محمد عبد الرحمن
طول المدة في الحكم يفقد الحاكم الشعور بالواقع ويعزله تماما عما يدور حوله، يساعد على ذلك نمو بطانة متنفذة وأصحاب مصالح ربطوا مصالحهم بوجوده فيصورون له أن الشعب يعيش في ظله أزهى سنوات الاستقرار والنمو والعيش الكريم.
سمعنا و قرأنا لعشرات الكتاب المصريين والتونسيين والسوريين واليمنيين عن الازدهار الذي تعرفه بلدانهم في ظل القيادات الرشيدة للرؤساء الضرورة فالحريات مكفولة والحقوق محفوظة والمواطن إنسان موفور الكرامة بل أن نمو هذه البلدان حسب ذات الكتاب والمحللين في البرامج التلفزيونية مضطردا يكاد يكون من بين الأفضل عالميا و لولا المؤامرات الغربية والدسائس الصهيونية لتصدرت هذه الدول قوائم مراكز الأبحاث والدراسات في تحقيق الرخاء بفضل حكمة القائد وحنكته ، ويجمعون على استنتاج وحيد مفاده أن هذا الرخاء إنما هو ثمرة الزمن الطويل من استقرار الحكم والحاكم حتى تمكن من تدبير أمر البلد بالصورة الرائعة التي صارت مضرب المثل ، قلة قليلة كانت تحذر من الانهيار وتقول الحق دون مواربة بان البلد ذاهبة الى الهاوية بسبب تراكم الأخطاء والخطايا, وهذه القلة نعتت دائما بالخيانة والتواطؤ والتآمر مع العدو بل والسجن والسحل ومصادرة الحرية والحقوق السياسية وقطع أرزاقها ، غير أن " المدرك بالأيام عريان "فما لبث العالم أن اكتشف أي الفريقين أهدى و أيهما أضل سبيلا، فإذا استقرار مصر يحجب تحته فسادا مهولا وتوريثا لبلد بحجم وإمكانيات وتاريخ مصر, واستقرار ليبيا يحجب معه سرقة بلد وتوزيعه غنائم وكتائب بين أبناء القائد العظيم ونمو تونس واستقرارها كان نموا واستقرار لعائلة بن اعلي وعائلة حرمه الطرابلسية في حين أن سيدي بوزيد وغيرها من مدن و مداشر تونس يواجهون مصير البوعزيزي، والشيء ذاته يمكنك قوله عن اليمن وسوريا و باقي دول الحظيرة العربية التي لم تنتفض بعد.
نحن الآن نتبع خطى و أخطاء هذه الدول! نحن الذين لازلنا غرباء منفيين عن أرضنا بفعل الاحتلال والاستيطان المغربي الهمجي نحن الذين لازالت الثورة بين جوانحنا مشتعلة أو هكذا يفترض ونحن الذين لازالت دماء شهدائنا لم تجف بعد وجراحنا لازالت تنزف ، وكأن هذه المصائب لا تكفي، ليختطف بعضنا الثورة ويرهن الدولة بمسميات وذرائع شتى وبالتالي يرهن ويختطف عن وعي وقصد مستقبل الصحراويين ووجودهم ويضعه في الجيب والغيب.
إن ما يظنه قادتنا استقرارا هو ركود في أبشع معانيه ركود سياسي ودبلوماسي وعسكري وأداري و خدماتي ، ولأكون محددا ودقيقا سأخرج قليلا عن الكلام العام واسأل ماذا أفادنا التجديد الدائم لشخص الأمين العام للجبهة بمعنى أكثر تحديدا من يقدم لنا – ولنا هنا تعني الشعب أو جمهور عريض منه على الأقل حتى لا اتهم بالمزايدة والحديث باسم الشعب دون تفويض – من يقدم لنا إحصاءات وحقائق بما يضيفه الأمين العام للقضية وللشعب بعد كل تجديد ، وليدعنا من التقارير الأدبية فهي أدبية شكلا ومضمونا لدرجة إنها تصلح سيناريو فيلم ابيض واسود وعلى وزارة الثقافة أن تدرس جديا هذا الاقتراح!! فليس بالانجاز مجرد الاستمرار في الحكم وفقط.
ثم في ماذا اختلفت حكومة ولد الطالب عمار الماضية عن سابقتها؟ والتي بقيت على حالها اللهم في استثنائيين أو ثلاثة! أدرك جيدا أن تعيين عبد القادر الآن وزيرا أول للمرة الثالثة على التوالي ليس اختيارا بل اضطرارا ذلك أن النظام والذي اعتمد منذ البداية على المحاصصة القبلية دون إعلان ذلك سياسة وبرنامجا ونهجا فأبقى على شكل مشوه من الديمقراطية هو الآن يحصد نتيجة هذا العبث فالأمانة المنتخبة لم تتح لمحمد عبد العزيز أي خيار أو هامش مناورة فكان المأزق وكان هذا الاختيار القاتل والذي يعني المزيد من الركود وليس الاستقرار.
الثورة تعني قلب الوضع السابق رأسا على عقب ،والدولة تعني التداول وقيادتنا الرشيدة لم تفعل أي من هما فالوضع السابق والذي هو النظام القبلي مازال مستمرا بل انتعش أكثر وتشعب وتجذر في ظل "قيادة وطنية" أما التداول فهو عندها كالعنقاء أو الغول مستحيل ومرعب.
وطبيعي أن من يقول أو يكتب كلاما كهذا فهو عند حكامنا الدائمين إما " إشير ماهو فاهم شي" يخدم أجندة العدو دون قصد أو هو متآمر وخائن عن إصرار وترصد نفس فعل وقول الحكومات العربية المتساقطة والآيلة الى السقوط فتشابهت قلوبهم وأخشى أن تتشابه النتائج فوضعنا لا يحتمل وهو استثناء حقيقي في هذه المسالة وليس الاستثناء الذي يرفعه النظام ساعة يشاء ويضعه ساعة يشاء.
في زمن ثوراتها تستبدل الشعوب قادتها بسرعة عجيبة وفي زمن استقرارها تضمن تداولا سلميا على السلطة، وتستبدلهم إن حاربت و تستبدلهم في سلمها فأين نحن من كل هذا ، ألا يوجد في هذه الألوف المؤلفة من الشعب الصحراوية في دولة المنفى من يصلح أمينا عاما للجبهة ومن يصلح وزيرا أول .......ومن .....الخ . سقط الولي شهيدا وهو أمين عام للجبهة ومفجر الثورة وعقلها ومنظرها وشغل الحالي مكانه وظلت القضية شامخة حية وإرادة الشعب الصحراوي وهمته في تحرير بلده لم تفتر ، ألا يكفي هذا دليلا على ديمومة وتواصل الحياة والشعوب وعدم ربطها أو ارتباطها بشخص مهما كانت قدراته ونواياه.
إن تحرير العيون وباقي الأرض المحتلة صار رهينا بإصلاح نظامنا إصلاحا سياسيا حقيقيا وتغييرا بنيويا يعيد ترتيب الأولويات ,وإيجاد نظام يتسامى فوق العقلية القبلية الاقصائية , والتي شرحها الأخ بابا الحاج بتفصيل اكبر وتقديم أفضل في مقاله الأخير "عن أي قبلية يتكلمون " نظام يتمثل ابسط المسلمات ويعمل بها والتي تقول "إن الشخص زائل والباقي هو الشعب.
" .