سعيد زروال
موضوع الربيع العربي كان من شبه المحرمات في سياستنا الداخلية الا انه وبعد رسالة التهنئة التي بعثها السيد رئيس الجمهورية الى الرئيس التونسي بمناسبة مرور عام على ثورة الياسمين ، اصبح من الممكن للمواطن البسيط ان يدلي بدلوه في موضوع الربيع العربي دون التشكيك في وطنيته طالما ان سيادة الرئيس كان المبادر الى فتح هذا الملف.
رسالة رئيس الجمهورية الى الرئيس التونسي جاءت بعد مرور مايقارب الشهر على تخليد ذكرى مرور عام على ثورة الياسمين التي أطاحت بنظام الديكتاتور زين العابدين بن اعلي ، مما يدل ان سيادة الرئيس يعمل بساعة زمنية متأخرة كثيرا عن ساعة الثورات العربية، وتعد الرسالة اول إعتراف من قبل النظام الصحراوي بتضحيات الربيع العربي الذي لازلنا خارج صياغه بسبب ظروفنا الاستثنائية وعزلتنا عن وسائل الاتصال العالمية خاصة شبكة الانترنت.
وسبق لرئيس الجمهورية وان وصف في تصريح سابق لجريدة الخبر الجزائرية أن الربيع العربي اشبه مايكون بالفوضى ، مشيدا بالدول التي لم تشهد ربيعا عربيا ، لتأتي رسالته الى الرئيس التونسي المنصف المرزوقي على نقيض تصريحاته السابقة ، بعد سيل المديح لثورة الياسمين ولتضحيات الشعب التونسي التي كان فخامته يصفها بالفوضى في المنطقة العربية، حيث جاء في الرسالة "لقد سطّر الشعب التونسي من خلال ''ثورة الياسمين'' ملحمة إنسانية راقية، تناغمت فيها هتافات الشباب الأعزل إلا من حناجر تصدح بالانعتاق وزغاريد النسوة المتواجدات في الخط الأمامي للمواجهة منذ بداية الثورة، مع حكمة الرجال، من أمثال فخامتكم، ممن قطعوا على أنفسهم عهد البذل والتضحية خدمة لتونس ولكرامة وحرية شعبها".
الغرض من الرسالة هو استمالة الموقف التونسي الى جانب القضية الوطنية العادلة، لكن يبدو من تودد الرئيس التونسي الجديد للمحتل المغربي الذي وصفه ببلده الثاني ان لا أمل يرجى من تلك الرسالة، خاصة ان المرزوقي تناسى تضحيات الشعب الصحراوي بمخيم اكديم إزيك التي لولاها لما تحرر شعب تونس من قبضة بن اعلي،وما دعواته المتكررة لإعادة الروح الى مايسمى باتحاد المغرب العربي الا دليل على تعاطفه مع نظام الرباط الذي يصر على قيام المغرب العربي بصورته القديمة، وهو الاتحاد الذي لن يستقيم الا بعضوية الدولة الصحراوية المستقلة، لكن على النظام الصحراوي بذل المزيد من الجهود من اجل الانسجام مع التطورات الحاصلة في الساحة العربية ومحاولة ستر العيوب الظاهرة بعد المؤتمر الماضي ، بفتح حوار وطني شامل من شأنه ان يصحح بعضا من أخطاء نظام المؤتمرات الشعبية.
سيادة الرئيس .. إن كسب الانظمة المتمخضة عن الربيع العربي الى جانب قضيتنا الوطنية يبدأ اساسا من إعادة ترتيب لبيتنا الداخلي لأنه من غير المعقول ان نتكلم بلسان ثورات الربيع العربي وفكرنا القيادي لازال في عصر الشتاء الديكتاتوري.
