اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

ابارتايد مغربي في الصحراء الغربية

كتب بواسطة : futurosahara on 21‏/10‏/2011 | الجمعة, أكتوبر 21, 2011

السيد حمدي يحظيه
حين غزا- احتل فيما بعد – المغرب الصحراء الغربية بنى سياسته\ استراتيجيته على عدة محاور: طرد وتهجير ما أمكن من الصحراويين، تغيير المشهد الديموغرافي للإقليم، وطبعا، تحويل حياة الذين بقوا في المدن المحتلة، بالمضايقات والتمييز العنصري، إلى قطعة من الجحيم.

في سنة 1975م المشئومة، حينما غزا المغرب الصحراء الغربية بالقوة، تفاجأ الصحراويون أن الغزاة الذين جاؤوا في ما يسمى المسيرة لم يكونوا، بسبب تصرفاتهم الهمجية، من طينة الإنسان العادي. كانوا غريبين في تصرفاتهم وفي تحركاتهم، وكانوا هائجين وعدوانيين أكثر من البشر. والحقيقة أن الصحراويين الأبرياء، النقيون نقاوة الصحراء وسمائها، لم يكونوا يعرفون ساعتها أن الذين شكلوا نواة الاستيطان الأولى كانوا منتقين بعناية: كانوا كلهم من الشوارعية والمشردين والمسجونين من أصحاب السوابق العدلية الذين أُطلق سراهم بموجب عفو ملكي ليشاركوا في المسيرة. حين دخل هؤلاء المدن الصحراوية يحملون صناديقهم ومخالاهم وحنوشتهم، احتلوا الشوارع وجعلوها مساكنهم، احتلوا المباني التي كان يسكن فيها الأسبان، وبكل تأكيد، كسروا أبواب منازل الصحراويين الذين هربوا إلى اللجوء. من جهة أخرى شنوا هجوما جشعا على كل شيء ينفع أو لا ينفع. كانوا يبحثون عن الحياة حسب الطريقة التي تعودوا عليها في المغرب: بعضهم بدؤوا يجمعون الجلود والصوف والفضلات ويجمعون الكبة والعظام والنحاس والحديد المرمي والخشب، البعض لجأ إلى العنف والسرقة، والبعض الآخر بدأ يزاحم الصحراويين في عملهم. فمثلا كان ما يُجمع من الكبة يتم تكديسه عند أطراف المدن على شكل أكوام، ثم تأتي الشحنات وتحمل ذلك الركام كله وتذهب به للتل. وليس هذا فقط، فقد كانت تلك الحشود البائسة الفقيرة تحتل الشوارع، وتنام وتأكل فيها، وحين يحل الليل يبنون خويمات ودرابيل من البلاستيك وبنيات وينامون هناك. ورغم أنهم كانوا غزاة بكل معنى الكلمة إلا إن الصحراويين، الذين بقوا في المدن المحتلة، كانوا يعطفون عليهم، ويلقون لهم ما بقى وما فضل من طعام ومن أشياء ستُرمى في الخلاء. وربما كان الصحراويون حين يذبحون أو ينحرون يجمعون ما يُرمى من الذبيحة عادة ويقولون "هذا سهم ( حصة) مُحَمَّادْ" ويحملونه إلى أولئك البؤساء ويعطونه لهم في الشارع، أو كانوا حين يمر عليهم مغربي يحمل خنشة يجمع فيها ما يرمى في الشارع يستوقفنه ويضعون له فيها ملابس قديمة أو أكل أو أي شيء. .

