خطوات توالت في حق أشخاص من هذه الشريحة عبر مسيرتهم
النضالية ، وتم من خلالها إقصاؤهم ، أو " ترقيتهم " نحو الأسفل إلى مناصب
تكاد تكون وهمية بالمقارنة مع قيمة وحجم المسؤوليات التي كانوا يضطلعون بها في المؤسسات
التي ينتمون إليها ، فهل هي عين الصدفة أصابتهم ، أم أن الإمعان في التهميش والإقصاء
عصف بهم ؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه تحسس فقط ، من قبل النظام لمدى ردة فعل شريحتهم
حيال تصرفات تزيد الطين بلة بخصوص حقوقها السياسية ؟ خاصة وأن النظام يخال هذه الشريحة
، نائمة على الدوام ولا تدرك شيئا عما يطبخ لها في كواليس سياسته المخيبة للآمال والطموحات
.
فإذا كانت هذه الخطوات القديمة الجديدة قد جاءت
نتيجة الصدفة ، فهذه صدف يجب أن لا تتكرر من طرف النظام ، ولا من قبل العقلاء والوطنيين
فيه ، الذين تهمهم وحدة هذا المجتمع وتلاحمه ، وعدم التمييز بين شرائحه ، فالشعب الصحراوي
جسد واحد ـ هكذا نظنه ـ إذا اشتكى منه عضو يجب أن يتداعى له بقية الجسد بالسهر والحمى
، وهذا ما يفترض تجاه شريحة محرومة من أغلب الحقوق السياسية ، وخاصة في مستوياتها العليا
كالأمانة الوطنية ، البرلمان ، والحكومة ، وكذلك مناصب الاستشارة في الرئاسة ، ووظائف
الأمانة العامة في مختلف الوزارات والولايات ، وما إلى ذلك .
أما إذا كان الأمر إمعانا في تهميش هذه الشريحة
وجعلها كالذي " يحاذي العطار بازوكني " فهذا أمر مرفوض لا ترضاه لنفسها بتاتا
، وهي التي انخرطت في القضية كبقية الشعب ، وقدمت لها ما قدمه الأوفياء خدمة للمصير
، فكيف بها تظل ملقاة على الهامش تعاني الأمرين ، ظلم الغزاة لشعبها وظلم ذوي القربى
لها ، الذي حسب ما يبدو من تجليات الواقع ، هو الأشد مضاضة على هذه الشريحة المنسية
، بخلاف ظلم الأعداء الذي لم يثني عزيمة منتسبيها يوما عن مواصلة النضال والاستمرارية
على عهد الشهداء البررة ، الذين قل من ينحني لأرواحهم في وقتنا الحاضر وبالأحرى إذا
كانوا من هذه الشريحة .
الاحتمال الثالث وارد جدا ، خاصة في ضوء الرسالة
التي سبق وأن نشرتها هذه الشريحة عبر الانترنت ، وليس في هذه الحالة أدنى شك في أن
يتحسس نظامنا مدى جدية هذه الشريحة في ما تصبو إليه ، وهو الذي عودنا على دواء " أطلا أعلى لوبر
" الذي تتكشف من خلاله أساليبه التافهة في إدارة شؤون الشعب بكل مكوناته ، على
أسس منها القبلية والمحسوبية ، والتمييز بينهم ، وإرضاء بعضهم على حساب البعض الآخر
، وهو الشئ الذي ذهبت ضحيته هذه الشريحة ، التي قد تخضع بدورها لاختبار على هذا المنوال
، في الوقت الذي نبهت فيه إلى مطالبها الشرعية
دون حراك أو شغب ، ولعل النظام في هذه الحالة رأى
أن الأمر غير جدي للغاية بالنسبة لهذه الشريحة ، بدليل أن الجرب في جسدها مازال
في أطواره الأولى ، وحكها ليس شديدا ومؤثرا إلى درجة تضايق هذا النظام وتستفزه ، وبالتالي
حدث المزيد من تجاهلها ، والاحتفاظ "بالطلا
" لمن تنتاب جسده التهابات القبلية والانتهازية ، وأورام الاحتجاجات الخبيثة ،
وجنون الشغب الذي غالبا ما يكون العدو وراءه ، لاستدراج نظامنا بسذاجة تفسيره وتفاهة
معالجاته إلى الوقوع في فخ ، ومثل هذا التعامل هو ما لا ترضاه هذه الشريحة في التعاطي
مع مطالبها المشروعة التي لا لبس فيها ، والتي تقر بها علانية دون لف أو دوران ، ودون
أية مظاهر مشينة .
