اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

بيار غالون Pierre Galon ، صديق الشعب الصحراوي الذي لم يتعب

كتب بواسطة : futurosahara on 20‏/08‏/2014 | الأربعاء, أغسطس 20, 2014

لم يعرف الصحراويون ربما، في تاريخهم النضالي، صديقا بطول نفس وتحمل وصبر وحكمة بيار غالونPierreGlaon  ، الرجل الذي أزداد في بلجيكا في الأربعينات من عائلة برجوازية وتربى في حضن أوروبا التي كانت تنهض من رماد حربها الثانية العنيفة.
التقيته بالصدفة على هامش الجامعة الصيفية في بومرداس وكانت لي معه دردشة مهمة ومفيدة.
إدواردو موحا، الشخص الغريب، التقى معه في بروكسل 
بدأ يعمل مبكرا في بروكسل في بلجيكا في أحد مكاتب منظمة اوكس فامOxfam  الكثيرة التي تهتم بشئون اللاجئين والفقر في العالم، وأثناء حرب ثورة الجزائر ضد فرنسا تعاطف بيار غلون مع الشعب الجزائري ، ثم، بسبب ذلك التعاطف، أصبح مناصرا كبيرا للقضايا العادلة مثل القضية الفلسطينية وقضية جنوب إفريقيا، وانتهى صديقا دائما، طويل النفس وعنيد للشعب الصحراوي. 
في سنة 1972م، حين كان في مكتبه في بروكسل دخل عليه شخص قدَّم نفسه على أنه صحراوي يبحث عن الدعم للشعب الصحراوي كي يتحرر من أسبانيا. كان أسمه ادواردو موحا، وقال له أنه يقود حركة أسمها " مورحوب، Morehob ( mouvement de résistance de hommes bleus  ) وأنه سيناضل من أجل تحرير الصحراء. لم يكن ادورو موحا، سوى رجلا غريب الأطوار انتشلته المخابرات المغربية كي يؤسس تنظيما خياليا يريد "تحرير الصحراء"، وهو شخصية متقلبة الخرجات تتجول عبر العالم باسماء مختلفة، فتارة اسمه  محمد الرقيبي وترة بشير فويغي، انتهى به المطاف في المغرب.
حين التقى ادوار موحا ذلك اليوم بابيار غالون طلب مساعدة اوكس فام وأروبا كي يحرر الصحراء، لكن لحسن الحظ أن المنظمة وضعت ملف ذلك الرجل الذي كان يقفز بين العواصف في درج في الأرشيف.
سنة 1975م، سنة ميلاد صديق كبير للشعب الصحراوي
كانت محنة اللجوء، ونزوح الصحراويين من أمام القصف هي أول ما اثار انتباه بيار غالون. كانت صور الصحراويين وهم يقطعون الصحراء على الأقدام حفاة عراة أو على الغنم، وصور النساء يلدن في العراء من بين ما أثار انتباه البلجيكي ذي الجذور البرجوازية بيار غالون. أمام عينيه ولَدَتْ قضية لاجئين جدد ستضاف إلى قائمة قضايا اللاجئين الطويلة في العالم. حين أصبح الصحراويون لاجئون أصبحوا ضمن دائرة اهتمام واختصاص منظمة اوكس فام التي يعمل بها بيار غالون. سمح له عمله بلقائهم ومعاينة ولمس مأسأتهم عن\من قرب في تندوف. الذي أغاظه أكثر هو إن أسبانيا، البلد الأوربي، قامت بخيانتهم عن طريق اتفاق مديريد الذي يقول عنه بيار غالون اليوم بحماس وهو يحدثني عن رحلته الطويلة والشاقة كصديق للشعب الصحراوي:" يجب إن لا يغيب عن بالكم أبدا إن اتفاق مدريد سنة 1975م  لم تعترف به الأمم المتحدة ولا أية دولة في العالم. كان يجب أن تظلوا تكرروا هذا دائما أمام العالم وأمام أسبانيا."
لقاء بيار غالون باللاجئين الصحراويين واكتشافه لماسأتهم جعلته يتعاطف معهم. في نفس الفترة التي علم فيها أن إدوارو موحا الذي زاره في مكتبه هو مغربي يعمل لصالح المخابرات المغربية، كان يدق بابه صحراوي آخر جاء ليعرِّفه على القضية الصحراوية هو محمد سيداتي، الذي سيصبح \لازال ولسنوات طويلة ممثلا للبوليساريو عند الاتحاد الاوروبي. منذ ذلك اللقاء وضعت المنظمة المذكورة ملفا للصحراويين في برنامجها.                     
أول لقاء للتنسيقة بدأ بإحدى عشر متضامنا
بدأ بيار غالون رحلة صداقته للشعب الصحراوي؛ رحلة طويلة وشاقة لم يكن في البادية يظن أنه ستطول وتطول بهذا القدر من الأعوام. اليوم يقول وهو ينظر إليَّ بعينيه المتقدتين بالحماس، ويحدثني بشيء من الغضب الممزوج بالإصرار، بعد إن سألته هل كان يتصور في البادية إن الصراع سيطول بهذا الشكل:" لم أكن أتصور إن يطول الصراع إلى هذا الحد، لكن كانت عندي شكوك حول صعوبته، بسبب موقف فرنسا غير الأخلاقي وغير الديمقراطي."
