محمد محمدعالي سيدينا
تعودني ذكريات تتأرجح بين الكراهية المدمرة والحنين الغريب,وأنا أرصد ما يجري في مشهد الواقع الصحراوي وعبر كل مواقعه المتباينة,أي داخل مخيمات اللجوء ,,في مناطقنا المحتلة وعلى مستوى جالياتنا في الشتات.والواقع أن ذكرياتي هذه هي خليط عجيب من عدة مراحل عشتها متفرقة على خريطة زمكانية تمثل كل هذه المواقع , التي تشكل المجال الذي يتحرك ضمنه الفعل الوطني الصحراوي, والذي لا يسعني الا التوقف و النظر بحذر الى أدواته , أساليبه والنتائج التي تشكل الجدلية الآنية لقضيتنا الوطنية ككل.
وذكرياتي , خصوصا تلك التي تؤرقني وتقض مضجعي هي المراحل الفاصلة التي عشناها جميعا خلال السنتين
السابقتين لوقف اطلاق النار مع العدو وحتى فيما بعد.حيث كانت الأجواء مشحونة بصراعات شخصية تافهة لا تنظر بعين الاعتبار الى أي شيء ما عدى الذاتية و الغوص في أوحال قبلية و مادية تافهة, وكان كل من تجند لنقد هذا الواقع كان يؤسس لخلق متاهات أخرى ألعن وأدهى. .كان هناك أنذاك , داخل المخيمات استقطاب كبير لشريحة واسعة تنظر بعين الريبة الى هذه الطليعة الشابة التي أصرت على تحويل الثابت ـ النظرة الشمولية بأدواتها ونهجها القديم, والتي عجزت عن تجديد نفسها بنفسها ـ الى متغير قابل للنقاش و اعادة النظر مع افراغها من قوالب واشكال لأدبيات متهالكة تفانت كثيرا في التشبه بالنص الحرفي للمنهل الماركسي اللينيني مع الفارق الذي لا مجال لردمه لا ماديا ولا فكريا.و كان هذا المنهج بطبيعة الحال هو تكريس لعجرفة وسطوة الاطار بصفة عامة , واذلال لم يسبق له مثيل بالنسبة للمناضلين العاديين المكونين للجسم الجماهيري الثوري.وقد عايشت أنذاك وفي السنوات التالية لذلك ,مدى الاحباط والحيرة التي أحاطت بنا جميعا ونحن نرى التخبط والفوضى الذي أحاط بجسم الثورة و اكتشف الجميع أن العمل القتالي على الجبهات كان الرصيد الحقيقي والمغذي للامال ,بل كان الجسم الذي يخفي كل نقاط ضعف التسيير واستشراء الفساد لدى أغلبية الأطر
وقد عايشت تلك المرحلة من تاريخ كفاحنا ورأيت بأم عيني كيف أن أشخاصا لا يختلفون عن ببقية أفراد الشعب في شيء الا كونهم يتولون مناصب قيادية, تستوجب أكثر ما تستوجب التفاني في العمل ونكران الذات ,بدل اقصاء الأخرين والانفراد و التوحد بكل الامتيازات المادية والمعنوية , بل ان الأمر وصل درجة من التعقد أنذاك,حتى كان المرء لا يستطيع استبيان أين يضع قدمه.
طبعا ومن ضمن البديهيات التي لم تكن لا سرا يعتبر اكتشافه أمرا خطيرا ,و لا مما يعطي انطباعا بأن هناك أشياء خاطئة يتواطأ الجميع ــ قمة و قاعدة ــ على اعتبارها من التوافه هي الامتيازات المادية والمعنوية التي يتمتع الاطار و القائد ,و البحبوحة الشاذة والغريبة التي يرفل فيها و ذووه والمقربون منه, في وسط نعرف جميعا و نتذكر مدى الشح و قلة ذات اليد التي يعاني منها. ترى ما مدى المصداقية الأخلاقية وحضور الضمير والوعي بخطورة المهمة والآمال المعلقة ,لمثل هؤلاء القادة ؟ هل هناك أسوأ من أن ترى من يتمتع _ كائنا من كان_ في حين أن أغلبية الشعب هو كما نراه دوما من شظف العيش وقسوة ظروف اللجوء .لا أعتقد أن أيا كان آنذاك, قد أثار مثل هذه الملاحظات , بل ان الجميع كان يعتبر الأمر تفاهة لا تستحق الذكر, وأن القضية من الأهمية بحيث يستحيل التريث و النظر اٍلى مواقع الأقدام.
كان ذلك بطبيعة الحال في أزمنة الحرب , زمن البطولات ونكران الذات بالنسبة للذين يقارعون العدو على جبهات القتال .آنذاك كان المقاتل هو محط الأنظار والآمال ,بل كان الفخر كله بالنسبة للشعب,نظرا لمستوى علو الصيت و السمعة الذين حققتهما القضية الصحراوية على المستوى الدولي. ولم يكن ذلك بأي حال من الأحوال لا بعبقرية الآلة الدبلوماسية الصحراوية أو نشاطها في المنتديات الدولية ولا بمستوى تسيير الفروع وأجهزتها الأمنية ,التي أهانت الاٍنسان الصحراوي في الداخل و ارتكبت في حقه جرائم يندى لذكرها الجبين.ولازال أناس من أفراد الشعب حتى يومنا هذا وأغلبهم شبابا يكادوا لا يصدقون الفظائع المرتكبة في حق البعض و ليس هذا موضوعنا هنا على كل حال.
أعود من استطراداتي هذه ,وأعترف أن للذكريات شجون تفوق الحنين الذي يصرخ أحيانا في زاوية صغيرة من القلب المثقل بكل هذه المتاعب. وأنظر بشيء من الحيرة الى واقعنا اليوم وما مدى استصراخنا واسثحضارنا للثجارب والدروس المريرة التي كابدناها خلال تلك المراحل,...أقول هذا للذين يشرفون على مصيرنا كشعب يكافح من أجل قضيته العادلة وأذكر أن ربيع الشعوب قادم لامحالة...حتى لو داست الأقدام الورود.