اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

نحو تعزيز وتشجيع ثقافة الاستقالة

كتب بواسطة : futurosahara on 01‏/07‏/2012 | الأحد, يوليو 01, 2012


اسلامه الناجم 
المادة 64 من الدستور "يمكن لأي عضو في الحكومة أن يقدم استقالته إلى الوزير الأول".
من خلال هذه المادة يقر الدستور الصحراوي بكل صراحة بحق الاستقالة، فمن أين جاء إذن تحريمها أو تجريمها الذي نسمع عنه؟ لأن أي كلام آخر يعد لغوا بل غير شرعي أمام الدستور وبالتالي يجب تكييفه لينسجم مع الدستور وليس العكس.
يختلف مفهوم الاستقالة من ثقافة إلى أخرى، بل قل من نظام لآخر، فهي عند الديمقراطيات، غيرها عند الأنظمة الشمولية، ففي الأولى هي ظاهرة شائعة وينظر إليها كسلوك و أسلوب حضاري للتعبير عن الاحتجاج على سياسة معينة تتعارض مع مبادئ أو توجهات المستقيل، أو  في أحيان أخرى عندما يعتبر المستقيل انه قصر في عمله حتى وان كان بصورة غير مباشرة كأن يستقيل وزير النقل مثلا على خلفية تصادم قطارين، و قد تكون أحيانا لأسباب أخلاقية لا علاقة لها بالوظيفة إطلاقا كالتحرش الجنسي .
و في الغرب يتقدم يوميا العشرات تقريبا باستقالاتهم ، ليس على المستوى السياسي فقط، وإنما على الصعيد الإداري والمؤسسي في قطاعات عديدة. 
أما في الأنظمة الشمولية فينظر إلى الاستقالة والتي نادرا ما تحدث على إنها خيانة ونكران لجميل من عينه في تلك الوظيفة خاصة إن كان التعيين يدخل في نطاق حسابات سياسية مثل المحاصصة القبلية كحالتنا أو الجهوية أو الطائفية في بلدان أخرى .
ما يهمني من كل هذا هو استقالة وزير التعاون الحاج احمد من منصبه، والتي اعتبرها شجاعة  تستحق التقدير في وسط سياسي مرتبك ومربك كوسطنا راكد وعاجز عن ابتكار الحلول لأبسط المشاكل اليومية لحياة المواطنين فما بالك بقضايا اكبر وأعمق، والصلاحيات فيه متداخلة وغير واضحة المعالم تحددها وتتحكم فيها الشلة والصداقة والقرابة أكثر من القانون والوظيفة، اعتقد أن الوزير المستقيل – حسب ما هو رائج- عليه أن يقطع الشك باليقين بإعلان استقالته لأي وسيلة إعلامية وطنية عامة  أو مستقلة أو حتى أجنبية فما الضير ؟ وان يعلل لنا أسباب الاستقالة لا أن يتركنا  نخمن في دوافعها فالأمر ليس لغزا أو أحجية تتطلب ذكاء لحلها، وان كنت أرى مثل كثيرين غيري، أن الأسباب لا تخرج عن، تداخل الصلاحيات الذي أشرت إليه آنفا أو - ربما- إلى احتكار الوزير الأول لإدارة ملف التعاون – الدجاجة التي تبيض ذهبا و يورو للحكومة الصحراوية – ما جعل وزير القطاع يشعر انه مجرد سكرتير في ديوان رئيس الحكومة، أو ربما كما ذهب البعض إلى أن الوزير السابق - ربما-مازال هو الوزير الفعلي للتعاون من خلال احتكاره للحسابات السرية والودائع المصرفية وشبكة العلاقات مع الممولين والداعمين، أو ربما احتجاجا على أوامر فوقية من الرئيس بصرف مبالغ على هذا أو ذاك دون سند قانوني أو حاجة حقيقية . أيا كان الأمر، فشجاعة الاستقالة تتطلب شجاعة الوضوح مع الرأي العام، لإزالة الغموض واللبس ولغلق دائرة الحيرة والاتهام، اعتقد أن ثقافة وزير التعاون الغربية و طول المدة التي قضاها بين دول الغرب، جعلته يتصرف على هذا النحو ويرمي القفاز ليس في وجه الحكومة فقط بل في وجه النظام بأكمله، وهي حالة- بإذن الله- ستفتح على واقع أفضل وستؤسس لثقافة الدولة ومفهومها وتضع حدا لثقافة "لفريق" و سيكولوجية القطيع. 
لو أننا نظرنا إلى الاستقالة بأنها مساهمة في بناء الدولة و سعينا إلى ترسيخ هذا المفهوم لتغير حالنا كثيرا و لم نشهد فسادا بهذا الحجم و أداء ضعيفا على مستوى الحكومة و المؤسسات لان الكفاءة عندنا  آخر شروط  التوظيف والتعيين  .
لا يوجد مبرر لرفض الاستقالة ولا حتى القول بعدم قانونيتها وهي المنصوص عليها حرفيا في الدستور، ولا داعي لتشويه هذا الفعل الحضاري ومحاولة وصمه بالتهم "إياها" الجاهزة دوما، فعندما يمتنع النظام عن توفير أسباب التداول السلمي على السلطة والتغيير فاقله يسمح لناسه بالاستقالة، فهي وسيلة أيضا لتجديد الدماء وخلق منافسة شريفة من اجل المصلحة العامة، فقد بات الوضع لا يطاق، من نظام لا يقيل ولا يقبل الاستقالة، ولا يجدد ولا يتجدد، ويمنع المجلس الوطني من حجب الثقة عن وزير فما بالك بحكومة. والمحاججة بإسقاط حكومة الراحل المحفوظ اعلي بيبا لا معنى لها، لأنها كانت فعلا منعزلا و"بيضة الديك"، ولأن ما تبعها من أزمة بين البرلمان والجهاز التنفيذي كله حتى أعلى قمته، لدرجة استئناس البرلمان وتقليم أظافره، كلها أمور مجتمعة تنزع عن تلك الحادثة  البراءة حتى لا أقول أكثر .