وينظر الرجل إلى نافذة غرفته وهو يتذكر الأيام التي تأسست فيه تنسيقية دعم الشعب الصحراوي في أوروبا. يقول وهو يستعيد في ذهنه شريط سنوات طويلة ماضية:" الاجتماع التأسيسي بدأ في هولندا في أواخر سنة 1975م، وحضره فقط 11 شخصا." ويضحك ربما لإنه كان تأسيسا رمزيا." اليوم أكبر القاعات لا تستطيع أن تحمل المشاركين في ندوات ومؤتمرات التنسيقية فما بالك بالكثيرين الذين يريدون المشاركة لكن لا نستطيع دعوتهم.؟"
التنسيقية اليوم هي تضم أعضاء من كل بقاع العالم، والمنخرطون فيها يزدادون يوما بعد يوم، وعملها يتركز على جمع الدعم المادي والمعنوي للقضية الصحراوية.
منذ اجتماع التأسيس ذلك بدأ بيار غالون رحلته الطويلة للتعريف بالقضية الصحراوية في كل بقاع العالم. جاب عواصم العالم كله، التقى بكل الشخصيات المؤثرة والكبيرة، نظم الندوات واللقاءات، نظم المؤتمرات، وكان صوتا قويا يجلجل في كل مكان وصل إليه. كان يعمل كمحامي عن القضية الصحراوية. كانت رحلة شاقة، شاقة أكثر مما يتصور أي منا، لكنه هو كان عنيدا أيضا. كل رفاقه تقاعدوا أو ملوا أ وسئموا، لكن الرجل بقى وحيدا صديقا بنفس درجة الحماس التي بدأ بها في اليوم الأول. لم يترك القضية وحيدة ولا نال منها أي ربح مادي أو معنوي.
 الاتحاد الأوروبي يريد جدار العار أن يبقى في مكانه في الصحراء الغربية؟ 
وخطر على ذهني أن أسأله عن الاتحاد الأوربي فكانت المفاجأة. هو غاضب من الاتحاد الأوروبي بسبب تجديده لأتفاق الصيد البحري مع المغرب وبسبب نقاط أخرى كثيرة. بالنسبة له:" الاتحاد الأوروبي في قضية الصيد يرضخ لدولتين هما فرنسا وأسبانيا. بالنسبة لفرنسا هي دولة صديقة للمغرب وتدعمه في كل القضايا. بالنسبة لاتفاق الصيد مع المغرب فرنسا لا تستفيد منه كثيرا، لكن المغرب يستفيد وهي تدعمه كما لو كانت تدعم مقاطعة فرنسية. بالنسبة لأسبانيا هي أكبر مستفيد من اتفاق الصيد مع المغرب وهي التي تحرض الاتحاد بصفة عامة كي يوقعه."
وتأتي المفاجأة من حيث لا نتوقعها. يقول الرجل كأنما يريد إن يمرر معلومة مهمة لم نتفطن إليها من قبل:" الاتحاد الأوروبي يصرف أموالا للمغرب كل سنة كي يحارب الهجرة غير القانونية اتجاه أوروبا، فيبني الأسوار عند حدود سبتة ومليلية، وكي يقيم الحراسات، لكن المغرب يصرف بعض هذه الأموال على تقوية جدار الذل والعار في الصحراء الغربية ويقنع دائما الاتحاد الأوروبي أن ذلك الجدار هو خط الدفاع الأول ضد الهجرة، وانه في حالة إزالته سيتم تدفق ألاف المهاجرين الأفارقة نحو أوروبا."
إذن، الاتحاد الأوروبي متآمر في قضية بقاء جدار الذل والعار في الصحراء الغربية، وهو فعلا مقتنع أن ذلك الجدار هو الخط الأول لمحاربة الهجرة أتجاه أوروبا.
وأعيد عليه السؤال بصيغة أخرى كي يؤكد لي هذه المعلومة، فيقول بحماس: نعم الاتحاد الأوروبي متآمر مع المغرب ضد الشعب الصحراوي في ثلاث نقاط غير قانوينة البتة: الصيد البحري، بيع السلاح للمغرب، وفي بقاء جدار الذل والعار."
يصمت الرجل غاضبا يفكر بعيدا في هذا النوع من التآمر الخسيس. وحين ظننت أنه أحس بالتعب وانه يريد أن ينام بدأ يتحدث من جديد عن مؤتمر التنسيقية القادمة بحماس مثلما لو كان يتحدث عن أول مؤتمر لهذه التنسيقية والذي انعقد سنة 1975م. تأخر الليل بعض الشيء فقررت إن أتوقف عن الأسئلة الكثيرة التي كنت بصدد طرحها عليه وأودعه. ودَّعني بحماس هو يقول لي: أنت قادم من كوبا حديثا.؟ ويضحك. قلت له أنني لم أذهب أبدا. قال لي أين عثرت إذن على هذا القميص الذي تلبس، أنه قميص من أقمصة صديقنا فيديل كاسترو.
وضحك بعمق ثم ودعته وأنا أفكر في هذا الرجل الذي سلخ حوالي أربعين سنة من الصداقة والنضال مع شعبنا. كان متعبا جسديا لكنه لازال قويا معنويا. عاشت الرجال. 
بقلم : السيد حمدي يحظيه