اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

اجلاء المتعاونين الاسبان : الصورة الكاملة

كتب بواسطة : futurosahara on 02‏/08‏/2012 | الخميس, أغسطس 02, 2012

خليهنا محمد
الزخم الإعلامي و إثارة الشكوك...
قامت اسبانيا في خطوة مفاجئة للجميع خصوصا للصحراويين باجلاء المتعاونين الاسبان في المجال الانساني المتواجدين بمخيمات اللاجئين الصحراويين، بل انها أظهرت  كرم و مرؤة غير معهودين  تجاه متعاونين من جنسيات أخرى كان الأحرى بها أن توليهما للاجئين يعانوا بسببها منذ عقود.
و لعل ما يثير الشكوك حول هذا القرار ذلك الزخم الاعلامي الذي أولته اياه الحكومة الاسبانية ممثلة بوزير خارجيتها، و سرعة تنفيذ الاجلاء بارسال طائرة عسكرية لنقل المتعاونين كمن هو في سباق مع الزمن أو كأن التهديدات تكاد تسبقهم حتى يخيل الى المرء أن مسرح الاحداث ليس شمال مالي انما مخيمات اللاجئين الصحراويين. أو أن تأثير الأزمة على الحكومة الاسبانية وصل حد الهوس فبات لسان حالها يقول ان دفع تكلفة رحلة جوية مسبقا أكثر تقشفا من دفع فدية ضخمة فيما بعد.
الظاهر و الباطن في أسباب القرار...
و لتبرير هذه الخطوة المفاجئة امتطت مدريد ذريعة التهديدات الأمنية في المنطقة ، لكنها أضافت بمكر شديد عبارة '' الوشيكة''  حتى لا يقال أنها كانت في غيبوبة عما يجري، فالجميع يعلم أن المنطقة تعرف حالة من عدم الاستقرار منذ سقوط نظام العقيد القذافي بداية السنة، بل انها تعرف تسارع خطير للاحداث في الاونة الأخيرة .
و بما أنه في السياسة غالبا ما تكون الأسباب المعلنة ليست هي المضمرة و الحقيقية فلابد من ايجاد تفسير أو قراءة أكثر منطقية لما أقدمت عليه مدريد، و في استقصاء للوقوف على حقيقة الأمر يتسأل متابعون للوضع لماذا انتظرت اسبانيا جتى الان؟ أما كان حريا بها أن تسحب المتعاونين مباشرة بعد اختطاف زملائهم نهاية العام الماضي؟ أما كان موقفها بذلك سيبدو أكثر اقناعا للرأي العام الاسباني مما هو عليه اليوم؟  أم أن الاختطاف بحد ذاته لا يعد سببا أكثر اقناعا للحكومات الاسبانية من التهديدات الامنية الوشيكة التي ركبتها لتبريرها هذه الخطوة الأخيرة؟
قد يرى البعض أن هذه الأسئلة كانت لتوجه لحكومة ثاباتيرو و ليس لحكومة الراخوي ، كما قد يذهب هؤلاء الى القول بأن هذه الأخيرة قد وجدت دليلا قاطعا بأن الاسبان المتواجدين بالمنطقة هدفا رئيسيا للجماعات الارهابية خصوصا حركة التوحيد و الجهاد و هذا الرأي مبني على ما أوردته بعض وسائل الاعلام بشأن تصريحات لأحد الرهائن الاسبان المفرج عنهم مؤخرا، وما فحواه أن عناصر من الحركة المذكورة أخبروها أن الاسبانيين هم السبب الرئيسي لفساد المجتمع الصحراوي المسلم و أنهم أي الاسبان أين ما وجدوا سيكونون هدفا لعناصر تلك الحركة في المستقبل .
ان التسليم بهذا الرأي الأخير يستوجب الاجابة عن أسئلة تطرح نفسها بالحاح على المتتبعين لقضايا المنطقة بكل تقاطعاتها المعقدة، لماذا أعلنت اسبانيا عن هذا القرار أياما قليلة فقط قبل العطلة السنوية للمتعاونين التي يأخذونها بداية شهر أوت من كل سنة؟ أما كان من الأولى لحكومة الراخوي أن تتنظر عودتهم للوطن لتعلن عن ذلك؟ دون أن تثير حفيظة أي كان في المنطقة. غير أن الحكومة الاسبانية لم تفعل ذلك و بدت كمن يسارع لدفع ديون تثقل كاهلها، أو كمن هو مرتبط بأجندة محددة الزمان و المكان، و في كلتا الحالتين يحسب لاسبانيا ذكاءها و حسن تدبيرها للمسألة.
جمع الأجزاء المعثرة...
و لتقريب الصورة أكثر يجب أن نسأل من هو المستفيد المباشر من هذه الخطوة بالذات؟ و من هو المتضرر المباشر أيضا؟  لا أحد يستفيد من هذه الخطوة حاليا أكثر من المغرب في حربها الدائمة مع جبهة البوليساريو ،كما أنه لا أحد يتضرر أكثر من اللاجئين. ان النظام المغربي يتصور أنه قد يمارس ضغطا على جبهة البوليساريو من نافذة الوضع الانساني غير أن التطمينات من قبل أصدقاء الشعب الصحراوي من اسبانيا و من غيرها بأنهم ماضون في دعمهم رغم كل الصعاب أفشلت عليه فيما يبدو مخططه و أفسدت عليه نشوة النصر و لو اعلاميا.