في سنة 1991م، وبعد أن تم نهب الصحراء كلها، كان أولئك البؤساء كلهم ( المستوطنون) قد تحولوا إلى عمال في قطاع الفوسفات والصيد البحري، وشيدت لهم الحكومة دور وفيلات وأعطتهم أمتيازات، وصاروا من أصحاب الصولات والجولات ومن ورجال الأعمال. أصبح محمادات الذين كانوا يجمعون الفضلات أصحاب فيلات ومساكن ووظائف وربطات عنق وسيارات فاخرة. كل ذلك كان يحدث على حساب الصحراويين الذين كانوا، يوما بعد يوم، يزدادون بطالة وفقرا، وتنتزع منهم، عنوة، ثرواتهم أمام أعينهم. حين لم يبق أي مغربي من أولئك المشردين الذين غزوا الصحراء في البداية يسكن في الشارع أو في دور الصفيح أو يجمع الجلود، بعث المغرب دفعة أخرى من المشردين والذين ضاقت بهم شوارع الدار البيضاء والرباط إلى الصحراء الغربية فيما سُمي بالمسيرة الثانية التي نُظمت تحت غطاء المشاركة في الاستفتاء. ومثلهم مثل من سبقهم في المسيرة الأولى، تم تفريغهم من الشاحنات مباشرة مثل عند تخوم المدن الصحراوية فيما سُمي "بمخيمات العودة" أو "مخيمات الوحدة". هؤلاء أيضا، وعلى خطى سابقيهم، بدؤوا يجمعون الجلود والمسامير والصوف و"الكبة"، وانتشروا في شوارع المدن، وبدؤوا يبنون الخيام والدرابيل والبنيات من الكرتون والبلاستيك في شوارع المدن الصحراوية ويمدون أيديهم طلبا للرزق.

سنة 2011م، عشرين سنة بعد مجئهم، أصبح كل الذين جاءوا في المسيرة الثانية، والذين كانوا يسكنون في "مخيمات العودة"، بديارهم ومساكنهم، يعملون في قطاع الفوسفات والصيد البحري وفي الشركات التي رأسمالها من خيرات الصحراء الغربية. كل ذلك كان يتم على حساب الصحراويين، السكان الأصليين والحقيقيين للبلد الغني جدا.
انقلبت الصورة تماما. فالصحراويون الذين كانوا يتعجبون من تصرف المغاربة الذين كانوا يجمعون الكبة والجلود ويسكنون في الشوارع تحت الكرتون والبلاستيك والخويمات، أصبحوا الآن، ستة وثلاثين سنة بعد ذلك، هم الفقراء، هم البطالون، هم المظلومون، هم المنبوذون، هم المسجونون، هم الذين يعيشون تحت الكرتون في مدنهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم. أصبحوا هم الذين يقومون بالأعتصامات للمطالبة بثروات هي في الأصل ثرواتهم.
فالصحراء الغربية التي تُعدُ من المناطق المؤشرة والمشمعة بالأحمر على أنها من المناطق الغنية في العالم، والتي كان الحسن الثاني يقول، مشيرا إليها، أنه "ليس عدلا في شيء أن تصبح كويتا أخرى بجانب مغربه الفقير"، أصبح سكانها، الذين يُعدُّون على رؤوس الأصابع، يعانون الفقر والبطالة، ويعيشون مهمشين وكمواطنين من درجة ثانية في مدنهم وقراهم.
أكثر من ذلك كان البعض ممن يعرفون ما تختزن الصحراء من ثراء باطني مغري يتصورون أن الصحراويين، لو استفادوا من ثرواتهم، سيكونون أغنياء مثل كل البلدان الصغيرة والغنية في العالم، خاصة العربي منه.
فالآن وحسب الكثير من الدراسات فإن نسبة البطالة بين الصحراويين في مدنهم وقراهم هي 70%، ونسبة الفقر ارتفعت حتى أنه لا احد يعرف إلى كم تصل. فحين تسأل أي صحراوي في المدن المحتلة عن نسبة الفقر بين الصحراويين، وبدل إن يقول لك نسبة رقمية معينة، يقول لك: أن كل شعب الصحراء الغربية في المدن المحتلة هو شعب فقير كله."
إن العالم حين لم يستطيع، بسبب كذا وكذا، حل الشق السياسي من الصراع الصحراوي المغربي، عليه، على الأقل، أن ينتبه إلى الشق الإنساني، خاصة ما يقع من ابارتايد ممارس من طرف المغرب في المدن الصحراوية المحتلة