الدد محمد محمدنا
قال خوسيه ماريا اثنار وزيرة الحكومة الاسبانية الاسبق بعيد تفجيرات الـ 11 مارس 2004 التي هزّت مدريد " ان الذين قامو بهذا الاعتداء لا يجب البحث عنهم في الصحارى البعيدة".
كان الاعتقاد حينها يشي بأن المخزن هو الذي يقف وراء التحضير لعملية التفجيرات والقيام بها في ظل الظروف الاستثنائية التي كانت اسبانيا تمرّ بها حينذاك. وقد استند ذاك الاعتقاد على هدف العملية وحيثياتها وتوقيتها وهوية الاشخاص الذين تولوا مهمة تنفيذها... لكن ذلك الظن تم حجبه ومحوه مع مرور الوقت بفعل تغير التوجه السياسي في اسبانيا ، وصعود اليسار ذو العلاقات المشبوهة مع المغرب.
ولعل اشارة خوسيه ماريا اثنار تلك كانت تشير بشكل لايدع مجالا للشك باصبع الاتهام تجاه البلد الجار المغرب، وقد ورد ذلك بشكل واضح في ثنايا الصحف الاسبانية الصادرة عشية التفجيرات.
لقد كانت تفجيرات مدريد منطلق البحث الأول ، بعد ما كان يحدث في الجزائر طبعا من تسلل العناصر المسلحة من المغرب وإليها لتنفيذ عملياتها في عمق التراب الجزائري ، كانت التفجيرات نقطة البدء في الاشتباه بتورط المخزن بتمويل وإيواء مجموعات مسلحة ، ومن ثمة تنفيذ مهمات خارج المغرب باسم القاعدة والتنظيمات الاسلامية المسلحة.
ولتجميل الصورة وابعاد الشبهة ، سعى المخزن وخلال مرّات متلاحقة إلى تمثيل دور الضحية آخرها كانت تفجيرات مقهى في ساحة جامع لفنا بمراكش في نهاية ابريل الماضي ؛ على طريقة تفجيرات كنيسة القديسين بالاسكندرية مطلع هذا العام ، والتي تبنتها جماعة اسلامية، تبين بعد سقوط نظام مصر أن الفاعل هو أجهزة أمن الدولة!
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح الآن هو لماذا تلجأ الحكومة الاسبانية إلى المغرب بهذا لحلحلة القضية ، وهي التي ـ أي المغرب ـ لم تتم عملية الاختطاف على ترابها، ولا علاقة لها بالملف من اساسه؟
في ليلة 29 نوفمبر 2009 تعرض ثلاثة اسبان يعملون في منظمة "اكسيو سوليداريا" للاختطاف من قبل مجموعة تنتمي الى ما يسمى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي ؛ عملية الاختطاف جرت على بعد حوالي 170 كلم عن مدينة انواكشوط بموريتانيا. وقد اعترف التنظيم بفعلته في شريط بثته قناة الجزيرة القطرية في 8 ديسمبر 2009.
وقد دامت عملية احتجاز الاسبان الثلاثة حوالي 253 يوما تم بعدها الافراج عنهم بكفالة واطلاق سراح عمر الصحراوي الذي كانت موريتانيا تسلمته من مالي وأودعته السجن في انتظار محاكمته في قضية الاختطاف عينها....
الاعلان عن الافراج عن الرهائن الثلاث كان من الرباط بعد لقاء جمع ملك المغرب ووزير داخليته ووزير الداخلية الاسباني الاسبق الفريدو بيريز روبالكابا، حيث روبالكابا بنشوة المنتصر خلال ندوة صحفية عن الافراج عن الرهائن الاسبان ، وشكر في الوقت ذاته ملك المغرب والمخابرات المغربية وبشكل علني على السماح ـ هكذا وردت ـ بإطلاق سراح الرهائن.
هذه المرة عرفت وزيرة الخارجية الاسبانية ترنيداد خمينيث الوجهة كعادة سابقها موراتينوس في قضية متعاويني المنظمة الكتلانية، والتقت نظيرها المغربي ، على ان تلتقي ملك المغرب في وقت لاحق.