على أي فهذه الشريحة " ماسحة عن أوجها " وحضارية عكس ما يتوقعه
مجتمعها ونظام دولتها وحركتها ، الذي مازال يتشبث بمخلفات الماضي فعلا وقولا ، فهذه
الشريحة تؤمن بالحوار البناء واحترام وتقبل الآخر في حدود ما تمليه الشراكة الحقيقية
، مثلما تقدر التفهم لحقوقها السياسية المشروعة من باب المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات ، وأمام القانون ، ولا ترى
أي مانع من الحصول على ما تخوله لها مبادئ الثورة ، وقوانين الدولة وإجراءاتها ، وخاصة
في مجال التعيينات ، أما في مجال الانتخاب فالسلطة عودتنا على قاعدة التوازنات القبلية
، وعادت بنا إلى الماضي القذر بكل مخلفاته الذهنية السلبية ، وهو الشئ الذي يزيد من
عدم تقبل غالبية المجتمع الصحراوي لهذه الشريحة في الهرم القيادي ، التي هي الآن أقرب
إلى سفحه من وسطه ، في وقت لم يحرك فيه هذا النظام الخامل ساكنا لاستعادة القيم والمبادئ
السامية الضائعة ، التي قامت من أجلها الحركة والدولة
معا في الساقية الحمراء ووادي الذهب ، وكان من شأنها لو تم الحفاظ عليها ، أن تجعل
هذه الشريحة وغيرها من المظلومين يتبوأ مكانته المشروعة في القيادة والمسؤولية بين
مختلف الشرائح الصحراوية دون غبن أو تمييز ، وبالأحرى في شعب يفترض به أن يكون قد بلغ
درجة عالية من الوعي والنضج بعد مسيرة طويلة من النضال والتضحيات ، تفتح خلالها على
العالم من حوله ، وقد آمن بقيم الديمقراطية والعدالة والمساواة بين بني البشر، على
اختلاف ألوانهم وأعراقهم ، وأصولهم وانتماءاتهم ، وما وصول أوباما ذو الأصول الإفريقية
إلى الرئاسة في أمريكا ، وقبله كارلوس منعم ذو الأصول اللبنانية إلى الرئاسة في الأرجنتين
، والأمثلة كثيرة ، إلا خير دليل على إحقاق الحق وتقبل الآخر باعتباره شريكا واقعيا على الساحة ، لا يجوز تجاهله
أو إسثناؤه أو التخلص منه .
ما هو متبع حاليا في سياسة دولتنا وحركتنا للأسف
ـ نقولها كشريحة وفي الحلق مرارة وفي الضمير تأنيب على هذه المقاربة في شقها الأول
ـ لا يبعد كثيرا عما كان يقوم به نظام لا بارتايد بزعامة فريديرك دوكليرك في جنوب إفريقيا
، من ناحية التهميش والتمييز العنصري الفاضح عندنا ، خاصة في المناصب العلياء وفي الاضطلاع
بالوظائف الهامة ، وفي العمل أحيانا ، لا من حيث القهر والإبادة الجماعية ، التي نتركها
للنظام المغربي الغازي ، الذي انتهجها ضدنا جميعا كصحراويين ودون تمييز لتصفيتنا من
الوجود .
