بقلم : السالك الصبار
تحدثت في مقالات سابقة عن اربعينية تنظيمنا الوطني "الثوري" التي يقترب تاريخ حلولها وحاولت بتواضع تقييم حال المنظمة وما يجب عليها تفاديه. ونظرا للتطابق المربك احيانا كنت مرغما على كتابة مقال مماثل عن الدولة الصحراوية والغاية من تأسيسها وعلاقة الامر بالشهيد المرحوم الولي مصطفى السيد. وكنت ولا ازال اتمنى من عمق القلب ان تنظر المنظمة التحريرية بعين التمعن الى ما يصدر عن ابنائها من كتابات وانتقادات هدفها تقييم المسار ومحاولة تعديله.
مخيم العيون للاجئين الصحراويين
اليوم والمؤتمر الثالث عشر للجبهة على الابواب أجد نفسي مرغما على المساهمة في محاولة توضيح المسار لقيادتنا الوطنية علها لا تزال تحتفظ " ببقية أخلاق وشئ من التقوى".
هذه الايام وريح التغيير تعصف بالعالم العربي كنا ننتظر من قيادتنا أن تبذل جهدا مهما كان قدره نحو تطمين الشارع الصحراوي المغلوب على امره، وأن تبدي ولو القليل من النية في تحسين مسار التحرير اولا ومسار التسيير ثانيا، وكنا ننظر وننتظر بلهفة ما سيصدر عن اعلى هيئة في جبهة البوليساريو (الامانة الوطنية) من قرارات تمهيدية لإنعقاد المؤتمر القادم لنستشف منها ما سيأتي. وعندما صدرت قائمة اللجنة التحضيرية تذكرنا القول العربي " تمخض الجبل عن فأر"، ولا ارى هنا داع لأن اتناول اسماء اعضائها ومدى تأثيرهم في الساحة الوطنية، ولكنني أؤكد على مسألة هامة تتعلق بهم جميعا خاصة رئيس اللجنة ونائبه وهي أنهم من أكثر القادة ليونة وإذعانا لشخص الامين العام الذي أصبح واضحا أنه هو نفسه الامانة الوطنية والى حد ما هو نفسه جبهة البوليساريو.
وكلما كتبنا او ناقشنا حالنا الداخلي كان ينتابنا إحساس بأن شخص الامين العام (جبهة البوليساريو) لا بد وان يعير ذلك اهتماما، ولكن يبدو اننا كنا مخطئين، فشخصه على ما يبدو محاط ببطانة سوء تحول بينه وبين ذلك او هذا ما يمكن التوصل اليه لمن في حالنا محروم من الشفافية ومن المعلومات حتى ما يتعلق منها بمصيرنا. ولكن من جهة اخرى يقال عنه انه على قدر كبير من الذكاء والفطنة، فلماذا اذا لا يتفطن لثقب السفينة ونزولها المتدرج نحو القاع. لقد مللنا منه ومن طقمته التي تتربع على قلوبنا "دون فائدة" منذ اكثر من ربع قرن فلو كان لوحده لكنا تحملنا ولكن ان تتحمل نفس الاشخاص بكل ما يصدر عنهم من أخطاء متكررة فليس الأمر بالهين. كنا نعتقد ان الربيع العربي سيكون بمثابة الغمزة لقادتنا ولكن يبدو انهم مصابين بفقدان الحساسية ويعتبرونه خريفا وأنهم القيادة التي باركها الرب القدس وانهم منزلين ليسيروا شؤوننا ونحن نتبعهم كالدواب التي لا حول لها ولا بصيرة. كما اسلفت قبلا فهناك الكثير يمكن قوله عن القوم ولكنه ليس بالاهمية الكبيرة في حالنا اليوم.
