اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

سفراء في الظل

كتب بواسطة : futurosahara on 23‏/03‏/2012 | الجمعة, مارس 23, 2012


السيد حمدي يحظيه   
يكثر الحديث الغاضب أحيانا، والذي يصل إلى درجة النرفزة، عن دبلوماسيتنا وعن دورها في جعل قضيتنا التي يريد العدو المغربي أن يطمسها ويمسحها ويجعلها تركن إلى الظل والنسيان، في جعلها تبقى تتنفس، تبقى حية، تبقى تتناكف مع طاحونة دعاية المحتل الرهيبة المبنية على الكذب. 
إن الكثيرين يتصورون أننا نستطيع أن نفعل أكثر، أن نكهرب العالم النائم ونرش الماء على وجهه ليستفيق حتى يبقى على علم أن هناك قضية اسمها قضية الصحراء الغربية لا يجب أن تموت تحت عجلات طاحونة المفاوضات ولا في غبار في النسيان والحصار. 
وإذا كان البعض يتصور أن الثقل ألأكبر للعمل الدبلوماسي يجب إن ينأ به كاهل الدبلوماسية الرسمية، فإن البعض الآخر، خاصة من الجيل الشاب، لديه تصور آخر لو تم تكريسه على الأرض فقد يعطي ثمار أحسن بكثير من مما قد تجنيه الدبلوماسية الرسمية.    
نموذج من الدبلوماسية الموازية العفوية
لنخرج عن دائرة المقال التي قد ترهق تفكيرنا في بعض الأحيان بما تحمل من تنظير قد يكون غير واقعي وممل، وندخل إلى العالم التطبيقي: فعل شيء ملموس على الأرض لصالح القضية.
                           ******
ففي مساء يوم ما من أيام غربتنا الباردة التي تطحننا وتسحقنا وتذر رمادنا من بين المدن، أخبرني صديق لي أن أمسية أو حفلا أو محاضرة عن القضية الصحراوية سيقام في جامعة المدينة التي نسكنها(جامعة لليدا بكتالونيا). وككل طير مهاجر مرهق من برد الغربة والهجرة والبعد والتنقل بين القطارات والحافلات دفعني الحماس( في الغربة نصبح مناضلين أكثر من العادي) إلى الذهاب إلى أين سيقام الحدث. في الطريق المبلل بمطر نزل متأخرا كثيرا هذه السنة كانت أخيلتي هي الأخرى تتبلل ببعض الأفكار الخضراء. كنت أقول أن الأمر قد يكون خيرا لنا جميعا، وأن الحدث ربما يأتي في إطار جولات ينظمها الصحراويون في أوروبا أو في أسبانيا للتحسيس بقضيتنا؛ وحتى دفعت بي الظنون( فزات نارب) إلى تصور أن ما سينظم قد يدخل في إطار تعميم نتائج المفاوضات التي أجريت مؤخرا. وحتى ظننت أن الجمعية هي التي تنظم الحدث.  
في الطريق دائما كانت على بعض الجدران ملصقات قليلة بالأبيض والأسود تقول أن محاضرة ستنظم عن القضية الصحراوية وتحمل صورة لأمرأة صحراوية تلوح بعلم كبير. إذن الأمر يتعلق بمحاضرة، شيء جميل. بدأت بعض الأفكار تتطاير مثل النوارس في ذهني الغائم لحظتها. 
حين  دخلنا الصالة العاجة بالكثير من الشباب الجامعي الأسباني آخر موضة- نعني هنا بتعبير شباب آخر موضة الشباب الذي يفتل شعره، يخرز أنفه، يعلق اقراصا كبيرة من الحديد في ألسنته وفي أذنيه- كان هناك سيناريو مختلف تماما عن ما خطر على ذهني وأنا في الطريق المبلل المؤدي إلى المكان. لا وفد صحراوي ولا دبلوماسيون ولا هم يحزنون ولا هم يفرحون. كان فقط هذا الجو الحافل، المفعم بهؤلاء الشباب الاسبان أو الكتلان الذين يسمعون ويستمتعون بسماع موسيقى صحراوية مسجلة من الإذاعة الوطنية لمريم الحسان وشويطة وفِرَقُنا الوطنية. ولو لا الموسيقى الصحراوية وشابُ يلبس دراعة زرقاء يُعد الشاي في ركن هناك ورائحة كسكسي صحراوي تفوح من مكان ما في الصالة، لظننت أنني أدلف إلى بار عظيم أو إلى مكان يزروه الشبان الأسبان يقضون فيه نهاية الأسبوع يشربون ويسكرون.
وسألت برهبة الداخل الغريب بعض الشبان الأسبان: ماذا يحدث هناك.؟ 
وبدؤوا يسيلون ليحدثونني عن ما جرى في القاعة:" أمسية عن الصحراء الغربية، فيها فيلم صحراوي، موسيقىِ، كسكسي وشاي." 
