتجديد، لأن ذلك قد يتسبّب بشكل متواصل في تعديل موازين القوة داخل النظام.
4 ـ فرض إيديولوجية رسمية للإبقاء على الإجماع والوقوف في وجه كل مضاربة من شأنها أن تبعث معارضة.
5 ـ المجال الخاص للفرد ينبغي أن تمتصه الدولة، لأن هذا المجال قد يتسبّب في تفتيت الاحتكار.
6 ـ ينبغي التهديد بشكل دائم باللجوء إلى العنف للدفاع عن الاحتكار والتأكد من ولاء وإخلاص جهاز القمع.
إن هذه التقنية المستخدمة لاستمرار النظام كما وصفها باشلير قبل الثورة الفرنسية تكاد تتطابق إلى حد بعيد مع التقنية التي يستخدمها النظام عندنا، يضاف إليها أيضا عملية إدارة النخبة(القوة المشتتة) وفق مناهج متلائمة مع هذه التقنية، وفي هذا السياق،فإن النخبة السياسية لدينا وصلت مستوى من الخبرة السياسية يسمح لها بممارسة رقابة على جميع أشكال التعبير الجماهيري، حيث يصبح مستحيلا لأي فرد عادي دخول هذه النخبة. في الوقت نفسه، تتعوّد هذه النخبة على الممارسة السياسية، حيث يتولد لديها الاقتناع أو الاعتقاد أن وجودها ضروري، وأن تخلي أعضائها عن مناصبهم يشكل كارثـة عليهم هم أنفسهم وعلى مصالحهم..''. ولهذا، وبسبب عدم وجود إمكانية للتغيير العادي، فإن ''..(الانقلاب النخبوي) يشكل وسيلة هامة تؤدي إلى أن تأخذ نخبة مكان نخبة أخرى، حيث تنتزع منها مكانتها وسلطتها في نظام الحكم..''.
وهذا الشكل من النظام، سواء وجد في هذا التفسير السوسيولوجي التاريخي بعضا مما يصفه أو في غيره، فإنه صار مشكلة المشكلات في وجه التغيير الإيجابي وكل المؤشرات تقول إن أي تمثـيل حقيقي للمجتمع وقواه الموضوعية الطبيعية لن يعطي محتوى النخبة الحالية، وهذا عامل آخر للخوف من التغيير. كما أن السطو على الثـروة العامة وتحويلها نحو ''إقطاعات'' (من إقطاع) وعصب وأدواتها الأفقية، يزيد من التباعد بين قمة الهرم ووسطه وقاعدته؛ وهو ما يعني أن السلطة القائمة لا تفكر ولن تفكر أبدا في أي انفتاح ديمقراطي، ويشاطرها الرأي قوى داخلية وأخرى خارجية ذات مصالح كبيرة وواسعة ، وتملك أدوات فاعلة للتأثـير في القرار وتمنح لها دائما امتيازات سخية ثـمنا للسكوت والتواطؤ.
إن مثـل هذه النخب ولعوامل متعددة أخرى، خاصة منها غياب رؤية بل غياب حتى الانشغال بموضوع تحرير الوطن وبناء دولة المؤسسات والقانون، لا يمكن أن تقود الشعب إلى الديمقراطية ولا إلى الحداثـة، إنها ''جسم غير مفيد'' سياسيا وثـقافيا واجتماعيا، بل هي مشكلة المشكلات في حد ذاتها.
إن التقنية المستخدمة لاستمرار النظام كما وصفها باشلير قبل الثورة الفرنسية في نقاطها الست الواردة سلفا جاءت في زمن الأنظمة الإقطاعية التي كانت تحكم أوروبا في تلك الحقبة،وهو زمن غابت فيه حرية التعبير وحقوق الإنسان ،مما جعل تلك الأنظمة تمارس سلطتها بعيدا عن ضغط المنظمات والجمعيات الحقوقية التي أصبحت سلطة قائمة بحد ذاتها اليوم تؤرق مضاجع الأنظمة الأحادية الشئ الذي أدى بها إلى البحث عن تقنيات جديدة للبقاء والإستمرار تضاف إلى التقنيات التي وصفها غاستون باشلير،فكان لا بد على النظام أن يتخلى عن عملية ممارسة تكميم الأفواه وبالتالي إطلاق العنان لحرية التعبير،حرية واجهها بسياسة الأذان الصماء حتى تبقى مسألة المناداة لتحول ديمقراطي حقيقي مجرد صرخة في وادي عميق لا ثؤثر بأي حال من الأحوال في أستقرار النظام وقد تمنحه أحيانا سببا أخر للاستمرار عندما يأول وكلائه هذه الصرخة كفعل من صنع العدو من أجل ضرب الثورة في الصميم وبالتالي الوقوف في وجه عملية التحرير والبناء
ومع تنامي سلطة المنظمات والجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان عبر العالم والتي أصبحت معها أجهزة القمع عبأ على الأنظمة الأحادية لما تكلفها من إمكانات مادية كبيرة في حين أصبح دورها التقليدي تحت مجهر هذه المنظمات والجمعيات لجأ النظام إلى ورقة الانتفاضة كأسلوب جديد لتحقيق استمراريته وديمومته من خلال تسويق أبطال الانتفاضة لهاجس النظام الأساسي وهو ضرورة التفاف الشعب وراء ((قيادته الرشيدة)) مقابل ترويج النظام إلى ضرورة التسليم بالانتفاضة السلمية كخيار وحيد لتحقيق الاستقلال في ثورة ضمنية ضد المؤسسة العسكرية التي أصبحت على درجة كبيرة من الوعي تستعصي معها توظيفها في لعبة الصراعات السياسية داخل جبهة البوليساريو كما حصل في خريف 1988.

0 التعليقات: