اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

هل سيسقط القذافي و"بس "؟ / السيد حمدي يحظيه

كتب بواسطة : futurosahara on 31‏/08‏/2011 | الأربعاء, أغسطس 31, 2011

   
كان واحد من الشعارات التي حملتها ثورة ليبيا هي " يسقط القذافي وبس". ورغم انه شعار عفوي شعبي إلا أنه في الحقيقة قد يعبر عن ما قد تؤول إليه ثورة ليبيا الشعبية من تداعيات وقد يختزل الصورة الحاصلة على الأرض. في الحقيقة لم تثير وقد ولا تثير -في المستقبل- أية ثورة من ثورات الربيع العربي ما أثارته ثورة ليبيا أو بصورة أدق ما أثاره تهاوي نظام وتمثال القذافي. فثورة ليبيا شكلت إلى حد الآن استثناء في المنطقة؛ أي أنها الوحيدة التي لم تتبع الموضة: تم فيها اللجوء لمجلس الأمن، تم التدخل الأجنبي وتم اللجوء للسلاح الأبيض والأسود والأحمر. أكثر من ذلك قد تصدق فيها قصة أولئك الذين بدل أن يسلوا الشعرة من عجين خبزهم رموا العجين كله في المزبلة؛ أي أن ثوار ليبيا بدل أن يطيحوا بالقذافي على الطريقة التونسية أو المصرية الاستعراضية خاضوا ثورة ضده مات فيها عشرات الالاف. ثورة ليبيا هي كذلك الوحيدة التي أثارت جدلا كبيرا متناقضا وأحدثت تصدعات في مواقف القارة الإفريقية والمغرب العربي. إن ثورة ليبيا التي كان الجميع يتمنى لو أكتفت بالأسلوب التونسي أو المصري الحضاري قد لا تنتهي بسقوط القذافي و"بس". لنرى مثلا بعض ما يمكن أن تفرزه هذه الثورة على القارة الإفريقية وعلى منطقة المغرب العربي وعلى ليبيا نفسها.

على مستوى القارة الإفريقية
في الحقيقة استفادت إفريقيا كثيرا من القذافي على مدى العقود الأربعة الأخيرة. وحين نقول أنها استفادت من القذافي فإننا نعني استفادتها من نزواته السياسية وشعوره بالعظمة المتخيلة وبالأخص ماله الوفير الذي كان ينعم ويجود به على إفريقيا. النقطة الثانية المهمة أن تَدَخُّل القذافي في الشأن الإفريقي وتقديمه للمال بلا حساب لشراء المواقف ولحل المشكلات قطع الطريق أمام فرنسا التي ظلت دائما تريد إفريقيا بقرة حلوب تعطي اللبن بدون علف. فمثلا منذ أن أصبح القذافي " ملك ملوك إفريقيا" بدأ يتصرف وكأن القارة الإفريقية، كلها، هي دولته وبالتالي كان هو الذي يدفع من جيبه كي يسمع له الأفارقة. إن المال الليبي غير المحسوب حصر النفوذ الفرنسي في القارة السمراء. إن تقزيم القذافي لدور فرنسا في إفريقيا جعلها تستغل الفرصة للإجهاز عليه. فما كاد الشارع الليبي يتحرك مطالبا بسقوط الديكتاتور القذافي حتى حشرت فرنسا أنفها في القضية وبدأت تحرض على الفتنة وتنبش النار وتحفر في الرماد بحثا عن بقايا الجمر المشتعل حتى حدثت الحرب. إن بداية التحرك الحضاري في ليبيا ضد القذافي ( التظاهر السلمي) توازى معه عراك دبلوماسي أمريكي فرنسي حول الكعكة الليبية انتهى بتوقيع اتفاق بينهما يقضي بتفرد أمريكا بالعراق وبالشرق الأوسط وبتفرد فرنسا بليبيا وإفريقيا. الاتفاق كانت نتيجته خروج أمريكا من ليبيا مبكرا وترك المجال لفرنسا.                  
إن تفرد فرنسا بليبيا ومحاولتها لقرصنة ثورتها عن طريق مجلس الأمن والتدخل الأجنبي العسكري أزعج الاتحاد الإفريقي، خاصة بعض دوله ذات الوزن الثقيل مثل الجزائر وجنوب إفريقيا، وأحرجته وجعلته يتلكأ بين نارين: نار أن يقف ضد ثورة الشعب الليبي المشروعة، ونار إن يسمح بتدخل أجنبي في أرض هي أصلا جزء مهم واستراتيجي من إفريقيا؛ تدخل قد يجر إلى عودة فرنسا كاستعمار إلى هذه القارة. إن الكثيرين يخشون الآن أن يصبح مصير ليبيا بعد القذافي هو مصير العراق بعد صدام حسين.

