اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

الحضور الرمزي المكثف للخيمة في الموروث الثقافي الصحراوي

كتب بواسطة : futurosahara on 12‏/10‏/2011 | الأربعاء, أكتوبر 12, 2011


السيد حمدي يحظيه 
1- خيمة الشَّعْر
قرأت المقالات التي تحدثت عن الخيمة الصحراوية، ابتداء من "وطن الخيام"، و" ذكرى " نصب أول خيمة في كديم إزيك" للاستاذ سعيد البيلال، مرورا بمقال الاستاذة خديجة حمدي الذي تناول سيكيولوجية الخيمة ودورها في النضال الوطني ضد الاستعمار الأسباني منذ انتفاضة الزملة إلى دورها في الكفاح ضد الغزو المغربي، خاصة في ملحمة كديم إزيك الخالدة. إن كل هذه المقالات، في حقيقة الأمر، تُحفز من قرأها في الحديث عن الخيمة. هنا سأحاول أن أضيف، مشاركة في الحديث عن الخيمة وتعميما للفائدة وتبادلا للمعلومة، بعضا مما لم تتحه مساحات مقالات الإخوان عن الخيمة مع تفادي التكرار.
من أين أتت الخيمة الصحراوية الكبيرة؟
من يقف- من غير الصحراويين طبعا- على محصر من الخيام الصحراوية السوداء سيندهش لكبرها وعظمتها وتميزها- شكلا وطريقة بناء- عن باقي خيام البدو المعروفة التي توجد في صحاري كل البلدان العربية تقريبا. فالخيمة الصحراوية (خيمة الشعر العملاقة الهرمية الشكل ) لا توجد في أي مكان تقريبا في العالم. فالبدو في العالم العربي مثلا يبنون خويمات صغيرة من الشعر أو من الجلد لا يدخلها الداخل إلا منحينا ولا يجلس فيها إلا مائلا، والطوارق في صحراء إفريقيا يبنون خويمات أخرى خليطا من الجلد والوبر. عند الصحراويين، ومنذ القدم إلى الآن، الخيمة إن لم تكن الخيمة كبيرة تظهر من بعيد، فذلك يعني أنا أهلها غير مضيافين ولا يحبون أن يزورهم احد. فالخيمة إذا لم تكن كبيرة ويدخلها الشخص مستقيما ويجلس فيها مرتاحا فهي مثل بيت العنكبوت، أوهن البيوت.
وحسب بعض المعلومات فإن خيمة الشَّعر الصحراوية الكبيرة هي قديمة جدا وأصلها من اليمن، جاءت مع هجرات بني معقل إلى الساقية الحمراء. إن أول من صنع خيمة بهذا الشكل والحجم هم قبائل حِمْير اليمنية. فصورة الخيمة بشكلها الهرمي، مثلما هي معروفة عندنا، وُجِدت مرسومة على صخور كبيرة في اليمن يُرجح أنها صخور من سد مأرب المتهاوي في الزمن الغابر.
بناء الخيمة: التكيف مع الطبيعة والترحال
الخيمة الصحراوية مصنوعة بشكل دقيق ومناسب للصحراء. فهي مصنوعة من وبر الإبل وشعر الماعز وهي أصواف مقاومة للطبيعة بحكم إن الحيوانات المذكورة هي حيوانات صحراوية وصوفها أو وبرها مقاومان ويتكيفان مع طبيعة الصحراء والبادية. أيضا حين نتمعن في كيفية بنائها نجد أنها متكيفة إلى أبعد حد مع طبيعة الصحراء. فطبيعة الصحراء هي طبيعة في الغالب رعناء، متمردة وغير مستقرة، ومتنرفزة. فمثلا قد يبني الصحراوي خيمته ويجعل فمها( بابها) إلى الجنوب، لكن في المساء تهب العاصفة من الجنوب. في مثل هذه الحالة لا يقوم الصحراوي بطرح خيمته ونقلها لجعل فمها في الشمال حتى يتقي الريح، إنما يقوم بفتحها من الشمال ويغلق الباب( الفم). نفس الشيء إذا هبت الريح من الشرق يفتحها من الغرب أو العكس.
الحضور الرمزي المكثف للخيمة في الثقافة الشفهية الصحراوية\ الحسانية ( مصطلح الخيمة الكبيرة)
إن كبر خيمة الشعر الصحراوية أعطاها بعض الهيبة في المخيلة وفي الذهنية التقليدية الصحراوية. فهي لكبر حجمها وجمال شكلها، لم تعد ترمز فقط لمسكن عادي في بادية من تلك الصحراء التي تهيل عليها الرياح، إنما أصبح كبر ذلك الشكل والحجم، مع مرور الوقت، رموزا للضيافة، لكثرة المال، للكرم، لاستقبال الضيوف، لوصف المتزوج. فالصحراوي قديما كان إذا أصبح غنيا، خاصة إذا كثرت إبله ومواشيه، يبني خيمة كبيرة على شاكلة خيام الشيوخ ووجهاء القوم. فالخيمة الكبيرة في محصر ما، هي خيمة كرماء القوم؛ هي خيمة شيخ القبيلة وسيدها؛ هي خيمة الغني؛ هي خيمة من يريد الضيوف أن تقصده دون سواه. الضيوف أيضا كانوا إذا حلوا بمحصر ( مخيم بلغة اليوم) ما، فإنهم يقصدون أول ما يقصدون خيامه الكبيرة لا الصغيرة. أكثر من ذلك إن الضيوف حين كانوا يمرون بمحصر خيامه صغيرة كلها أو غير كبيرة بما هو متعارف عليه يتجنبونه ويبحثون عن مخيم خيامه كبيرة. فمصطلح "الخيمة لكبيرة" يعني عاصمة المخيم؛ يعني خيمة الجد؛ يعني خيمة الأب؛ يعني خيمة كريم القوم. فالزمرية المتعددة للخيمة جعلت الصحراويين يقولون مدحا للكريم" هذا ولد خيمة كبيرة" يعني أنه ولد عائلة كريمة ومعطاءة. يقابله في الجهة النقيضة، وذما للبخيل قولهم" هذا ولد خيمة صغيرة": أي إن أهله بخلاء ولا يُستجار بهم، وأشِحاء. فمن خلال هذه التعبيرات السارية على كل لسان نستشف إن الخيمة خرجت عن دورها وظيفتها كمسكن مادي يقي من الشمس والبرد وأخذت وظيفة أخرى: أصبحت ترمز لحال لعائلة ( غنى، فقر، مكانة، ضيافة ). فبدل إن يقول الصحراوي إن البخيل " ولد عائلة بخيلة وشحيحة "، يقول" ولد "خيمة صغيرة"، أو ولد خيمة كبيرة: كريم وحليم. أيضا، حين يطلب احد ما شيئا عزيزا في غير متناول اليد يقال له عادة" اثر به كبر خيمة الأهل"، وفي هذا رمزية أن ذلك لا يطلبه إلا من هم أبناء " لخيام لكبارات".
ويتم هجاء وذم العائلات البخيلة بذكر خيامها. فمثلا يقال إن شاعرا مر بعائلة لا تملك شيئا على الإطلاق، وحين عرفوا أنه شاعر قالوا له لا تهجونا لضيق ذات يدنا. فقال:
ماني شامتكم يخليكم يالخلاء يا خويمة لخلاء
لو كنتو خيمة نشمتكم غير أنا ما نشمت لخلاء
فالشاعر هنا وبدلا إن يوجه الكلام مباشرة للعائلة ويقول لها: لن اشمتكم يا عائلة الفقر والخلاء قال: يا خيمة لخلاء.
أيضا يقال" أخلى من خيمة الصويلحة" وهو مثل للفقر وقلة الشيء.
من جهة أخرى لا يقول الصحراويون " رب العائلة أو أم العائلة" إنما يقولون " مول الخيمة ومولاة الخيمة."
