اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

الانتقام ليس عدالة

كتب بواسطة : futurosahara on 22‏/10‏/2011 | السبت, أكتوبر 22, 2011


اسلامه الناجم 
تكشف الطريقة الوحشية التي صفي بها العقيد الليبي معمر القذافي أن ما سمي "الربيع العربي" سيتحول إلى عصر جليدي آخر للعرب , ما لم يتخلوا عن أسلوب الانتقام وعقيدة الثأر، اعلم أن العقيد وصدام وغيرهما من طواغيت العالم العربي لم يعملوا على بناء بلدانهم بقدر ما التفتوا إلى أنفسهم وعائلاتهم , فساهموا عن قصد في إضعاف دولهم ووهن مؤسساتها بل وفي تعطيلها تارة و إلغائها تارة أخرى وهو ما صنع إلى حد بعيد قدرهم المأساوي وكأننا أمام تراجيديا يونانية .
إن الاحتكام إلى رغبة الانتقام والتشفي، يوحي بان الوضع لم يتغير وإنما "مات الملك عاش الملك" ، هنا مكمن الخوف من أن تهدر تضحيات أبناء ليبيا وغيرهم من الثائرين في ربيع العرب،من اجل إزاحة الطواغيت وإعادة العرب إلى قافلة الإنسانية ،التي تسير بوتيرة متسارعة نحو المستقبل، فمثل هذه التصرفات هي التي تساهم في الوضع المرتبك في تونس والضبابي في مصر والمتردد في المغرب، مثلما أنها تساهم في إراقة المزيد من الدم في اليمن وسوريا والبحرين .
يجب أن لا يكون عذرا غياب الدولة سياسيا وإداريا،والفوضى المتفشية في هياكلها طيلة فترة الاستبداد في تبرير هذا القتل والسحل الهمجي, وإلا فقدت شعوبنا البوصلة من جديد، وعادت إلى الدوامة التي أرادت الخروج منها ، فما رأيناه وسمعناه، من تصريحات مختلفة ومتضاربة لأعضاء المجلس الانتقالي الليبي،حول مقتل القذافي ينم عن حقيقة مرعبة، مجرد تصورها يثير فينا الخوف على جسامة التضحيات المقدمة من اجل غد أفضل لليبيا، أن تضيع في سراب تصفية الحسابات، وثقافة الثأر وتقلب الأيام ، فالمجموعة التي تقود ليبيا الآن، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها،نقولها بصراحة ليست في مستوى المسؤولية، وبعيدة كل البعد عن مطمح الليبيين في بناء دولتهم المستقبلية، دولة المؤسسات وليست دولة للقبائل أو الجهات ، ادري أن بعض أعضاء الانتقالي كفاءات في تخصصاتهم مشهود لها، لكنهم وبكل أسف ليسوا رجال هذه المرحلة الانتقالية، فقد كانت أخطائهم ومنذ اليوم الأول،إلى أن قتل القذافي أكثر من أن تعد .
قتل القذافي وعلى هذا النحو الشنيع، إدانة للعهد الليبي الجديد أكثر منه انتصار على طاغية فر منذ شهر، هائما على وجهه يبحث عن ملاذ امن، حتى وان حملت كلماته نبرة التحدي أو التهديد، فكل المؤشرات والدلائل كانت حاسمة بسقوطه ونهاية عصره، منذ اليوم الذي تقرر فيه نزول الحلف الأطلسي إلى المشهد الليبي، فتصفيته بهذه الطريقة الوحشية وهذه السرعة، والتفسيرات والتبريرات المتضاربة للقيادة الليبية الجديدة، يثير علامات استفهام كثيرة حولها وحول عدد من الدول الغربية .
قد يجادل البعض أن المرحلة الانتقالية صعبة ومرتبكة في جميع النماذج العالمية , فالغرب نفسه عرف هذا العنف و مارس الانتقام والثأر ، ليس من أعدائه في عصرنا الحاضر فحسب، بل على مواطنيه وملوكه ، ففرنسا على سبيل المثال، أعدمت ملوكها ومررت المقصلة على راس ماري أنطوانيت الجميل، ذي الضفائر الذهبية، لكن هذا منطق مردود عليه، فهذه الحادثة وقعت في العصور الوسطى، في وقت مبكر من عهد بزغت فيه إرادة الشعوب الأوروبية نحو الانعتاق من سلطتي القصر والكنيسة ، وفي وقت لم تكن سائدة فيه القوانين التي نعرف الآن،ولا مفاهيم حقوق الإنسان،على النحو التي هي عليه في هذا العصر،من هنا تبرز قيمة ومعنى التجارب الإنسانية، وضرورة الإفادة منها، وإلا فلا معنى للتاريخ ولا فائدة من دروسه وعبره، وهو بكل أسى وأسف ما وقع فيه الأشقاء في ليبيا .
كل تمنياتي للشعب الليبي بمداواة جراحه وتجاوز محنته , والانتقال الحقيقي والسريع إلى بناء دولة لكل أبناء ليبيا والابتعاد عن ثقافة الانتقام والاستعلاء فنتيجتها وخيمة ومؤكدة ولو بعد أربعين عاما.