اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

سر ثمين

كتب بواسطة : futurosahara on 12‏/10‏/2011 | الأربعاء, أكتوبر 12, 2011


محمد حسنة الطالب
خذ عصيا وحاول تكسيرها مجتمعة ، بدون شك سيصعب عليك ذلك ، خذها فرادى وحاول ، ستجد أنك تكسر واحدة في كل مرة إلى أن تأتي عليها بالتكسير كلها ، هنا ستذكرك الحياة بالتجارب ، وستثبت لك أن التآلف بين الناس يبني ، وأن الشقاق بينهم يهدم ، وهكذا تكون قد استفدت أنت وأنا والكل من سر ثمين هو مصدر للقوة ، إنها الوحدة التي وعت الشعوب بها فحرست على تلاحمها وعلى تعاضد أبنائها ، بل ودأبت على رص صفوفها حتى استطاعت أن تقاوم إلى جانب الحق كل جائر، وأن ترد كيد الظالم في نحره ، هنا تكون هذه الشعوب قد أخذت العبرة من الحياة وعرفت كيفية التعامل مع من يستهدفها بعين الخطأ والاستهزاء .
يعي الشعب الصحراوي بدوره هذه الحقيقة جيدا منذ ماض بعيد شابته المظالم وظللته المناورات ، حقيقة استلهمتها مختلف أجياله خاصة في حاضر هو الآن يعج بمختلف المحاولات الرامية إلى شرذمته وتشتيته بعد أن عجز الظلام في إفنائه وإقباره ، لاشك أن الصحراويين ورغم بداوتهم خبروا كل دروب النزاعات والصدامات التي فرضت عليهم من الآخر، وهم الآن يثبتون ذلك بقدرتهم أكثر من أي وقت مضى على خلق ظروف ووسائل للمقاومة والنضال تكون أنجع وأجدى لانتزاع حقهم المسلوب منذ زمن ، وإلا فبماذا نفسر صمودهم وبقاءهم في الوجود حتى اليوم ، وبالأحرى في ظل دولتهم الفتية أم المكاسب ؟
إن تاريخ الصحراويين في مختلف الصراعات والنزاعات كان مرجعا للوحدة والتوحد ، وكانت مسيرتهم على امتدادها حبلى بصور المواجهة والإباء ، وغنية بألوان الصرامة والتشدد إزاء كل من يطأ أرضهم وفي غرارة نفسه خبث تجاههم ، لقد كانت يدهم في درء الشر عن وطنهم واحدة ، وكانوا جميعا للظالمين بالمرصاد على قلب رجل واحد ، ضراغم لا تنزل الأعداء ساحتهم ، أقوياء لا يشق لهم غبار إذا ما امتطوا صهوة وحدتهم وتسابقوا لنيل الشهادة في سبيل الشرف والعزة والكرامة .
في الثاني عشر من أكتوبر من سنة ألف وتسعمائة وخمس وسبعين تناد الصحراويون لنفض الغبار عن وحدتهم وتجديدها في عين بنتيلي ، فانكفأت عثرة الجهل عنهم ، ودب الوعي في أوساطهم يجتث كل الأطروحات المناؤة لنضالاتهم ، حتى غدت سنين الظلام من الماضي بالنسبة لهم ، منذ ذلك الوقت بالضبط صلب عودهم واشتد بأسهم حينما التفوا حول الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، باعتبارها ممثلا شرعيا وحيدا لهم ، بل ورائدة كفاحهم ، موجهة نضالهم ومقوية لحمتهم في العناد والتصدي ، فكان أن أتت على أحلام المستعمر الاسباني وقتها حتى كاد أن يشع نور في آخر ذلك النفق الطويل لولا طمع بعض الجيران وشماتتهم التي تجسدت في الرابع عشر من نوفمبر من سنة ألف وتسعمائة وخمس وسبعين ، أين كان التكالب وكانت المؤامرة ، حيث اتفق كل من المغرب واسبانيا وموريتانيا على تقسيم الصحراء الغربية على مرأى ومسمع من أهلها ، لكن إرادة الصحراويين في الوجود والبقاء ، والتي كان ومازال يعززها إيمانهم الراسخ في عدالة قضيتهم وثقتهم اللامتناهية في وحدتهم الصلبة ، جعلت كل ما دبر في ذلك الليل البهيم يكون سرابا مع وهج نار الثورة و بزوغ شمس الحق الحارقة ، التي انكوا بلهيبها من انكوا ورحل تاركا في لظاها من ساده الغرور والطمع ولم يعتبر كالذي كان قبله ومعه ، انه النظام الملكي المغربي الفاشل ، الذي لا يقيم ملكه وزنا لشئ عدا عرشه الآيل للزوال عاجلا أم آجلا ، وهو هنا إذ يصر على مثل هكذا فعل ، فا نما لإطالة عهده بالسلطة والتلذذ بألا وضاع المزرية للأبرياء والمساكين والغلبة المظلومين ، فهو من أعز حاشيته ، وأذل شعبه ، واحتقر جاره ، ولا يتورع في مزاولة خبثه وخداعه للشعبين الصحراوي والمغربي باهامهم بما هو في الأخير زرع للفرقة وضياع للمصير ، لكن الشعبين لم تعد تجدي معهما سياسات الطغاة ومراوغاتهم ، وما ازدادوا إلا وعيا بمكر الماكرين وحقدا عليهم وعلى أزلامهم ، وهم إذ يسدون كل المسالك والثغرات أمام كل أنواع الخداع ، فإنهم بذلك إنما يمنعون رائحة قذرة ملؤها الشتات والغدر والخيانة ، للعهد ، وللمبادئ ، وللحياة الحرة الكريمة التي ينشدونها بتلاحمهم ووحدتهم التي تخيف المتهورين العابثين بإرادة الشعوب في الوجود المتميز ، وفي الصلاح المبين ، وكذا في التحكم في قراراتها وتسيير شؤونها بنفسها، ولعل ما جاء به "أكديم ازيك" ينم عن عبرة في الوحدة والتماسك ، جاء بها الصحراويون قبل غيرهم وكانت تعبر عن إرادة لا تقهر ، وهو الشئ الذي قامت على صداه الثورات العربية فيما بعد لتشهد شعوبها ربيعا من التحول قضى في بعضه على سنين من الجفاف والجفاء دفعت هذه الشعوب المغلوب على أمرها ثمنا باهضا لها ، جراء التكالب واحتقار الناس ، وتمييز بعضهم عن البعض ونسيان الآخر ، إنها نفس أوهام ومناورات المستعمر لا محالة ورثها أذنابه من الحكام الفاسقين بانتهاجهم لسياسة فرق تسد ، فما كان منهم إلا التضليل والترهيب والترغيب حتى استعبدوا الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا .
في هذا الصدد يبدو جليا أن شيئا خطر ببال الشعب المغربي الجار، انه المثل العربي القائل : قلي من تعاشر أقل لك من أنت ، فالصحراويون الذين عايشهم المغاربة وعايشوهم في الظلم والمهانة ، كانوا شرارة لثورة الشعب المغربي المتنامية والتي ضمت أغلب المغاربة في وحدة غير مسبوقة في الرأي وفي التوجه ، تدعو للتحرر والإصلاح ، والى النضال ضد التعسف وكل أشكال الغبن والفساد ، وهذا معطى آخر في تآلف الشعوب فيما بينها لدرء الخطر وفرض الأمن والسلام ، والتوجه للبناء والتشييد وزرع بذور المحبة والتآخي على طريق الرقي والتقدم ، بدل المكوث في أوحال الماضي وتفاهات الفرقة والتشظي التي توسع الهوة وتعمق الخلافات بين أبناء الأمة الواحدة .
هنا يستخلص المناضلون والثائرون من الشعبين خلاصة مفادها أن الوحدة وسيلة للتحرر من براثن الغزاة ، وسبيل للتخلص من تكلسات الماضي المشئوم ، وعليه فان صيانتها والحفاظ عليها هما درع واق يؤمن الطريق للشعوب المستضعفة حتى تصل إلى مبتغاها ومستقبلها الموعود ، وصدق قوله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون " .