اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

فضل الجمعة / اسلامه الناجم

كتب بواسطة : futurosahara on 02‏/08‏/2011 | الثلاثاء, أغسطس 02, 2011

قال تعالى
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" صدق الله العظيم .
لا أريد أن أتعسف في تفسير هذه الآية الكريمة, كما يفعل كثيرون, كلما أعوزتهم الحجة وجانبهم المنطق وعاندهم الصواب , ولكني أريد التأكيد على أن الدعوة الملحة ,بل الأمر الالاهي بحضور صلاة الجمعة  وترك جميع الأعمال وأهمها التجارة - دون جدال - التي خصتها الآية بالإشارة , جاء لحكمة ربانية تريد للمسلمين أن يجتمعوا كل أسبوع , حتى ينظروا في أمورهم و أعلاها و أخطرها شأنا أمر الحكم وشكل النظام , ليقيموا النتائج ويقومون المسار , قبل أن يستفحل الأمر ويخرج عن السيطرة , فمن على هذا المنبر  قال أبو بكر الصديق عندما تولى الحكم "إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني"  وقيل لعمر  بن الخطاب  وهو يقف على ذات المنبر " اتق الله يا عمر"  فقال رجل- نحسن به الظن - "أتقول هذا لأمير المؤمنين" فنهره عمر وقال"لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها ".
لكن هذه الحكمة الربانية من الجمعة ’عطلت أو غيبت منذ العام  660  ميلادية, يوم اغتصب معاوية الحكم وحوله وراثة ,و ألزم الناس بالدعاء له ولعن معارضيه , وقرب أشباه الفقهاء , ونفى الآخرين و أبعدهم عن مجلسه ,غير إن الإنصاف ,يقتضي منا الاعتراف بدهاء  معاوية السياسي , وهو القائل "إنّي لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني" وهو  ايضا صاحب الحكمة "لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها" وأغلظ له رجل فأكثر، فقيل له: أتحلم عن هذا؟ قال" إنّي لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا" ومعاوية هنا اعترف أن الأمر قضية ملك ووجاهة  لا غير , وكان اكثر صراحة , من الذين جاءوا بعده ومنعوا الناس حتى من الكلام !! بحجج شتى تارة باسم الدين, و أخرى بشرعية الثورة , وثالثة بذريعة المؤامرات الخارجية  .
فالذين جاءوا بعد معاوية ,اعتبروا الحديث في السياسة أمر جلل, يورد صاحبه موارد التهلكة. ساعدهم في ذلك فقه النفاق أو نفاق فقهاء , أضفوا مسوح الدين على كل خطى الحاكم ,واعتبروه ظل الله في الأرض , فحفل تاريخ الخلافة الإسلامية بأسماء وألقاب على شاكلة الحاكم بأمر الله , المعتصم بالله , المتوكل على الله , المنتصر بالله , الواثق بالله  والقائمة طويلة .
فانحرف الفقه الإسلامي ما تعلق منه بأمر الحكم والدولة ,ودخل متاهات خطيرة حتى وصل الأمر بنا الى إيجاد قاعدة فقهية ,تبارى القوم في تعزيزها ,والإسهاب والإطناب فيها ,شرحا وتفصيلا , تحرم بالقطع الخروج على الحاكم ,خشية الوقوع في الفتنة ,وهي ذات الحجة مع التحديث طبعا ,التي نسمع الآن في المفاضلة بين الأمن  و بين الحرية  , بين الاستقرار وبين الفوضى , فأي فتنة اشد من حاكم فاسد و فقيه مضلل ؟!.
أزيد من 1300 سنة ,ومنابر الجمعة رهينة الحديث عن نواقض الوضوء وطاعة أولي الأمر, دون أن تبين للناس نواقض الحكم  ,وضرورة أن تتولى الأمة أمر نفسها, في عزل الحاكم أو توليه, رغم صراحة الآية القرآنية  ووضوحها " وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ  ".
تنتابك الدهشة بل الحيرة, حين تتصفح تاريخ الخلفاء المسلمين, وتجد أكثرهم  لا يصلح لإدارة محل صغير في قرية مهملة !فما بالك بإمبراطورية عظيمة تمتد من حدود الصين شرقا الى المحيط الأطلسي غربا !!والذي أوجده في هذا المكان الخطير, ومكنه من رقاب المسلمين ومقدرات الخلافة, فقط لأنه ابن الخليفة  أو حفيده, لا  موهبة, ولا دراية, ولا إدارة ,وطبيعي إن من هذه حاله ,سينكب على الملذات و التفاهات, الأمر الذي ساهم في تقويض الخلافة, من أسرة الى أخرى (الأمويين , العباسيين ,العثمانيين), والسبب دون شك,أن الجمعة لم تكن مفعلة كما ينبغي .
والمفارقة أن الربيع العربي هو الذي بعث دور الجمعة من جديد !هذا الربيع الذي فرضته عوامل كثيرة, أهمها أن الجمهوريات أصبحت جملوكيات,  تورث الحكم من الاب الى الابن, حالة سوريا , وكانت مصر وليبيا واليمن وتونس على نفس الخطى, لولا يقظة شعوبها ونجاحها في إسقاط أنظمة والأخرى في الطريق  , أنظمة لم تكتفي بالفساد المستشري ,والتخلف الذي زرعته في كل مكان, وتفشي الأمية و المحاصصة القبلية, وتراجعها في ترتيب الدول في التنمية والبحث العلمي والرفاهية والشفافية والحكم الرشيد ,بل زادت عليه ,بان حولت الأوطان الى مزارع خاصة للعائلة والأصدقاء وشلة السوء من لصوص المال العام,أنظمة حولت الأوطان الى سجون! والمواطنين الى أسرى, أو مشبوهين  أو منفيين, وهي أنظمة جاءت كلها على ظهور الدبابات ,وحكمت بشرعيات زائفة ,وعطلت الحياة السياسية, بدعوى التغيير  نحو الأفضل ,فإذا بها  تخرج أوطانها من التاريخ ,وتمحوها من الجغرافيا, وان كنت لها حسنة ففي تصرفاتها الرعناء التي أفاضت الكأس ,وجعلت الشارع العربي يبادر الى التغيير السلمي ,ويقود شبابه هذه الثورات السلمية الرائعة, حالة تونس ومصر وسوريا رغم وحشية القمع  .
عادت الجمعة إذا الى موقعها الأصيل ,والى الغاية منها ,فكانت هذه "الجمعات " التي رأينها في مصر واليمن وسوريا , والآلاف المؤلفة, التي تخرج من المساجد ,وتزحف نحو ميادين الحرية والتغيير, فرغم القبضة الأمنية الخانقة للنظام العربي عامة , وقانون الطوارئ الأبدي,  ظلت الجمعة الزمكان الوحيد ,الذي تركته أجهزة الأمن للناس للتجمع , دون الحاجة الى ترخيص من وزارة الداخلية !!, ومن المفارقات العجيبة ايضا, أن الذي  عاد بالجمعة الى سيرتها الأولى, هم من يوصف باليساريين والليبراليين والعلمانيين ,وليس من يوصف بالإسلاميين ,هذه شهادة للتاريخ وللمستقبل ايضا ,لان شكل النظام والحكم العربي الذي نريد سيكون الدولة المدنية ذات المؤسسات المحترمة والسيادة "المطلقة" للشعب .

0 التعليقات: