اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

ماذا بعد المفاوضات؟

كتب بواسطة : futurosahara on 20‏/03‏/2012 | الثلاثاء, مارس 20, 2012


بقلم : المحفوظ محمد لمين بشري 
بعد تسعة جولات من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين جبهة البوليساريو والمغرب والتي لم تأتي اي منها بجديد أو على الأقل لم يحدث اي تقدم في ما يخص لبّ وصميم المشكل، والمتعلق بضرورة تسهيل تطبيق لوائح وقرارات الأمم المتحدة في ما يخص تصفية الإستعمار من الصحراء الغربية، وبعد أن أثبتت هذه المفاوضات أنها عبارة عن "حوار طرشان" وأن التفاوض فيها يتم فقط لأجل التفاوض أصبح الحديث كله يدور حول ماذا بإمكان الأمم المتحدة أو أطراف النزاع أن تأتي به من جديد بعد هذا المسار التفاوضي، فكل المعطيات تشير الى أن مآل المفاوضات حتما إلى الفشل أو على الأقل 5 سنوات من التسابق نحو منهاست يوحي بذلك و"الدّوني من لرض ينعت لكصيها" كما يقول المثل الشعبي.
إن إصرار المغرب على أن يكون مقترحه هو الأرضية الأساسية للتفاوض متحديا بذلك روس وهيئته وقراراتها يفرغ المفاوضات من محتواها، ويجعلنا نصدق فعلا أنها عبارة عن رحلات نقاهة لا أكثر ولا أقل، وبالمقابل طاعة البوليساريو للأمم المتحدة وخضوعها المخجل أحيانا أمام كل ما تقول وتقرر وتنازلاتها المتتالية يجعل منها "الحيط لكصير" والإبن المطيع في نظر الأمم المتحدة علما أن الأخيرة لا تكافؤ ولا ترضخ إلا للأبناء المشاكسين، ولا تزال البوليساريو مع الأسف ولأكثر من عقدين لم تدرك هذه الحقيقة التي أثبتها التاريخ والتي مفادها أن الهيئة العالمية تحترم من يفرض عليها ذلك بينما تهمش وتتجاوز كل مطيع مجتهد.
إن الوضع العالمي الحالي المطبوع بالتوتر واللاإستقرار نتيجة تأثيرات الربيع العربي التي لا تزال تلقي بظلالها على المنطقة بأكملها وخاصة الأزمة السورية التي تزداد الأمور فيها تعقيدا يوما بعد يوم، وكذلك الأزمة الإقتصادية في أوروبا والتي قلبت موازين القارة العجوز وجعل قادتها لا يفكرون إلا في الطريقة التي يُخرجون بها دولهم من هذه الأزمة الخانقة وغير المسبوقة، هذا بالإضافة إلى الضغوطات الداخلية والخارجية على منطقتنا من أجل إعادة إحياء وبعث الروح في ما يعرف بالمغرب العربي أو "الإتحاد المغاربي"، والذي يتوجه فيه المرزوقي إلى وضعنا بين قوسين متناسيا لمن يعود الفضل في إعتلاءه عرش قصر قرطاج، محاولا بذلك الإقتراب أكثر من أسياده في الرباط والتي إعتبرها بلده الثاني، وهو ما ينبأ بـ "بن علي" جديد في تونس الثورة. ضف إلى ذلك صعود الإسلاميين في المغرب وهو ما راهنت عليه البوليساريو في المفاوضات الأخيرة، وكأنه مقدر لنا أن نراهن فقط على ما لا قدرة ولا تحكم لنا فيه، فقد راهنّا على اليمين في إسبانيا ولا جديد في الموقف الإسباني حتى الأن، وقبل ذلك على اليمين المعتدل في فرنسا وقد كان أكثر تشددا وإنحيازا