وعلى الرغم من كون هذه الشريحة اليوم تقع بين
مطرقة النظام وسندان المجتمع ، إلا أنها في هذه الظروف واعية بمخططات العدو ودسائسه
، مثلما هي متفطنة للاستثناء الحاصل لها في
عدم استيعابها وإشراكها في سلطة دولتها بمختلف مستوياتها العليا والمتوسطة وحتى ما
بعد المتوسطة التي بدأت تخلو من أثرها ، وهي إن لم تبدي حراكا وشغبا على هذا الاستثناء
، فليس معنى ذلك أنها عاجزة ، أو تفتقر إلى الوسائل والسبل القانونية والإنسانية الحضارية
لفرض إرادتها ، ونيل حقوقها السياسية المشروعة في إطار الدولة الصحراوية وحركتها التحريرية
، خاصة في ظل وجود محامين أكفاء ورجالات قانون فقهاء ، ومثقفين ومحللين سياسيين من
صلب هذه الشريحة ، باستطاعتهم المرافعة أمام منظمات حقوق الإنسان ، وفي أي مكان عن
حقوقها السياسية والمعنوية المهضومة عمدا من قبل النظام الصحراوي ، في تناقض صارخ مع
مبادئ الحركة ، وقيم العدل والمساواة التي يكفلها دستور الدولة لكل مواطن صحراوي بغض
النظر عن لونه أو سلالته أو قبيلته أو أي انتماء يمكن أن يستهدف بالتمييز لفظا وممارسة
.
في الأخير على نظامنا مراجعة سياسته في إدارة
دفة الحكم ، على أسس منها احترام مشاعر الناس ، وصون حقوقهم السياسية أساسا طبقا لما
تقره مبادئ الجبهة الشعبية ودستور الدولة الصحراوية وقوانينها ، بعيدا عن التحجج بالظروف
واستثنائية المرحلة ، وانعدام الملاءمة لأي
طرح ، وهذه كلها مسامير يعلق عليها نظامنا كل فشله وعجزه في اتخاذ مواقف حاسمة من كل
ما يجري على الساحة الوطنية من تناقضات ومفارقات ، فعلى هذه السياسة أن تكون واضحة
وبعيدة كل البعد عن التدليس على حقوق الأقليات في المشاركة في السلطة ، وأن تكون بوصلتها
دقيقة ، ونهجها سليم ، ونية من يديرونها صافية وعادلة ، ومن ثم الطريق واضح لمن يضطلع
بمسؤولية في الهرم القيادي بمختلف مستوياته ، سواء كان صانعا تقليديا أو عبدا أسودا
، أو " بيظانيا " أبيضا ، أو غير ذلك من النعوت التي يتقنها نظامنا اليوم
قولا وفعلا ، وليكن العهد والميدان وحدهما هما المحك ، وكفى تعصبا زائفا لا معنى له
في عالم اليوم غير الظلم والإقصاء والديكتاتورية والاستبداد بحكم أعرج ، إن ظل يتوكأ
ويكبو إرضاء لمن خالفوا المبادئ السامية والقيم النضالية العالية ، قد لا يوصل الصحراويين
ـ لا سمح الله ـ إلى الهدف المنشود المتمثل في الدولة الصحراوية المستقلة والشاملة
لكل الصحراويين دون إقصاء أو تمييز .
إيماننا بالقضية وبالوحدة الوطنية قوي لا يتزحزح
، وعزيمتنا على تحقيق حقوقنا السياسية المشروعة كشريحة في هذا الإطار ثابتة ولن تلين
، لأننا على حق واضح كالشمس ولا يمكن تغطيته بالغربال ، ولا بأي شئ آخر مهما تنكر نظامنا
وتلوى وتمادى في التضليل والإهمال والتهميش والإقصاء ، وليحفظ هذا النظام الغافل الدرس
من حياة اليوم التي ترفض العنصرية والتمييز بكل أشكاله ، وليعرف أن للكبش قرون ، وأن
تأخيره ليس ذلا ، كما هو الحال في هذه الشريحة .