اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

الى جاء العياط من الكدية الهروب منين؟

كتب بواسطة : futurosahara on 11‏/10‏/2011 | الثلاثاء, أكتوبر 11, 2011

 
محمد لبات مصطفى
في المجتمعات التي تواجه غزوا أجنبيا، تكون القيادات مطالبة بالتأكيد بتضحيات جسام، ولكن أيضا بامتلاك رؤيا ومشروع سنده الفكر والاستراتيجية الواضحة المعالم، للتفاعل مع تداعيات تلك الظروف الاستثنائية، وإبتداع القوالب والوسائل الملائمة، لمواجهة التحديات في مستوياتها الخارجية والداخلية، والحفاظ على القيم المشتركة التي توحد الجماهير حول أهدافها، وتعبئتها بصورة دائمة خلف مشروع وطني وليس خلف شعارات أو أفراد.
والمطلوب من القيادة الصحراوية في ظروف كهذه التي نجتازها اليوم ليس أكثر من ذلك، فهم ليسوا مطالبين بأن يكونوا سوبرمانات. وان كان لابد من الاعتراف بوجود قامات أعطت لتقدم الصفوف معناه..ورجال وضعوا مصلحة الوطن فوق جاه السلطة وامتيازاتها..وآخرين أخلصوا لشعبهم ووطنهم وقضيتهم وسيبقي طيب ذكراهم دهرا بين شعبهم.. لكن القيادة اليوم مطالبة فقط بالتمسك بالحد الأدنى من الانسجام المبدئي بين الأقوال والأفعال، وأن تتجاوز مرحلة اللافعل واللاموقف..وأن تلتزم بما ألزمت به نفسها من مقرارات وبرامج لم يغادر جلها بيت الطاعة التنظيمية. بينما زُفًت البقية في صيغ غامضة يسهل تفسيرها بما يعاكسها تمامًا.
مطلوب ممن بيدهم شؤون الحكم والقيادة أن يقرأوا نبض الشارع الصحراوي ويسيروا على إيقاعه. وأن يستوعبوا حوارا حول وطن أكبر منهم وأبقى، وأن يعيدوا النظر بشجاعة في استراتيجياتهم بوضوح وتجرد ، وأن ينفذوا المشروع الوطني بمنهجية واعية، وأن يعدوا العدة لاصلاح قضايا الشأن العام، بطرق تفتح أمامهم آفاق التواؤم الذكي مع مقتضيات المرحلة ومتطلباتها، ليعودوا كما كانوا ذات يوم قوةَ مجابهة حقيقية ومقنعة، ويسترجعوا مصداقية قيادة المجتمع.
مطلوب ممن هم في مواقع المسؤولية، أن يدركوا ويعلموا ويعوا ان المواطنين الصحراويين، لن يبقوا الى ما لا نهاية صفرا على اليسار، بل هم أصحاب مشيئة حرة وسيادة عليا وإرادة عامة، يعرفون حقوقهم ويستحقون الحصول عليها بجدارة واستحقاق أيضا. فلا ينبغي ان يتعالى أولا يتأله عليهم من يدير شؤونهم؟ مطلوب ممن يتحملون مسؤولية إدارة الشأن العام في بلادنا، أن تتسع صدورهم للنقد البناء ــ مبدأ من مبادئ الجبهة ــ ولكافة أشكال الاحتجاج السلمي وتظلمات المواطنين ولفت الانتباه حول التجاوزات التي منشئها طغيان الأمزجة الشخصية وعدم تطبيق قيم العدالة والحق والقانون..
مطلوب من السلطات الصحراوية أن يتعودوا على مواطنة تستدعي توجيههم لا عبادتهم، وهذا ما يحدث في جميع بلدان العالم وحركاته التحريرية، وهو دواء المناعة والحصانة للحركة الوطنية الصحراوية. وكل تسويق في أي اتجاه آخر ما هو الا مسعى غير ذكي لاستغفال اليقظة الشعبية..ويوقع مسوقيه بالتأكيد في جدال و مهاترات وحذلقات كلامية لا تجوز على الواعين.. مشكلتنا مع حكامنا هي في تصورهم لمفهوم المواطنة والوطن الذي يحكمون، فهم يعتقدون أن الوطن الذي يحكمونه هو نتاج ما يملكون، والمواطنة التي ينتظرون هي قدر الولاء لذلك النتاج؟.
مطلوب من حكامنا أن يمارسوا فيما بينهم قدرا كافيا من النقد الذاتي، وأن يشيعوا الديمقراطية داخل تنظيمهم، وأن لا يستغلوا الزمن ويستثمروا الإمكانيات العامة، لخلق مسارات التفافية تمكنهم فقط من تعزيز مواقعهم في السلطة التي لم يحسنوا أداءها ولم يوفوها حقها..مطلوب منهم كذلك أن لا يكون شغلهم الشاغل كثرة الاجتماعات والمحاضر واللجان، و كثرة خطابات التنديد والشجب والاستنكار والادانة والمناشدة والبيانات والشعارات، والتي عادة ما يكون مردودها على أوضاع البلاد والعباد محدودا، وكثيرا ما تتحول إلى غاية في حد ذاتها وربما تعد إنجازات.. "تسمع لها جعجعة ولا يرى لها طحينا" .مطلوب من حكامنا أن يستبقوا التغيير ويتحضروا له فقد أصبح ــ التغييرــ استحقاقا وقدَرا مكتوبا كالموت. وقبل كل ذلك وبعده، وبمناسبة حلول الذكرى 36 للوحدة الوطنية، مظلتنا جميعا، مطلوب منهم ــ حكامنا ــ أن يصلحوا أوضاعهم، ويوحدوا صفوفهم، وأن يخففوا سرعة الهرولة باتجاه المكاسب الشخصية، حتى يعطوا للناس فرصة للالتفاف حولهم من جديد. فاذا كان للقيادات الصحراوية الحق في أن تتنافس على أمر ما، فإن أفضل المباريات وأرفعها، هي تلك التي تهدف الى توحيد الصفوف، واعادة الثقة والأمل للمواطن الصحراوي، وتقوية مناعاته، وشد معنوياته، وانعاش ثقته بالنضال، وتعزيز جبهتة الداخلية، وتعظيم مكاسبه، ومراكمتها، وحسن توظيفها، وتثبيتها وعدم تركها تضيع.
ان الصحراويين الذين توحدت مطالبهم بالحرية والاستقلال يهمهم الآن أن لا يتشوه كفاحهم، وأن لا تتلطخ سمعة تنظيمهم، أويفقد بريقه، أوقدسيته أومكانته، من خلال التقصير والتقاعس والعجز والتفريط. أو من خلال تدني مثالية ومصداقية بعضا ممن يديرون شؤونهم. فقد صار واضحًا اليوم ما يواجه القيادات الصحراوية من أزمة يمكن التعبير عنها بكلمتين اثنتين مثقلتين بالمعاني السلبية وهما أزمتي الثقة والمصداقية..التي لم يعد مُمكناً معها البقاء و"التراوح" في مربَّع الإطراء والتمجيد، أو الخداع والغش.
لقد أصبح من غير المفهوم تراجع وتقزم وتقوقع دور القيادات الصحراوية، ومن غير المقبول تدني مكانتها حيث غرقت في العجز والفساد، وطغت عليها حالة من الانغلاق والعقم السياسي، فالمؤسف حقا أن الشر قد جاء جُله من "فوق") القلعة التي كانت حصينة وعصية على الاقتحام( ومنه للأسف جاءت الردة السياسية التي كانت مقدمة لكل أسباب التداعيات والانهيارات اللاحقة.. جريمة كبرى في حق الشهداء ان تثار وتهيج النعرات بايعاز من "الكبار" وتتخذ النساء والأطفال سلما للارتقاء إلى سدة الحكم. وكارثة كبرى على الوطن ان يفتح "الكبار" باب الفرار وتولي الأدبار.
مؤسف ما نسمع ونشاهد بالبصر والبصيرة من انتهازية الكوادر وأدائها المخيب. وانجرافها في مزالق الذاتية والحسابات التي تتصدّرها الولاءات وتحكمها المحاباة. ويستولي عليه العناد، ويحركها الاستعلاء، ويتداخل فيها "المال العام" وسلطة القرار.. مخيبة للآمال تلك الظواهر التي تفسد التنظيم، وتدمر العلاقات النضالية فيه، وتقيم مكانها علاقات نفعية وارتزاقية، حتى فقد التنظيم فعاليته وصلابته وتماسكه. كارثة أن تقرصن القضية باسم الوطنية. خسارة كبرى ان تطوع المؤسسات العامة لخدمة المصلحة الخاصة؟ وتحول ثورة عنوانها الاستقلال والكرامة والحرية إلى فريسة معروضة للنهب السياسي، والقنص المصلحي. مأساة أن يزداد المسؤولون عجزًا حتى عن التبرير عن أنفسهم، بوجه تلك الاتهامات الكبيرة الثقيلة التي باتت الجماهير الشعبية توجهها لهم..مؤسف حقا حين نسمع عن اطار" كبير" يترك وقار ومكانة الكبار ويستغل صفته الرسمية وعلاقاته العامة للتوسط لدى نظراءه بالخارج في شأن من شؤون أسرته الصغيرة. وأجد نفسي في غنى عن سرد أحداث ووقائع عن تصدع قيم وتطفل أيدي وأفواه وجيوب بعضا من اطاراتنا الذين تلزمهم تقاليد وأعراف وأمانة يجب ان يحترمونها قبل ان يحترمهم أبناء شعبهم المتألمين المكتوين بنار الحرب وقساوة ظروف اللجوء.
ان الأزمة الحقيقية التي نواجهها اليوم، هي في ادوات الحكم بفكرها المتعثر وقيمها المهترئه التي تعشعش في عقول حكامنا الذين طغت عليهم الأنانية والفردانية. وليست ــ الأزمة ــ في وجود شعب حي صامد صابر قانع ومصمم.. فاذا كان لقيادة على وجه الأرض أن تفاخر بشعبها فان الصحراويون منحوا قيادتهم صكا على بياض وأعطوها السمع والطاعة وبدون حساب..وللأسف لم تحسن القيادات فيما بعد استثمار تلك الهبة اللا محدودة للجماهير..
مؤسف جدا ما نسمعه من ادعاءات باتت معروفة ومألوفة في حق كل من يندد بالأداء الردئ للاطارات المقصرة وخاصة تلك التقولات من جانب موزعي شهادات "صكوك الغفران" الذين ربما يحتاجون قبل غيرهم إلى آلاف الشهادات بعدم تورطهم في الفساد، ومئات الشهادات تضمن بقاء المؤلفة قلوبهم في صفوفنا في حال ان جردوا من السلطة وامتيازاتها. وعشرات الشهادات عن سبب حكمهم الذي لا يسقط إلا بقبضة ملك الموت ؟ وشهادة عن سبب معاناة أولاد شعبهم وترف أولادهم ؟ وأخرى بان لا يجعلوا من قضيتنا كفنا يدفن معهم في قبورهم؟
لابد من التمييز التام بين الجبهة كتنظيم جامع مانع للصحراويين وبين سلوكيات الأشخاص القائمين عليها..ولكن كذلك لابد من حمل الاطارات على إصلاح مكامن الخطأ وخاصة ذلك الخلل الكبير المتعلق بالمصداقية. وواضح لدينا، أن الطريق الى ذلك ليس "بالحجاب" أوالتمنيات والابتهالات، بل بمدى صواب الاتجاه و قوة ضغط الشارع على من بيدهم شؤون الحكم والقيادة..ومن جهة ثانية اصرار المواطنين على التمسك بحقوق المواطنة، وتعميق قيم العدالة والمساواة، والتآخي بين أبناء الشعب الواحد بعيدا عن سياسة "أطبق أعزل".
اننا ونحن نبني دولة المستقبل في أمس الحاجة الى مواطنين فاعلين، ناشطين وواعين بواجباتهم وبحقوقهم أيضا. فالمطلوب أن يكون المواطنين حازمين جدا مع نخبهم، يدعمونها بسخاء إن أحسنت، ويسألونها ويقومونها بصرامة إن أساءت. ولا ينبغي أن يسمح الشعب أن يُستهان به أو أن يُحصر دوره في التصفيق والتصويت والهتاف..
ولأن أمر هذه البلاد يخصنا جميعا، قمة وقاعدة، فاننا ندعو حكامنا أن يرأفوا بالحاكم الأكبر والسيد المبجل، صاحب الفضل على الجميع: شعب الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.. لقد آن للقيادات أن تراجع نفسها ومسيرتها، وتحدث ثورة في تفكيرها وخطابها، وممارستها ، حتى تكون في مستوى هذه اللحظة التاريخية الفاصلة والفارقة أيضا.