يقترب المؤتمر إذا ونحن تحت رحمة اللجنة التحضيرية، ومن الواضح ان المنظمة بذكاءها اللامحدود وعماها اللامحدود قد رتبت لكل شئ واوجدت القنوات اللازمة لمرور كل العواصف التي قد تشكل طريقا نحو التغيير، ويمكننا القول جازمين أنه وبدون معجزة فسيبقى الحال على ماهو عليه لاربع سنوات اخرى يعلم الله كيف سيكون تأثيرها على النفوس الصحراوية البائسة المعذبة بتخاذل كبار قومها عن المعركة الحقيقية. يقترب المؤتمر والمنظمة تصم الاذان عن صوت يطالب بالتحرك نحو الافضل، فقيادة المنظمة أدمنت الفساد السياسي والاخلاقي ولم تعد تكترث لأنات المعذبين سواء في سجون الاحتلال أو تحت خيم السرابيل في صيف الحمادة الحمراء قرب تيندوف. لا نقول هذا جزافا فبالنظر الى ما تم القيام به في إصلاح مسؤولينا المفسدين، او ماتم بناءه في الاراضي المحررة، او ما تمخضت عنه المفاوضات مع العدو المغربي نستطيع القول أننا نراوح مكاننا للأسف البالغ.
إن مؤتمر الجبهة القادم يقف امام تحد واحد ووحيد، واضح وضوح القدرة الالهية، وهو تحد التغيير نحو الافضل في كل المجالات التي أشرنا اليها على سبيل الاختصار بالتحرير والتسيير. وقد تفأجات بشكل كبير عندما علمت ان القيادة الوطنية (شخص الامين العام) قد بدأ وبدون حياء بتوزيع السيارات على مجموعة من شيوخ القبائل في إشارة بليدة ومتسلطة الى أنه لا ينوي على التعاطي الايجابي مع ما يعتمل في صدرونا من غليان، وأنه ماض بدون خجل في تجذير القبلية بعد ما غرس بجذور من حديد المحسوبية والرشوة في كل مؤسساتنا.
قد يعاب على هذا النص حصره للمسؤولية في كل شئ على شخص الامين العام لجبهة البوليساريو، وأؤد الإشارة في هذا المقام الى أنه ومن خلال قرابة اربعين عاما من تواجده في القمة أصبحنا ندرك باليقين ان البقية ما هم إلا دمى يحركهم كيف يشاء ويستخدمهم متى شاء، وادركنا باليقين انه لا يفعل بهم ما يخدم لا مسار التحرير ولا طريق التغيير، وأشير أيضا ان ما قلته مدعوم بصلاحياته الدستورية بالنسبة لمؤسسات الدولة والوارد منها في القانون الاساسي للجبهة، ولكننا كمناضلين تعامينا عن كل ذلك عله يهتد ولا يبدو انه كذلك، بل مصر على الاستمرار في نسخ تجربة زين العابدين والقذافي والاسد ولكن بطريقة ناعمة يغطيها غبار النضال والمصير وحرب التحرير بينما يختبي تحت كل ذلك صدأ الفساد والقبلية والمحسوبية. وأشير ايضا الى أنني كنت الى وقت قريب جدا أكن الكثير من الاحترام له، وانتظر أن يقوم بما يجب ليحافظ على ذلك ولكنه كما يقال بلغ السيل الزبى ولم يبرهن شخصه المحترم عن أية نية في التحرك نحو ما تصبو اليه قناعاتنا وأظهر جليا تمسكه بالنهج الذي اوصلنا به الى ما نحن عليه اليوم، ومع ذلك لا نملك الى ان نشير الى اننا لم نعد نحتمل.
هكذا وصل بنا الحال ياجبهتنا المحترمة، أصبحنا نختزلك مرغمين في شخص الامين العام، أصبحنا نتحدث عنك بشئ من الانفصال عنك وكأننا لسنا منك، إن ضخامة اليأس "من التغيير للأفضل" التي كسوتنا بها تدفعنا الى ان نتبرأ منك يوما ونهيم في ارض الله الواسعة نبحث عن سيارة تخرجنا من غيابات الجب وتبيعنا نخسا ليمكن الله لنا من بعد ذلك في أمرنا. ندعو الله الذي لا تضيع ودائعه أن يكون ذلك اليوم بعيدا، وندعو الله كما دعوناه دائما أن يكون السداد أمام أولي الامر منا، وأن يؤخذ ما قيل هنا على قدر ما اريد به من صلاح واستقامة، وأن لا يوضع في غير محله.
هل من فرصة سانحة؟ الله اعلم، فكلما اقترب المؤتمر سيتضح الامر وسيكون حينها مقام لمقال أخر.
السالك الصبارمخيم العيون للاجئين الصحراويين