اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

أسرار الحرب المغربية على مبعوث الأمم المتحدة في الصحراء الغربية

كتب بواسطة : futurosahara on 24‏/05‏/2012 | الخميس, مايو 24, 2012


 عابد شارف
أطلق المغرب النار على المبعوث الأممي في الصحراء الغربي بعد أن أعلن عن نيته في زيارة الصحراء الغربية... ويخشى المغرب أن ينفلت الوضع منه إذا تظاهر الصحروين...
بعد ركود دام سنوات طويلة، عرفت قضية الصحراء الغربية تحركا منذ شهر لم ينتبه له الكثير بسبب الأحداث التي وقعت في المنطقة. وكان الرأي العام يتابع الانتخابات الرئاسية في فرنسا والانتخابات التشريعية في الجزائر، إلى جانب عدم الاستقرار في ليبيا والأزمة التي أدت إلى محاولة لإقامة خلافة إسلامية في شمال مالي. كل هذه الأحداث لم تسمح بالاهتمام بما يحدث في الصحراء الغربية، رغم أبعاد هذه التطورات في الملف الصحراوي.
وعادت قضية الصحراء الغربية إلى الواجهة بعد قرار المغرب بسحب الثقة من مبعوث الأمم المتحدة، الأمريكي كريسطوفار روص Christopher Ross . ووجهت السلطات المغربية تهمة للمبعوث الأممي، على أساس أنه يتخذ مواقف منحازة لصالح جبهة البوليزاريو، وأن تصرفه غير متوازن وغير محايد، وأنه يخرج عن إطار المهمة التي كلفه بها مجلس الأمن.
لماذا ذهب المغرب إلى هذا الحد، مع العلم أن الدبلوماسية الأمريكية تتعاطف تقليديا مع المواقف المغربية في قضية الصحراء الغربية؟ يجب هنا أن نذكر أن مجلس الأمن قام بتعيين السيد روص، مثل سابقه، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر James Baker، كمبعوث خاص في الصحراء الغربية بعد أن اختار الطرفان تجنب السلاح وتسليم القضية للأمم المتحدة. ويقوم المبعوث الأممي الربط بين الطرفين والحفاظ على حد أدنى من الاتصالات بينهما للحفاظ على وقف إطلاق النار وتسيير قوات الأمم المتحدة التي تسهر على ذلك.
وفي نفس الإطار، ينظم المبعوث الأممي دورات من المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليزاريو في منهاسات، قرب نيو يورك، بحضور ملاحظين من الجزائر ومن موريتانيا. ولم تفلح تلك اللقاءات لحد الآن، حيث أنها لم تسمح بتقدم يذكر في حل قضية الصحراء الغربية. رغم ذلك، استطاع المبعوث الأممي أن يحافظ على حد أدنى من الحوار والاتصالات بين الطرفين، وأن يتجنب تدهور الوضع، رغم المأزق الذي توصل إليه ملف الصحراء الغربية. واستطاع كذلك أن يحصر الملف تحت مسؤولية الأمم المتحدة، رغم التباين الواضح في موقف الطرفين، حيث يطالب البوليزاريو دائما بالحق في تقرير المصير والاستقلال، بينما يكتفي المغرب بفكرة الاستقلال الذاتي في إطار مغربي.
ويعمل السيد كريسطوفار روص في إطار يحاول من خلاله أن يقوم بمبادرات لا تتناقض مع قرارات الأمم المتحدة. ولا بد له من اتخاذ مبادرات جديدة جريئة لتجاوز المأزق الحالي، وهذا من طبيعة عمل الوسيط. لكن هذه المرة، قام المبعوث الأممي بمبادرتين أدت إلى حرج كبير في المغرب رغم أنها لا تبدو خارجة عن مهمته الأصلية. فقد طالب السيد كريسطوفار روص من المغرب أن يحترم الحريات وحقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية، وهي النقطة التي تركز عليها كثيرا جبهة البوليزاريا لأنها تعرف أن صداها كبير لدى الرأي العام الدولي.
أما المبادرة الثانية التي أزعجت المغرب، فإنها تتعلق بالزيارة التي ينوي أن يقوم بها السيد كريسطوفار روص إلى الصحراء الغربية. ويعرف القادة المغاربة جيدا أن هذه الزيارة تشكل خطرا، حيث من المحتمل أن ينتهز أهالي الصحراء الفرصة ليخرجوا في مظاهرات شعبية للتعبير عن تمسكهم بفكرة الاستقلال ومساندتهم لجبهة البوليزاريو. وتعتبر السلطات المغربية أن زيارة السيد كريسطوفار روص تشكل مغامرة لا يمكن تحملها لأنها قد تؤدي إلى وضع لا تستطيع قوات الأمن المغربية أن تتحكم فيه، بعد أن تمكنت جبهة البوليزاريا أن تفرض نفوذها في المدن الصحراوية.
ولهذه الأسباب، شن المسؤولون المغاربة حربا كلامية ضد السيد كريسطوفار روص، لتحطيم مصداقيته والطلب بتغييره. وقالوا أن المبعوث الأممي تجاوز صلاحياته، وتدخل في الشؤون الداخلية للمغرب بصفة غير مقبولة، في حين كان من المفروض أن يبقى محايدا. لكن أليس من الطبيعي لمبعوث خاص أممي في منطقة ما أن يزور تلك المنطقة ويلتقي أهاليها بكل حرية؟ ولعل هذا ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى رفض الانتقادات المغربية وتأكيد ثقته في مبعوثه الخاص.
ويبقى أن يبرز موقف الولايات المتحدة وفرنسا، وهما الدولتان ذات النفوذ في الملف الصحراوي. ومن المعروف أن باريس وواشنطن تميلان تقليديا للطرح المغربي. لكن المعطيات تغيرت نوعا ما، لأن السيد كريسطوفار روص دبلوماسي أمريكي، ولا تستطيع واشنطن أن تتخلى عنه وتضحي به بسهولة. أما فرنسا، فإن الرئيس الجديد فرانسوا هولاند سيجد نفسه مضطرا لاتخاذ مواقف تكون منسجمة مع خطابه السياسي. فماذا يقول الرئيس الفرنسي اليوم، هو الذي كان ينادي بالحرية والديمقراطية، كما ينادي بتغيير طبيعة العلاقات بين فرنسا وإفريقيا؟