وحين يريد الصحراويون قول إن شخصا ما تزوج لا يقولون " تزوج"، لكن يقولون " بنى خيمة"، " عدل خيمة"، أيضا حين يسالون عن الوضع الاجتماعي لشخص ما يقولون" متخيم، عندو خيمة، بخيمتو". أكثر من ذلك وفي رمزية قوية على حث المجتمع الصحراوي على أهمية الزواج، وربط قيمة الرجل \ المرأة بالزواج يقول الصحراويون " اللي بلا خيمة ما عندو قيمة." أي إن الرجل \ المرأة غير المتزوج(ة) لا قيمة له في المجتمع.
من جهتها نالت الخيمة حظها من المعتقدات الشعبية الصحراوية. فحسب بعض الرواة الكبار في السن، كان بعض الصحراويين- هنا لا نعرف إن كان كل الصحراويين القدماء يفعلون هذا أو بعضهم فقط- إذا ماتت الزوجة، وكعلامة على الحزن، تقوم عائلتها بخفض الخيمة وطيها ( طرح الخيمة) وبناء واحدة صغيرة في مكانها بركيزة واحدة، وفي ذلك رمزية أن الأم هي أساس الخيمة وركيزتها الأساسية. أما إذا مات الزوج فإن الخيمة لا يتم طرحها وتبقى كما هي واقفة شامخة. أيضا كان الصحراويون إذا شاهدوا ريحا عاتية متجهة إلى خيامهم يقولون" جنبي، جنبي خيمتنا فيها النبي"، فهم يعتقدون إن مجرد قول للريح أن النبي موجود في الخيمة هو كفيل بجعلها تغير مسارها احتراما للنبي عليه السلام.
ولم تبقى الخيمة فقط في المعتقدات والأمثال، لكن دخلت أيضا في النكات. فمن النكت التي خطرت على ذهني وأنا أكتب هذه الأسطر عن الخيمة نكتة حديثة تقول "إن الصحراويين يوم القيامة جاءوا متأخرين كثيرا عن البشر، فوجدوا إن النار امتلأت وان الجنة امتلأت كذالك. حين لم يعرف الملائكة أين يضعونهم قالوا: ابنوا لهم خياما خارج الجنة والنار حتى نجد لهم مكانا."
2- اقيطون
اقيطون هو الخيمة التي حلت محل خيمة الشعر الكبيرة التي أصبح من شبه المستحيل غزلها ونسجها. وإذا كان الصحراويون قد أعطوا لخيمة الشعر قيمتها وخلدوها في التاريخ وفي الثقافة حتى أصبحت جزاءا من الشخصية الصحراوية فإن لهم الفضل أيضا في إعطاء لاقيطون قيمته. إن اقيطون كمسكن وحتى كمفردة كان مهملا وغير ذي استعمال حتى جاء الصحراويون فأعطوه قيمة كبيرة وجعلوا اسمه معروفا في كل مكان. إنه من النادر إن تجد الآن- من غير الصحراويين- من يعرف معنى اقيطون وماهي وظيفته.
إن " اقيطون" كمصطلح هو كلمة دخيلة على العربية؛ أي انه كلمة أعجمية قادمة من الفارسية حسب بعض المصادر. إن كلمة " أقيطون"، بعد تدجينها ودمجها في العربية، ليست مرادفا للخيمة. فاقيطون يقال للجزء من الخيمة المخصص للنوم وللنساء "الحاجبات" والذي يفصله ستار عن المكان الذي يُعد فيه الشاي ويُستقبل فيه الضيوف. في الدار أيضا يمكن أن تقوم عائلة ببناء بنية (خويمة من القماش) في صالون لاتقاء البرد أو لردع الناموس. فهذا البناء من القماش يُسمى أقيطون. أي إن اقيطون هو بناء من قماش داخل خيمة أو دار، و في كتاب (الأغاني للاصفهاني) ورد ذكر القيطون في خبر عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل بمعنى المخدع، أو غرفة النوم.
وسواء تحدثنا عن خيمة الشعر أو عن أقيطون فإن الصحراويين هم من أعطى هذان المسكنان قيمة وأدخلوهما التاريخ.