ترينيداد خمينيث وأمام الصحفيين طالبت الأمم المتحدة بإرسال لجنة تحقيق للنظر في الوضعية الحقيقة لمخيمات اللاجئين الصحراويين ، والتحقيق في ملابسات عملية اختطاف المتعاونين الاجانب؛ وهو طلب اثلج بدون شك صدر المخزن حيث قال وزير الخارجية المغربي أن عملية الاختطاف تتحمل مسؤوليتها الجزائر ، وأن المنطقة التي وقعت فيها عملية الاختطاف هي منطقة تنتشر فيها الأسلحة وتسودها الفوضي واللا قانون..
يذكر أن وزيرة الخارجية الاسبانية بعثت قنصل بلادها بوهران على جناح السرعة الى مخيمات اللاجئين الصحراويين ، لمحاولة اقناع اعضاء المنظمات غير الحكومية الاسبانية لمغادرة المخيمات وتعليق اعمالها هناك ، وهو مالم يستطيع القنصل القيام به أمام إصرار المتعاونين الاسبان على مواصلة مهامهم بالمخيمات.
إذأ، ما علاقة المغرب ، أو ما مصلحته في الافراج عن الرهائن المختطفين؟ الواضح أن المغرب حصل على تاييد اسباني فيما يتعلق بمطلبه القديم حيال الأمن بمخيمات اللاجئين الصحراويين وربما أكثر من ذلك. لكن هل يمكن للمغرب استعمال الجماعات المسلحة أو تنظيم القاعدة بالمغرب الاسلامي كورقة للمساومات من جهة وتصفية الحسابات من جهة أخراة؟
يمكن للساذج أن يزعم غير ذلك ، فتفجيرات مراكش في ابريل الماضي أوضحت للجميع أن المخزن أراد اخماد الأصوات المطالبة بالاصلاح واسقاط النظام عشية الاستفتاء على اصلاح الدستور، وتوجيه دفة التصويت لصالحه كما وجهت لصالح حليفه في الانتخابات التشريعية في اسبانيا في مارس 2004.
إن المغرب الآن يحاول توجيه ضربة قاسية للبوليساريو ليحصد هو ثمرة اطلاق سراح الرهائن ، حينها فقط يمكنه اللعب على ورقة أمن المنظمات الانسانية وامنها داخل مخيمات اللاجئين الصحراويين ، وبالتالي قطع أي اتصال ودعم عن الصحراويين بهدف عزلهم وبالتالي سهولة الالتفاف على مطاللبهم المشروعة.
في اغسطس 2010 نشرت يومية "ريخيون دي مالقا" مقابلة مطولة مع عميل في المخابرات الاسبانية تمحورت حول " هل يشكل المغرب تهديدا لأمن اسبانيا؟" ؛ قال فيها عميل المخابرات أن المغرب لا يشكل خطرا فعليا على أمن اسبانيا فحسب بل على أمن جيرانها ، الجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية بما في ذلك مخيمات اللاجئين الصحراويين. وفي ذات الخضم تمحورات كتابات الاستاذين السيد حمدي يحظيه ومالعينين لكحل.
إذا لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار التقارب الاسباني المغربي في مجال مايسمى "مكافحة الارهاب"، أمرا اعتباطيا، كما أن لجوء وزراء الخارجية الأسبان (موراتينوس 2009 وترينيداد يوم امس) لايمكن صرف النظر عنه بأي حال من الأحوال. فكلاهما يعرف حق المعرفة ضلوع المخزن في عمليات الاختطاف والمساومة.
وإلى أن تنتهي زوبعة الانتخابات التشريعية في كل من اسبانيا والمغرب ، حينها فقط يمكن نفض الغبار عن ملفات كثيرة كانت حكومة ثاباتيرو قد أحاكت خيوطها بالاشتراك مع المخزن ؛ فمن يدري ، قد تفك طلاسم عملية تفجيرات مدريد ، وعملية اختطاف المتعاونين الكاتالونيين ، وقد تفتح صفحة التواطوء الاسباني مع المغرب في أكثر من موعد حيال التعتيم على قضية الشعب الصحراوي