المتضررون والمستفيدون من قرصنة الثورة الليبية
أكثر المتضررين من قرصنة الثورة الليبية من طرف فرنسا هم جارتها الجزائر. فالجزائر ظل يزعجها على الدوام محاولة فرنسا العودة إلى القارة الإفريقية باية صورة كانت. إن التحفظ الجزائري ليس على الثورة الليبية ضد القذافي، بل على التدخل الأجنبي خاصة الفرنسي. إنه تخوف مبني على ما يلي:
  • هناك تخوف عام أن ينشأ نظام في ليبيا تابع أيدولوجيا لفرنسا أو مشاركة في صنع قراره. إن نشأة هكذا نظام سيجعل الضغط الفرنسي على الجزائر يزداد أكثر وسيسهل زعزعة استقرارها في المستقبل، وبالتالي وجود رائحة فرنسا في المنطقة ليس في مصلحة الجزائر أبدأ. إن كل التحاليل، حتى البسيط والسطحي منها، يرى أن التدخل الفرنسي في ثورة ليبيا هو ضربة بوكير ستجعل الجزائر هي الهدف التالي للحراك الشعبي، وبالتالي فإن المنطقة مقبلة على مرحلة من عدم الاستقرار الذي قد لا ينتهي بسرعة. إن هناك الكثير من المؤشرات التي تدل إن ثوار ليبيا يناوشون الجزائر نيابة عن فرنسا ويتوعدونها بالحراك الشعبي مستقبلا. إن الهجوم غير الأخلاقي الذي يشنه ثوار ليبيا على الجزائر وتشويهها أمام العالم ومحاولة إكراهها على الاعتراف بهم كممثل شرعي يجعل الشكوك تدور حول من يقف وراء هذه الحملة المسعورة إذا لم يكن فرنسا.      
  • التخوف الثاني ناتج عن انتشار الأسلحة في الشارع وفي أيدي كل الناس بما فيهم الأطفال، ومن البديهي أن مصير ذلك السلاح هو القاعدة في الصحراء الإفريقية أو الإرهاب في الجزائر.

أما الذين حاولوا الاستفادة من قرصنة الثورة الليبية فهم- إلى جانب فرنسا بالدرجة الأولى للأسباب التي ذكرنا آنفا- المملكة المغربية المعتادة على اللعب القذر. فهذه الأخيرة أيضا لم تترك الفرصة تمر دون أن تصطاد الضفادع في المياه الراكدة. كانت المملكة المغربية، انطلاقا من لوبياتها في واشنطن، هي أول من بدأ باتهام الجزائر أنها "ترسل" مرتزقة وأسلحة إلى القذافي، لكن حين انتهى دور أمريكا في ليبيا وأصبحت فرنسا هي السيدة فيها بدأت المملكة تنفخ في اشداقها وفي أبواقها متهمة جبهة البوليساريو أنها تقاتل بثقلها إلى جانب القذافي. ولم يكتف النظام المغربي بتشويه صورة البوليساريو والجزائر في العالم بل سارع إلى بنغازي كي يعترف بمجلس الثوار وكي يقترح عليهم إقامة حلف ليبي مغربي مستقبلا هدفه بناء المغرب العربي بدون الجزائر.

