اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

حكمت المحكمة باسم جلالة الملك...!

كتب بواسطة : futurosahara on 11‏/02‏/2013 | الاثنين, فبراير 11, 2013

محمد بنــو
"حكمت المحكمة باسم جلالة الملك حضوريا و نهائيا في القضية عدد: 93/764/826ع.ع على المتهمين بمجموعهم، و كل واحد منهم على حدى بعشرين سنة سجنا نافذا ".

صورة للمعتقل السياسي الصحراوي السابق محمد بنو في سجن اكادير المغربي
هكذا أسدل ستار مسرحية رديئة الإخراج، شاء لي التاريخ أن أكون أحد الفاعلين في مختلف فصولها.
من أين أبدأ، و أين أنتهي؟، ثم من أين لي بكلمات تترجم صدق الأحاسيس، سمو المبادئ و تجذر القناعات؟ و من أين لي بلغة أطوعها لتختزل زيف ادعاءات عدالتهم و نبل قضيتنا؟. فلطالما تحداني البياض. شاكسته، راوضته، لكنه ظل مستعصيا، رافضا لاحتضان بوح قلمي. عندها أدركت أن لا مجال للمراوغة، و لا فائدة من البوح خارج سياق تاريخي/موضوعي تأخذ فيه الوقائع و الأحداث قيمتها الرمزية كتجربة نضالية تنضاف إلى سجل بطولات و أمجاد الشعب الصحراوي المكافح.
اليوم، و قد بدأت أطوار مسرحية المحاكمة الصورية و الجائرة لأبطال ملحمة اكديم إيزيك التاريخية، أعلن أنني سأتحداك أيها الماكر/البياض، بذاكرتي التي تأبى النسيان، و بقلبي المتيم – و إلى الأبد- بحب الساقية و الوادي. أجل، وفاء للعهد، و رسما لمعالم الذكرى أتحداك لأدون جزء من صرختي/مرافعتي التي لازال صداها تردده جدران القاعة التي يحاكم فيها أبطال ملحمة اكديم إيزيك.
ففي 29 يوليوز 1993، كنت هناك، رفقة خمسة مناضلين صحراويين, نحاكم في جلسة سرية بالمحكمة الدائمة للقوات المسلحة الملكية بالرباط، في القضية عدد: 93/764/826ع.ع، و التي نتابع فيها بتهمتي: " المس بأمن الدولة الخارجي، و إضرام النار عمدا في أملاك الغير"، المنصوص عليهما و على عقوبتيهما في الفصل 4 من قانون العدل العسكري و الفصول 190 و 191 و 581 من القانون الجنائي، و الفصل 224 من قانون المسطرة الجنائية. يومها كنا نحن الذين نحاكم النظام المغربي على الجرائم التي ارتكبها ضد الصحراويين منذ غزوه الهمجي لأرض وطننا. يومها أدركنا أن النظام المغربي قد ضرب لنا، من حيث لا يحتسب، موعدا مع التاريخ... فإما أن نكون أو لا نكون!
انطلقت الجلسة على الساعة الثامنة صباحا، أدخلونا إلى قاعة الجلسة، وجدنا عائلاتنا في انتظارنا، إضافة إلى خمسة محامون لم يسبق لنا مقابلتهم ما عدا أستاذة جليلة تستحق كل التقدير و الاحترام، تمسكت بحقها في مقابلتنا داخل سجن سلا يوما قبل جلسة المحاكمة، و خلال مقابلتنا معها أكدت لنا أنها من أصول صحراوية، لكنها ازدادت و كبرت و درست بالمغرب... كانت معنوياتنا جد مرتفعة، و كان الارتباك باديا على رئيس الجلسة و على الضباط/المستشارين الستة المحيطين به. مباشرة بعد التأكد من هوياتنا، نطق ممثل النيابة العامة قائلا:
    ألتمس من جناب الرئيس تطبيق الفصل 81 من قانون العدل العسكري الذي ينص على سرية الجلسة حفاظا على الأمن العام.
مباشر رفعت الجلسة للمداولة، و بعد لحظات، دخلت الهيئة القضائية، و نطق رئيس الجلسة:
    قررت رئاسة الجلسة، بعد مداولتها لالتماس ممثل النيابة العامة، تطبيق الفصل 81 من قانون العدل العسكري الذي ينص على سرية الجلسة.
و أمر رجال الدرك، المتواجدين بكثرة داخل القاعة، بإخراج أفراد عائلاتنا، لتنطلق أطوار محاكمة عسكرية سرية، صورية و جائرة، لم تحترم فيها أبسط شروط المحاكمة العادلة.
حاول رئيس الجلسة جاهدا نهج سياسة س/ج (سؤال/جواب)، طالبا منا الاكتفاء بالإجابة بـ "نعم" أو "لا" على كل الأسئلة التي تطرح علينا. كنت أول المستجوبين، فرفضت الخضوع لأهواء رئيس الجلسة، و أطلقت العناع للعقل و القلب و الذاكرة لسرد الجرائم التي ارتكبها النظام المغربي منذ احتلاله اللاشرعي للصحراء الغربية، مبرزا أن المغرب لا يمتلك السيادة على أرض الساقية الحمراء و واد الذهب، و أن مشكل الصحراء الغربية هو مشكل تصفية استعمار يتم تداوله في كل دورة من دورات اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، و أنني لست مواطنا مغربيا (...)، و في هذه اللحظة بالذات انسحب كل المحامون الذين عينتهم المحكمة ما عدا الأستاذة الفاضلة ذات الأصول الصحراوية، دنت مني داخل قفص الاتهام، و همست في أذني: "راك غادي بنا للإعدام". قلت في نفسي: " إنها فرصتي، إنه موعدي مع التاريخ... سأشفي غليلي، و ليكن ما يكن". لم أبالي، و استرسلت مرافعتي انطلاقا من قناعاتي و انسجاما مع يمليه علي ضميري (...) استمعت الهيئة لرفاقي الخمسة، ثم جاء دور الأستاذة الفاضلة التي استهلت مرافعتها بكلمات ستظل راسخة في ذاكرتي و إلى الأبد:
    "... العدالة وطن الإنسان، فما أحوج هؤلاء الشباب إلى هذه العدالة و ما أحوجهم إلى ذلك الوطن ..."
... و في حدود الساعة السادسة مساء من نفس اليوم، و بعد المداولة، أمر رئيس الجلسة بفتح الأبواب و السماح لأفراد عائلاتنا بالدخول، و نطق بالحكم:
    "حكمت المحكمة باسم جلالة الملك حضوريا و نهائيا في القضية عدد: 93/764/826ع.ع على المتهمين بمجموعهم، و كل واحد منهم على حدى بعشرين سنة سجنا نافذا ".
المرفقات : صورة لوثيقة صادرة عن لجنة الصليب الاحمر الدولي اثناء زيارتها للمعتقلين السياسيين