شهد الملف الصحراوي في الآونة الأخيرة تجاذبات حركت الجمود الذي طبعه، وهي التجاذبات التي كان وراءها قرار المغرب بسحب الثقة من المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية، كريستوفر روس، بعد اتهامه بعدم التوازن في تقاريره والانحياز. لكن الأسباب الحقيقية وراء الخطوة المغربية تتعدى تقارير روس، لأن مردها في المقام الأول روس كشخص ومواقف، وكذلك إلى ظروف إقليمية وجهوية تريد الرباط انتهازها للتخلص من روس، الذي لم يدار مواقف المغرب كما فعل سابقوه، وكان آخرهم الدبلوماسي الهولندي بيتر فان فالسوم.
الدبلوماسي الأمريكي لم يتبع طريق فان فالسوم
إبعاد روس بين ربح الوقت وإشعال الحرب
بعد أن كان المجتمع الدولي، عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومبعوثه الخاص إلى الصحراء الغربية كريستوفر روس، يبحث عن ميكانزمات تدفع إلى حد ما باتجاه تكسير الجمود الحاصل في ملف المفاوضات حول مصير الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو، جاء الموقف الجديد للرباط بسحب الثقة من روس ليعيد النقاش إلى نقطة الصفر، وينقله من البحث عن مخرج للنزاع، إلى النقاش حول الثقة في الوسيط الدولي، وبالتالي خلق مطبات جديدة تطيل من عمر النزاع، وتطيل معه معاناة ليس الشعب الصحراوي فقط، ولكن منطقة بأكملها.
وضعت الخطوة غير المنتظرة للحكومة المغربية بإعلانها سحب ثقتها من كريستوفر روس كوسيط دولي للنزاع في الصحراء الغربية الكثير من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذا التحرك، بعد حوالي شهر من تبني مجلس الأمن، والمغرب عضؤ غير دائم فيه، لتقرير أممي حول الوضع في الصحراء الغربية، وهو التقرير الذي أربك الرباط، وجعلها تتدخل بكل قوة عبر حلفائها في الأمم المتحدة، وعلى رأسهم فرنسا، عندما أدخلت العديد من التعديلات على صيغته الأولى. ورغم ذلك أورد التقرير انتقادات لم يهضمها المخزن، كاتهامه بالتجسس على بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية ''مينورسو''، وغلق الإقليم في وجه المراقبين الدوليين والصحافة الدولية، ومطالبته بترقية وضع حقوق الإنسان، وهي النقاط التي رأت فيها المغرب تحيزا من قبل روس، وعدم توازن في تسيير وساطته.
ويرى ملاحظون أن المغرب يريد أن يثأر من البوليساريو، التي كانت وراء استقالة المبعوث السابق الهولندي بيتر فان فالسوم، الذي وجد نفسه مضطرا لإنهاء مهمته كوسيط بعد ملاحظاته الخاصة التي أرسلها إلى مجلس الأمن في آخر تقرير له في أفريل ,2008 الذي قال إن شعب الصحراء الغربية من حقه تقرير مصيره، لكنه رأى أن استقلال الصحراء الغربية أمر غير واقعي، وأنه يجب القبول بمقترح الحكم الذاتي كحل واقعي. وهي الملاحظات التي كانت في صالح المغرب وأشاد بها، لكنها لم ترق أبدا البوليساريو، التي سحبت الثقة من فالسوم وجعلته يكتب استقالته. وانتهزت الرباط فرصة التقرير الأممي الأخير للمطالبة بإقالة روس.
وتأتي هذه التجاذبات في عز تغييرات كبيرة تشهدها منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط والساحل وغرب إفريقيا، ووضع يتسم بكثير من اللا استقرار، كما تأتي في وقت عرفت فيه فرنسا، الحليف التقليدي للمغرب، تغييرا في الحكم وصعود اليسار المعروف باعتداله في مواقفه من النزاع في الصحراء الغربية مقارنة باليمين، وإن كانت فرنسا تحكم بمنطق المصالح.
لكن الخطوة المغربية الحالية تشكّل، في نظر مراقبين، مغامرة غير محسوبة العواقب، لأنها ستزيد من اقتناع الصحراويين بأن الأمم المتحدة لم تعد قادرة على تسيير الملف وفرض منطقها، في وقت يطالب قطاع واسع من الشعب الصحراوي بالعودة إلى السلاح، وفي وقت تعيش المنطقة انفجارا أمنيا غير مسبوق، خاصة بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، والتي من آثارها انهيار نظام القذافي، وانتشار السلاح الليبي في منطقة الساحل، الذي كانت مالي أولى ضحاياه.