مولود أحريطن
بحلول السادس من سبتمبر 2011 تكون قد مرت عشرون سنة على وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع في الصحراء الغربية، جبهة البوليساريو و المملكة المغربية تحت إشراف الأمم المتحدة و الذي شكل بداية ما عرف بمخطط السلام الاممي في الصحراء الغربية. المخطط في مجمله تضمن خطة شاملة وواضحة تبدأ بوقف لإطلاق النار و تنتهي بتنظيم استفتاء لتقرير المصير يتمكن من خلاله الشعب الصحراوي من التعبير عن رأيه و اختيار مستقبله بكل حرية و نزاهة ، مرورا بإصدار عفوا عاما يكون متبوعا بعملية لتبادل الأسرى و عودة كافة اللأجئين الصحراويين إلى الصحراء الغربية، و كانت المدة الزمنية التي منحت للإطراف المعنية لتنفيذ المخطط بكل مراحله قد حددت بستة أشهر.
رقص الصحراويون فرحا و إمتلؤ أملا ظنا منهم أن سنوات المعاناة و اللجوء الطويلة التي خبروها في المنفى قد أوشكت على النهاية ، و لم يكن ليدر في خلد أكثر المتشائمين أن الستة أشهر سوف تمتد إلى عشرين سنة دون نتيجة و الحبل على الجرار.
لقد تحول مخطط السلام إلى مخطط إستسلام ، و الأمل و التفأل إلى يأس و قنوط و ندم ، و تحولت الثقة في الامم المتحدة و المجتمع الدولي إلى مخزون هائل من السخط و الغضب.
لم يسجل التاريخ قط أن حركة تحرير قبلت الاستمرار في الالتزام بوقف لإطلاق النار لمدة عشرين سنة دون تحقيق أية نتيجة او حتى وجود أدنى أمل في إحراز أي تقدم. و لم يذكر التاريخ ان حركة تحرير قبلت الاستمرار في حلقة مفرغة من المفاوضات العبثية ـ رسمية و غير رسمية ـ كل هذه السنوات دون تحقيق نتائج و من دون ضمانات تذكر.
الحقيقة الوحيدة المرة التي يمكن استخلاصها من التعاطي بكل إيجابية مع الامم المتحدة المتخاذلة و االمسيرة حسب مصالح و أهواء الخمسة الكبار في مجلس الأمن، طوال العشرين سنة الماضية ، هي انهم يضحكون علينا و يستغفلوننا و يستغلون طيبة البدوي المعهودة فينا لجرنا إلى التسليم بالأمر الواقع و الرضوخ بشكل ممنهج و مدروس لواقعيتهم السياسية القائمة على الكيل بمكيالين بحسب محددات و مقتضيات مصالحهم الاقتصادية و الأمنية بعيدا عن شعارات الديمقراطية و حقوق الإنسان و حرية التعبير التي لطالما تشدقوا بها و التي يستعملونها فقط حينما يستشعرون أن مصالحهم في خطر.
في واقع الامر أن القراءة الوحيدة الممكنة لما جرى و يجري من تماطل و تمديد و إضاعة للوقت عبر لعبة المفاوضات غير الرسمية العبثية هو أنه هناك مخطط واضح و مدروس لتجريدنا من كل عوامل صمودنا و سلبنا كل عناصر مقاومتنا و إنهاكنا بشكل بطء و تدريجي لجرنا في النهاية إلى رفع الراية البيضاء و الإستسلام، و للأسف الشديد فإن السياسات المتبعة ، خلال السنوات العشر الاخيرة على الاقل ، من طرف القائمين على اتخاذ القرار في هرم السلطة الصحراوي تصب عن قصد أو عن غير قصد في نفس المنحى.
لقد تم إهدار و تفويت العديد من الفرص المواتية التي لو كانت إستغلت ووظفت بالشكل الصحيح و المناسب لربما كان الوضع الآن مختلف تماما و لكنا جنبنا أنفسنا الكثير من العنا و المعاناة.