من حق البعض أن يسأل من أين أتت للمغرب هذه الفرصة؟ أو ما المقابل الذي دفعه المغرب للحكومة الاسبانية نظير هذه الخدمة؟ من السذاجة القول أن المغرب ينظر الى اسبانيا من منظور افريقي و أن المقابل كان بضع ملايين من العملة الصعبة، غير أنه يمكننا أن نسأل، و هذا من باب تجميع الأجزاء لاكمال الصورة، صنيعة من حركة التوحيد و الجهاد التي طفت على السطح فجأة؟ 
لقد قامت فرنسا و المغرب بتحويل تجار مخدرات معروفين في المنطقة الى قيادة دينية تسعى الى تطبيق الشريعة الاسلامية، و هنا تستحضرني النبرة التهكمية التي تحدث بها شاب أزوادي عن هؤلاء قائلا للشروق الجزائرية أثناء تحقيق أجرته بشمال مالي '' هؤلاء الذين يسعون اليوم لتطبيق الشريعة و بهذه الصرامة بامكانك أنت فقط أن تصدقهم أما أنا فأعرفهم جيدا لقد كانوا بالأمس فقط يتاجرون و علنا بالمخدرات، بل لازالوا الى اليوم انني أستغرب فعلا كيف يدعون هذا'' ، و لدى الصحراويين أدلة على تورط ضباط مغاربة في تدريب و تسليح عناصر هذا التنظيم غير أن المنافسة مع المغرب على الساحة الاعلامية لا زالت تمثل اشكالا. و ما قيام حركة التوحيد و الجهاد بغرب افريقيا بأولى عملياتها ضد مصالح صحراوية و بأيادي تجار المخدرات الا دليلا ساطعا على أن المغرب يقف وراءها و بقوة كما سيتبين فيما يلي ذلك من أحداث.
ألقت السلطات الموريتانية بعد عملية الاختطاف بمدة قصيرة القبض على مشتبه به في العملية، كان حسب المعلومات الشحيحة المتسربة من ثنايا التحقيق يقوم بنقل أموال مصدرها المغرب و و جهتها مجهولة، لم تكن تلك الاموال سوى أجرة من قاموا بالاختطاف و الاكيد أن الذي قام بالدفع لايمكن أن يكون الا المغرب. أتت صفقة اطلاق سراح الرهائن لتثبت ما سبق، فالصفقة  في شقها التبادلي لم تحتوي سوى على شخص واحد،فلماذا يتم تسليم هذا الشخص للحركة و هو ليس من عناصرها؟ و ان يكن فهو على الأقل ليس بوزن أخرين. بالنسبة للمغرب هو العلبة السوداء التي تحمل في داخلها تفاصيل تثبت للجميع تورط المغرب في كل هذا في سعيه لتلويث نضال الشعب الصحراوي، و هذا النوع من العمل الخبيث ليس بالجديد على المخابرات المغربية فبصماتها لا تزال مرتسمة على مسرح جريمة العشرية السوداء في الجزائر.
استكمال الصورة... فشل ككل مرة
أخذا بعين الاعتبار لكل ما سبق نخلص الى القول أن ما أقدمت عليه اسبانيا بكل حيثياته بما في ذلك الزخم الاعلامي كان أحد النقاط التي احتوتها صفقة تحرير الرهائن. فالمغرب يكون قد تدخل لدى صنيعته التوحيد و الجهادلتقديمتسهيلات استكمال الصفقة فعجل بتنفيذها و الاهم بالنسبة لاسبانيا هو تخفيض الفدية الى النصف فبدل 20 مليونالمترتبة على اسبانيا التي تحدثت عنها التوحيد و الجهاد بل ظلت ترددها الى الأمس القريب و على ألسنة كبار قيادتها تبين في الأخير أنها لم تحصل سوى على 10 ملايين يورو طبعا، مما عكس صرامة و جدية الحكومة الاسبانية في اتباع سياسة التقشف حتى مع الجماعات الارهابية، مقابل أن تقوم اسبانيا بهذه الخدمة البسيطة، من أجل احراج البوليساريو و التخفيف من الضغط الذي تتعرض له الحكومة المغربية على خلفية سحب الثقة من كريستوفر روس.
أعلن المتعاونين حال وصولهم أنهم عائدون الى المخيمات رغم كل شيء، بل ان الجمعيات الصديقة للشعب الصحراوي أعلنت عن نيتها تنظيم رحلة تضامنية الى المخيمات هذا الشهر ردا على قرار الحكومة الاسبانية. و من المؤكد أن هذه الاخيرة كانت تتوقع ردة الفعل هذه من المجتمع المدني الذي يقف على طرف النقيض منها بخصوص قضية الشعب الصحراوي، غير أنه يسجل لحكومة الراخوي حيلتها في دفع الدين المغربي فأختارت توقيت عطلة المتعاونين حتى لا تحرج، فضربت عصفورين بحجر واحد: حررت الرهائن و تفادت الاحراج.