ما مصير المغرب العربي؟
إن بناء اتحاد المغربي يزداد صعوبة يوما بعد يوم. فبالرغم أنه اتحاد مشلول وميئوس منه إلى حد الآن بسبب تعنت المغرب على الاستمرار في احتلال الصحراء الغربية إلآ أن تداعيات الثورة الليبية قد تؤخر ذلك الاتحاد وتؤجله إلى تاريخ لا يعلمه إلا الله او قد تفجره هو المنفجر أصلا. إن اتهام ثوار ليبيا غير البريء للجزائر بدعم القذافي سيجعل العلاقة بين النظام الذي سيخلف القذافي والجزائر تتوتر أكثر بحكم أن أكثرية الذين سيكونون قيادة غدا في ليبيا هم الأعضاء الحاليون للمجلس الانتقالي الذين يكيلون الاتهام للجزائر صباح مساء. إن توتر العلاقة بين الجزائر وليبيا ما بعد القذافي قد تعيد المغرب العربي إلى مرحلة ما بعد سنة 1975 حين غزا المغرب الصحراء الغربية. إن دول "الاتحاد" المذكورة ستلجأ إلى ما يسميه الصحراويون في لعبة ظامة "التسوفيل"؛ أي أن كل دول ستحاول أن "تسوفل" الدول الأخرى بإقامة اتحاد ثناي مع دولة أخرى صديقة من المنطقة للتضييق على الدولة "العدوة". فمثلا من السيناريوهات المحتلمة أن يقيم المغرب وليبيا ما بعد القذافي وتونس -إذا أمكن- تحالفا لعزل الجزائر والتضييق عليها ومحاولة تفجيرها على الطريقة الليبية. إن مثل هذا التحالف قد يجعل تونس وموريتانيا تلتزمان الحياد وبالتالي ستتعرض الجزائر للكثير من الضربات الخفية تحت الحزام من طرف ليبيا والمغرب المدعومين من طرف فرنسا.

أي سيناريوهات تنتظر ليبيا نفسها؟
مع كامل التمني أن تصبح ليبيا دولة موحدة وديمقراطية مثلما يريد ويحلم بذلك الليبيون، لكن في الحقيقة هناك بعض التخوفات والإكراهات. فمثلا توليفة المجتمع الليبي القبلية قد تجعل تشكيل حكم ديمقراطي صعب جدا. إنه من المحتمل جدا أن تتنافس القبائل ذات العدد الكبير التي كان القذافي يقمعها ويرشيها على الحكم للظفر به وستدعم فرنسا بعضها ضد بعض. من جهة ثانية يجب أن لا ننسى أن فرنسا سيكون لها دور كبير في التأثير على السياسة السيادية المنتهجة مستقبلا في ليبيا. إن تدخل فرنسا تحت مظلة الناتو سيجعلها تمن على ليبيا ذلك التدخل، وبدون شك، ستطلب ثمنه. لقد تعمدت فرنسا أن تطيل زمن الحرب بين الليبيين حتى تقول لهم مستقبلا أنه لولاها هي لقتلهم القذافي جميعا وعليهم أن يضعون لها حسابا، تماما مثلما حدث في العراق مع أمريكا بعد صدام حسين. إن السيناريو الأكثر خطورة هو أن تتحول ليبيا- لا قدر الله- إلى عراق ثاني. إن الخوف الآن قائم على أمكانية أن ينتهج الذين كانوا يؤازرون القذافي أسلوب الذين كانوا يؤازرون صدام حسين؛ أي يلجئون إلى المقاومة. إن هذا السيناريو المقلق مرده لأكثر ترجيحا إلى وجود الكثير من السلاح في ليبيا الآن وإلى الحدود الواسعة لليبيا مع دول الجوار وهي الحدود التي من الصعب أن السيطرة عليها.
في الأخير نتمنى كلنا أن يسقط القذافي وبس.

0 التعليقات: