اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

القيادة الصحراوية وثقافة الاستقالة

كتب بواسطة : futurosahara on 15‏/12‏/2012 | السبت, ديسمبر 15, 2012

ثقافة تقديم الاستقالة تعد من الأمور الحضارية والديمقراطية المتقدمة وتشكل رسالة إعتذار بين المسؤول وقاعدة المعجبين به الذين وضعوا ثقتهم في شخصه بتكليفه بإدارة شؤون حياتهم العامة، وحين يشعر المسؤول إنه إركتب اي جرم ينتهك قداسة ثقة العلاقة بينه وقاعدته يلجأ الأخير الى رمي المنشفة لحفظ ماء الوجه او نتيجة منطقية لفشل الدور الذي أسند له ولم يستطع ان يكمله بالطريقة المثلى. ولأننا في عالم القرية الكونية الذي انعدمت فيه المسافات بفضل وسائل التكنولوجيا لا يكاد يمر يوم دون سماعنا أو قراءتنا لإستقالات حكومات وقيادات بعض الدول خاصة الديمقراطية منها، فهل وصلنا نحن  في دولتنا الفتية الى مستوى حضاري ديمقراطي يؤهل المسؤول الثوري الى تقديم إستقالته بعد الفشل في تحقيق البرامج المسطرة كي يستمر قطار الثورة على سكته الصحيحة.
المؤسف هو أن لإجابة بالتأكيد هي: كلا، لم نصل بعد الى المستوى الحضاري والديمقراطي الذي يؤهلنا الى تقديم الاستقالة بعد الفشل في تحقيق البرامج والوعود التي قدمت للمواطنين اثناء المؤتمرات الشعبية.
    تحمل المسؤلية وتقديم الاستقالة بعد ارتكاب اخطاء سياسية او مهنية يبدو انه منطق لازال بعيدا عن قيادتنا الوطنية، والمتتبع للتاريخ الحديث للقيادة الصحراوية سيلاحظ ان كلمة استقالة لامكان لها في قاموسها السياسي مهما كان حجم الاخطاء التي ارتكبتها في الساحتين الداخلية والخارجية.
    اثناء  ازمة الرهائن المختطفين من المخيمات نهاية العام 2011 كان الجميع ينتظر ان يقدم مدير حماية المؤسسات انذاك محمد الوالي اعكيك استقالته بصفته المسؤول عن التقصير الامني الذي ادى الى اختطاف المتعاونين. الا ان الرجل  لم يقدم على الخطوة كما ان النظام لم يسارع الى اقالته وترك في منصبه الى مابعد المؤتمر الشعبي العام الثالث عشر وبعد المؤتمر تمت ترقيته الى وزير للمناطق المحتلة رغم ان ازمة الرهائن لم تنتهي بعد.
    وقبل اشهر استبشر الجميع خيرا  بإعلان وزير التعاون سابقا الحاج احمد عن استقالته من الحكومة الصحراوية احتجاجا على تدخل بعض الجهات في صلاحيات وزارته ، وهي جهات احتكرت عن طريق الوراثة الوزارات السيادية الحديثة مثل التعاون والهلال حتى يتسنى لها السيطرة على الموارد الاقتصادية المحدودة بالشهيد الحافظ ومن خلالها السيطرة على القرار السياسي عن طريق سياسة "المطالب" المفصلة على المقاس. الا ان وزير التعاون تراجع عن استقالته بعد ضغوط كبيرة مارسها الوزير الاول عبد القادر الطالب عمر الذي إستخدم بعض الاسلحة المحرمة في السياسة الداخلية منذ مؤتمر "عين بنتيلي". وهي اسلحة اثنت وزير التعاون عن قراره الشجاع الذي لاقى استحسانا لدى القاعدة الشعبية. وبعد التعديلات الاخيرة تم نفي الوزير الى امريكا اللاتينية جزاء له على ممارسته لمنطق جديد في الممارسة السياسية قد يشجع الكثيرين على التمرد على القرارات الانفرادية للكتابة العامة. نفس منطق الاقصاء مورس على الوالي السابق لولاية اوسرد الذي هدد بالاستقالة بعد ازمة الرهائن المختطفين.
    وجاءت قضية او "كارثة" استعمال وسائل النقل التابعة للامن الوطني في تهريب المخدرات لتعيد وبقوة طرح السؤال المتعلق بإحجام قيادات ومسؤولي اجهزة الامن  الصحراوية عن تحمل المسؤولة وذلك بتقدم استقالتهم بعد الفشل والفضيحة، والاصابع هنا موجهة الى وزير الداخلية حمادة سلمى الذي كان يتغنى بجاهزية قوات الشرطة الصحراوية التي برهنت الحادثة الاخيرة انها على اتم الاستعداد لكن بالمفهوم السلبي، وهو ما قد يؤثر على سمعة الكثير من الشرفاء الذين حرصوا على النهوض بجهاز الشرطة الصحراوي ليرتقي الى مصاف الاجهزة الامنية العالمية، وهو الجهاز الذي لم يبخله الاصدقاء خاصة "ببلاد الباسك" اي نوع من اشكال الدعم حتى اصبح هذا الجهاز من اكثر الاجهزة توفرا على التجهيزات الضرورية للعمل وهي تجهيزات تفتقدها الكثير من بلدان الجوار.
    الشعور بالذنب وتحمل المسؤولية لم يقف عند السياسات الداخلية، فمنذ سنوات ومنظمة العفو الدولية تطالب النظام الصحراوي في كافة تقاريرها السنوية بضرورة ابعاد بعض المشتبه فيهم في قضايا انتهاكات حقوق الانسان التي حدثت في القرن الماضي عن المناصب السياسية، ومؤخرا اصدرت المحكمة العليا الاسبانية دعوى قضائية ضد بعض اعضاء القيادة الوطنية وهو قرار وبغض النظر عن بصمات العدو المغربي التي تقف وراءه لازال كثيرين من قيادتنا الرشيدة يحاولون تجاهله او التقليل منه. ولم يقدم اي كان استقالته وهو مايستدعي تذكيرهم ان القضاء الاوروبي لاتتحكم فيه المكالمات الهاتفية مثلما عليه الحال بمحاكم الرابوني. وما يثير الانتباه ان رأس القائمة المطلوبة لدى المحكمة الاسبانية وهو السيد سيداحمد بطل لازال يحتفظ بمنصبه الوزاري كوزير للتجهيز وكان عليه تقديم استقالته اوقيام راس النظام بإجراء حركية روتينية لتفادي الاحراج الكبير الذي قد تسببه القضية في المعركة الحقوقية مع المحتل المغربي.
وفي ظل المنطق السائد لدى القيادة الصحراوية وهو منطق يسمح لها بارتكاب الاخطاء باسم الاستثناء الثوري ويمنعها من تقديم الاستقالة بحجة عدم اعطاء فرصة للمحتل المغربي. ستبقى القضية رهينة بالكوارث المستقبلية التي قد تحدث في الساحة السياسية بعد ان وصل الفساد الى العمود الفقري للنظام الحاكم وهو المؤسسة الامنية.
ونذكر اصحاب نظرية الاستثناء الثوري انه عليهم اخذ العبرة من التجربة الفلسطينية فوزير العمل الفلسطيني احمد مجدلاني قدم استقالته بداية العام الماضي على اثر تلفظه بكلمة وصفت بـ «البذيئة» خلال مقابلة مع اذاعة محلية.
كما قدم وزير الاتصالات الفلسطيني مشهور ابو دقة استقالته بسبب الحديث عن اغلاق بعض المواقع الالكترونية بقرار من النائب العام الفلسطيني، دون الرجوع لوزير الاتصالات، اما في دولتنا الفتية فقد اقدمت مجموعة ارهابية على اختطاف متعاونين اجانب واقتادتهم الى شمال مالي ولم يقدم اي كان استقالته. وتشهد المؤسسات الوطنية الكثير من قضايا الفساد خرج الكثير منها الى العلن وبالادلة الدامغة الا ان منطق الاستقالة او الاقالة لازل بعيدا عن من يتحكمون في مصائرنا.
وامام تعطيل المؤسسة القضائية بالتقاعس عن حل مشكلة القضاة المضربين منذ العام الماضي سيبقى رموز الفساد هم المسيطرون على الساحة السياسية بعد نجاحهم في إحكام سيطرتهم على لوحة التحكم الخاصة بالفسيفساء القبلية التي توفر لهم الحماية الكافية من كافة الصدمات السياسية الداخلية.
القيادة معصومة من الاخطاء والعدو المغربي هو المسؤول عن كل عثراتنا، للاسف هذا هو المنطق السائد لدى القيادة السياسية وهو منطق استطاعت ان تخدر به المواطنين البسطاء لاكثر من 30 سنة، لكن بعد ان اصبح المواطن الصحراوي اكثر وعياً واطلاعاً  من قيادته السياسية واصبح ينظر الى مايحدث من حوله من تطورات بكل عقلانية بعيدا عن وصاية القيادة، واقع اصبح من العسير فيه على القيادة الوطنية التمادي بخداعه بشعارات جوفاء من قبيل "دسائس العدو" والمؤامرات والمخابرات وغيرها من المصطلحات التي اخترعها النظام الصحراوي. لان لسان حال المواطن اصبح يقول لماذا تركتم العدو ينفذ سياساته التخريبية، اليس هذا تقاعس عن حماية المكتسبات الوطنية ممن يفترض بهم ان يسهروا على حمايتها؟ هذا بلغة دبلوماسية، اما عن اسباب الفساد ومن يقفون وراءه ومن يدعمونه فالمعلومات متوفرة بالوثائق والادلة ولولا الحرص على عدم المساس بالقضية لوضعت كل الملفات على الطاولة. لذا نرجوا من قيادتنا الوطنية محاربة الفساد قبل فوات الاوان . وقد اثبتت التجارب العربية الحديثة ان المستفيدين من ظاهرة الفساد هم اكثر المتضررين في النهاية. ولاداعي لتذكير قيادتنا الوطنية في هذا المقام بالمثل الشعبي "العاقل بوغمزة".
عندما يخطئ من هو في موقع مسؤوليه فإن الاستقالة لها قيمة ولها اعتبار، وقد تكون الشيء المشرف الوحيد الذي يمكن للمسؤول القيام به، هذا ما قاله بالضبط مدير عام ورئيس تحرير الـ «بي بي سي البريطانية»، حين استقال مؤخرا على خلفية نشر خبر غير صحيح مع ملاحظة انه ليس المسؤول المباشر عن الخطأ..!! يا ترى كم من المسؤولين عندنا بحاجة الى شجاعة مع الذات والاقدام على الشيء الوحيد المشرف؟.