وأسأل من جديد: ومن ينظم هذه الأمسية؟ قالوا لي: الصالخ ( نطقوا اسم الصالح خطأ، حرف الحاء لا ينطق بشكل صحيح) وباندا ( يعنون با سم باندا اسم بندة الصحراوي). 
وأنا ابحث بين موج الطلاب هذا عن الوفد المشكل من الصالخ وباندا، بان الصالح وبندة يجولون بين الناس الطلبة يتحدثون لهم عن القضية. 
التقيت الصالح وسألته عن الأمسية. قرأت في نظراته أنه يقول لي أنني، مثلي مثل رجال المطافئ والشرطة، قد أتيت متأخرا كثيرا، كثيرا بل أكثر من اللازم. كان كل شيء قد انتهى ولم يبق هناك في المكان سوى الذين يريدون شرب أخر قطرة من الكأس الثالث من الشاي ويريدون تذوق طبق الكسكسي( بالمناسبة الشاي والكسكسس هما جزء مهم من دبلوماسيتنا). 
وأسأله السؤال الذي كان يوخز ذهني وأنا في الطريق عن من نظم هذه الأمسية.؟ يقول:" نظمناها نحن( هو وبندة) لا أكثر ولا أقل. 
بين قوسين: الصالح وبندة، 22سنة فقط، هما الشابان الوحيدان الصحراويان الذين يدرسان في تلك الجامعة من كاتلونيا. إذن هما من بادر ونظم تلك الأمسية عن القضية الصحراوية، وهما رغم صغر السن- أزدادا في سنة 1989 تقريبا- من ابتدع تلك المبادرة التي تمثل قمة الأمل وقمة الابتكار لما يسمى الدبلوماسية الموازية. وحين كنت أتحدث مع الشابين كنت ربما أتصور أننا قد نخطأ ونظن أن الجيل الجديد قد يكون نسى القضية ولم يعد يهمه أي شيء. 
أخرج من تصوراتي، وبما أنني أتيت متأخرا، سألتهما عن محتوى الأمسية. "بسيطة، طلبنا من عائلة صحراوية أن تعد لنا كمية من الكسكسي وأن تأتي لنا بالشاي، وقمنا بإنزال فيلم "أبناء السحاب" من الانترنيت. قبل بث الفيلم في الفيديو قمنا بقراءة محاضرة تاريخية وسياسية عن القضية، أجبنا عن الأسئلة وفي الأخير قمنا ببث الفيلم." 
فعلا كان كشيء بسيط، أبسط بكثير من شرب كأس من الماء: فيلم، محاضرة، نقاش، شاي وكسكسي. وحين عبرت لهما عن دهشتي من بساطة ما قاما به قال لي: " كل واحد يستطيع أن يقوم بهذا من أجل القضية." 
إذن الأمر كان يتعلق بحالة تسلل نتج عنها هدف جميل. الشابان لا يعرفان الجمعية ولا المكتب ولم ينسقا مع أي كان، لكن مع ذلك قاما بعمل يستحق التشجيع. هذه إذن هي الدبلوماسية الموازية، التي لا تعترف بالبروتوكولات ولا تقف في وجهها العوائق. في لحظة إعجاب بما قاما به طلبت منهما إن أقوم بالتقاط بعض الصور للحدث فهو يستحق أن يعلم به شعبنا في المخيمات والمناطق المحتلة، لكن ببساطة طلبا مني أن لا افعل فهما، مثل فاعل الخير، ومثل المتصدق سرا، لا يريدان أن يعلم أحد بما قاما به. في لحظة سريعة أتذكر صور ممثلينا في الخارج وسفرائنا الذين يشحذون الصور مع وفود التقوها في الخارج ليبثوها في حين أنها لا تنفع وتضر.    
وأعود لأسال من جديد مثارا بعمل الشابين، لكن هذه المرة لأسألهما هما إنما أسال بعض الشبان الأسبان الذين حضروا الأمسية.؟                     
ويجمعون على أن الصالح وبندة " لا يتركون اية فرصة في الجامعة دون أن يتحدثا عن قضيتهما ( لا كوسا صاخراوي la causa saharaui)) وأنهما، بسبب تواجدهما ودفاعهما عن قضيتهما أصبحا الآن معروفين في تلك الجامعة، والطلبة يتعاطفون معهما ويحضرون كل الأنشطة التي يقومون بها.  
ويبدأ أولئك الطلبة يسألون عن المخيمات، كيف يعيش الناس هناك/ لماذا تم احتلال أرضهم. أسئلة ربما يجيب عنها الصالح وبندة، بعفويتهما وحماسهما، أحسن مني وأحسن من أي سفير آخر وأحسن من أي دبلوماسي في العالم. في تلك اللحظات تذكرت قصتنا نحن – الجيل السابق- وقصة الجمر المطفئ بالماء. يبقى اسودا مثل أي جمر صالح للاشتعال، لكن لا يشتعل وإذا اشتعل سيطفأ في لحظات دون أن يتحول إلى رماد. وعلى أنغام مريم الحسان غادرت المكان وفي ذهني الكثير من الأسئلة، لكن أيضا الكثير من الإعجاب.   
sidhamdi@yahoo.es