إلى الطرح المغربي من سابقيه، ولا ندري إلى متى سنظل ننتظر ونراهن على غيرنا لتحقيق أهدافنا مع أن القاعدة وطبقا للمثل الحسّاني تقول "ألّي ماه أمعاك لا إشدلك" . كل هذه المعطيات لا تنبأ بأي إلتفاتة على المدى القريب من طرف المجتمع الدولي نحو القضية الصحراوية إذا ما أخذنا بعين الإعتبار بأن المنطقة لا تسبب أي قلق لهم فهي مصنفة كمنطقة سلم فهم بالتالي لا يجدون أي داع يفرض عليهم الإسراع بإيجاد حل لأزمة لا يدفع ثمن طول أمدها إلا من يحترق بنارها والذي هو الشعب الصحراوي المغلوب على أمره.
إنه وبعد أكثر من 20 سنة ونحن نخوض غمار مخطط التسوية الأممي، أصبح جليا أن موافقة المغرب على الدخول في هذا المخطط إنما كان بموجب خطة خبيثة ومحكمة حيكت بالتواطؤ مع الهيئة الأممية، يلعب المخزن من خلالها على عامل الزمن الذي كلّما تقدم كلما أصبحت القضية في طي النسيان، وبالتالي يستفيد هو وحلفاءه من ثروات الشعب الصحراوي من غير حسيب ولا رقيب، كلما تقدم الزمن كلما إزدادت معاناة الصحراويين الذين فرقهم المحتل إلى جزء تحت وطأته وتسلطه وجبروته، وجزء في مخيمات تفتقر إلى الكثير من شروط العيش والإستمرارية، فبعد حزب الإستقلال التوسعي ها هو حزب "العدالة والتنمية" الذي أتى بعد لعبة ذكية قام بها المخزن ليحد من الإحتقان السياسي والإجتماعي وخوفا من الإلتحاق بقطار الربيع العربي، يطلع علينا هذا الحزب وعلى لسان سعد الدين العثماني وزير الخارجية في الحكومة الجديدة ليقول أنه لا بد من إيجاد حل "مبتكر" للقضية، والغريب أن وفدنا إكتفى بترديد الأسطوانة القديمة التي ما فتأنا نسمعها عند كل مفاوضات، وكأننا عجزنا نحن أيضا عن إبتكار أساليب جديدة للمقاومة نستطيع من خلالها رد الإعتبار لمنظمتنا ولكفاح شعبنا، ونجبر من خلالها الأمم المتحدة على الإلتزام بمسؤولياتها والمغرب على الرضوخ والتسليم لحقنا في الحرية والإستقلال.
إن تهديد البوليساريو المستمر بالعودة إلى حمل السلاح، وعدم الوفاء بهذه التهديدات، يجعل منها مجرد كلام روتيني لا يُشعر أحدا بالخطر وهو ما افقدنا المصداقية وجعل سمعت المنظمة في المحك خاصة عند أصدقاءنا وحلفاءنا الذين طالما إنتظروا منا موقف شجاع كهذا نستبدل من خلاله لغة الكلام بلغة النار والحديد، خاصة بعد أن أثبتت كل الأساليب الأخرى فشلها وعدم جدوائيتها.
إن قيام الأمم المتحدة بإضافة جولات أخرى من المفاوضات ليس إلا مجرد "أسبيرين" يسكن ويهدأ لكي تتفرغ هي إلى قضايا أخرى ترى فيها أكثر أهمية، وإلا فإن الأمم المتحدة ومبعوثها كريستوفر روس والأطراف والمراقبين كلّهم يدركون أن المفاوضات بين المغرب والبوليساريو لا تعدو كونها "عبث سياسي" وحوار عقيم، وأنها مهما دامت فلن تحدث أي تقدم، لذلك بات على الجميع خاصة البوليساريو الإجابة على سؤال بات يطرحه الصغير قبل الكبير وهو ماذا بعد المفاوضات؟.


تلمسان 18/03/2012
Mahfoudsh30@hotmail.com