إن رياح التغييرالشامل التي تهب على العالم العربي الآن و التي عصفت بأنظمة كان من دروب المستحيل مجرد التفكير بإمكانية زعزعتها نظرا للأسس الأمنية و القمعية التي كانت تقوم عليها و نظرا للدعم و التأييد المطلقين اللذين كانت تحظى بهما من قبل الغرب و أمريكا، تعد فرصة ذهبية للقيام بتحرك فعال و اتخاذ قرارات جريئة لتحريك القضية و إخراجها من النفق المسدود الذي توجد فيه منذ سنوات طوال، فإذا كانت شعوب الدول المستقلة منذ عشرات السنين ثارت و إنتفضت للتخلص من ظلم و إستبداد حكامها، فكيف نقبل ، نحن الذي يوجد شعبنا مقسم و جزء منه مشرد و وطننا محتل و ثرواتنا تنهب دون وجه حق، الاستمرار في الصمت و الركون إلى الاستكانة و انتظار حل لن يأت عبر الأمم المتحدة المتخاذلة و المتواطئة مع الاحتلال المغربي و التي تحاول اختزال مخطط التسوية الاصلي في مجرد و قفا دائما أو طويلا لإطلاق النار بقدر ما يخدم مصالح الغرب و يجنبه مزيدا من الصداع في المنطقة.
إن كون نظام الاحتلال الآن يواجه مأزقا حقيقيا يضعه بين سندان الخشية من تبعات رياح التغيير التي عصفت و تعصف بأمثاله من الأنظمة الفاسدة في المنطقة ، في ظل اتساع رقعة الاحتجاجات والتحركات الشعبية التي تطالب بإحداث تغييرات جذرية و عميقة في بنية النظام الملكي و تجريد الملك من صلاحياته المطلقة و تحويله إلى مجرد رمز ، و مطرقة الأزمة الإقتصادية و الغليان الشعبي و الاجتماعي الناجم عن تفشي البطالة و الفساد بشكل غير مسبوق بلغ مستويات قياسية، كل هذا يجعل الوقت اكثر من مناسب و الفرصة أكثر من مواتية لاستعمال كل الأوراق المتاحة لزيادة الضغط عليه و حشره في الزاوية لإجباره على التسليم بحقوق شعبنا ووضع حد لاحتلاله لأرضنا.
إن الفشل في التوصل إلى حل مقبول مع النظام المغربي خلال عشرين سنة من الوساطات و المفاوضات المباشرة و غير المباشرة ، الرسمية و غير الرسمية تؤكد شئين:
أولهما إن وقف إطلاق دون ضمانات ملموسة و فعلية كان خطأ فادحا دفعنا ثمنه معاناة و إنتظار طيلة عشرين سنة و لا زلنا ندفع.
و ثانيهما أن نظام المخزن ليس لديه أدنى إرادة سياسية للتوصل إلى حل سلمي للنزاع و إنما لديه إطار محدد مسبقا للحل و لا يريد الخروج عنه و يحاول تمريره عبر سياسة الممطالة و كسب الوقت و بالتالي لم تعد تجدي معه الأساليب و الوسائل السلمية التي تم اتباعها منذ وقف إطلاق النارحتى الآن من قبيل المقاومة السلمية و ورقة حقوق الإنسان التي و إن كانت قد حققت بعض النتائج الإيجابية إلا انها لم تكن كافية لحسم الامور في ظل مواقف فرنسا في مجلس الامن.
في حقيقة الأمر أنا من اللذين لم يؤمنوا يوما أن الحل سيأتي عبر الأمم المتحدة المتخاذلة و يوما بعد يوم تزداد و تترسخ لدي هذه القناعة و عليه و في ظل التغييرات الجذرية التي تعرفها المنطقة برمتها و في ظل الإحراج الكبير الذي وقع فيه الغرب بسبب مواقفه المتقاعسة من بعض الثورات و لجؤه لسياسة الكيل بمكيالين مع البعض الآخر ، فإنه بات لزاما على جبهة البوليساريو و الصحراويين إعادة النظر و بشكل جذري في تعاملها مع الأمم المتحدة و إعادة صياغة كل مواقفها و سياساتها السابقة، و في نظرنا فإن المؤتمر القادم للجبهة يجب أن يمثل قطيعة تامة مع الممارسات التي طبعت مرحلة اللا حرب و اللا سلم و يشكل انطلاقة جديدة للكفاح الوطني من خلال اتخاذ قرارات جريئة و شجاعة و وضع خطط و إستراتيجيات واضحة تنطلق من حقيقة الواقع الوطني و التراكمات الحاصلة على مدى العشرين سنة الماضية و تأخذ في الحسبان الاحداث و التطورات التي تعرفها المنطقة برمتها.
4 سبتمبر 2011
مولود أحريطن ـ إشبيلية ، إسبانيا