سيدي الرئيس .. جاء في رسالتكم الى الرئيس التونسي "إذ نهنئكم، فإن الشعب الصحراوي يهنئ نفسه أيضا، فانتصار ثورتكم يشكل ذخرا مهما وزادا معنويا كبيرا له في كفاحه الوطني من أجل احترام حقه في الاختيار الحر وتقرير المصير من خلال استفتاء ديمقراطي". سيدي الرئيس ثورة الياسمين كانت في الأساس انتصارا على نظام الشخص الواحد الذي ظل يحتكر تونس وشعب تونس له ولعائلته وللمقربين منه. واتت لتضع حدا لسلطة الحزب الواحد الذي ظل يحتكر الساحة السياسية ويهمش المعارضين ويصفهم بالخونة والمنصف المرزوقي احدهم ، وهي الاساليب والسياسات التي لازالت قائمة الى يومنا هذا بالدولة الصحراوية. وخير دليل هو اسلوبكم الفريد في الحوار مع شباب الثورة الصحراوية الذين إعتصموا بطريقة سلمية وحضارية أمام الكتابة العامة للمطالبة بإصلاحات سياسية، وهو مايبين ان هناك مسافات ضوئية بينكم وبين الرئيس التونسي الجديد.
سيدي الرئيس .. الا تجدون حرجا وانتم تلومون في رسالتكم نظام الرئيس بن علي الذي بقي جاثما على صدور التونسيين لاكثر من 26 سنة في الوقت الذي لازال فخامتكم يصر على إحتكار المشهد السياسي لنفسه واعوانه لاكثر من 36 سنة؟.
سيدي الرئيس.. الرئيس التونسي المنصف المرزوقي وصل الى سدة الحكم بعد تزكيته من برلمان بلاده في انتخابات نزيهة لم يشكك اي كان في نزاهتها ، اما فخامتكم فتم التجديد له للمرة 11 وبنسبة تذكر بالنسب التي كان يفوز بها زين العابدين بن اعلي في جمهورية ليلى الطرابلسية. وقد تبين وبالدليل ان ثلثي المشاركين في المؤتمر الثالث عشر للجبهة هم من اصحاب الصفة مما يضع علامات استفهام كثيرة حول نزاهة العملية الانتخابية في الدولة الصحراوية.
سيدي الرئيس .. الرئيس التونسي الجديد فتح ابواب قصر قرطاج الرئاسي أمام المواطنين البسطاء ، وتنازل وأعضاء حكومته عن نصف رواتبهم للخزينة العامة على خلاف قيادتنا "المخلصة والثورية" التي أصبحت الخزينة العامة تشتكيها بعد النزيف الذي سببته لشعب أعزل لازال يناضل من أجل الحرية والاستقلال.
سيدي الرئيس.. قد يكون الواقع المرفوض-المفروض أجبرنا على البقاء خارج السياق العربي الحديث لكن لاينبغي ان نغفل عن المثل الشعبي القائل "اللي ادخل غابة..............طيورها" ، فاللغة المتداولة في الساحة العربية منذ العام الماضي هي لغة التحرر من الانظمة الحاكمة وإعادة السيادة للشعوب وتقليص سلطات الحكام وهي لغة بعيدة عن نتائج المؤتمر الاخير للبوليساريو.
فخامة الرئيس.. عليك ان تتريث في كتابة اي رسالة مستقبلا، لانه لحرج كبير ان يطالع العالم رسالة من أقدم رئيس في المنطقة المغاربية الى القادم الجديد لمنصب الرئاسة دون ان يقرأ مابين سطور تلك الرسالة ، وهي قراءة قد تميط اللثام عن الكثير من نقاط الظل في ساحتنا السياسية والتي يحاول البعض إخفائها في عصر القرية الكونية.
سيدي الرئيس .. في أحيان كثيرة قد تكون سياسة الصمت أفضل من الرسائل العقيمة التي لن تجلب الا مزيدا من السلبيات والعزلة الدولية والاقليمية لقضيتنا الوطنية . لان وضعكم من الناحية السياسية في المنطقة العربية أصبح اشبه مايكون بمخلفات الماضي الذي تجاوزته الشعوب في ربيعها العربي.
وفي الاخير علينا ان نتذكر ان المواقف الرسمية للدول تصنع بعيدا عن لغة الرسائل العلنية التي تجاوزها الزمن. واكثر مانخشاه سيادة الرئيس ان تتخذ "تونس الثورة" بعد رسالتكم الاخيرة مواقف أكثر تاييدا للمحتل المغربي من تونس بن اعلي.