اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

كل مؤتمر و نحن منتظرون ...

كتب بواسطة : futurosahara on 17‏/12‏/2011 | السبت, ديسمبر 17, 2011


مولود أحريطن 
كل من تابع  الأجواء التي سادت إبان إنعقاد المؤتر الثاني عشر للجبهة ظن ان القوم سيخرجون من قاعة المؤتمر إلى الخطوط الأمامية مباشرة، و ذلك بفعل الزوبعة الإعلامية التي أثارتها تصريحات جل المسؤولين في جبهة البوليساريو و الحكومة الصحراوية ، و التي وصل  بعضها إلى حد الجزم بالعودة إلى الكفاح المسلح و إعلان القطيعة و بشكل نهائي مع الأمم المتحدة المتخاذلة ، الشئي الذي رأى فيه الكثيرون ، خاصة الصحراويون، بادرة طيبة تنم عن رغبة في التغيير و إحداث قطيعة مع سياسات و أساليب الماضي التي لم تجلب سوى  الانتطار و اليأس و الإحباط جراء  التمديدات المستمرة دون نتيجة تذكر في ظل عجز القيادة الصحراوية عن اتخاذ أية خطوات أو قرارات جريئة تضع حدا  لمسلسل الإستسلام و تنهي معاناة شعبنا التي دامت قرابة الأربعة عقود، و لكن ما إن هدأ غبار المؤتمر حتى تبين لنا إنا كنا واهمين أو بالاحرى كنا نحلم، و إتضح أن الأمر برمته لم يكن سوى دعاية انتخابية أريد بها رفع أسهم البعض و زيادة حظوظ البعض الآخر  في  الفوز بثقة الناخبين من خلال دقدقت مشاعر المواطنين و اللعب على عواطفهم.
فمباشرة بعد نهاية المؤتمر خرجوا علينا بفكرة عقد ندوة في مدى اقصاه ستة أشهر لتقييم المسار التفاوضي و بناءا على نتائج تلك الندوة سيتم الفصل إما بالاستمرار في المسار نفسه أو إعادة النظر فيه و اتخاذ القرارات المناسبة على ضوء ذلك، و جاء المؤتمر الثالث عشر بعد أكثر من أربع سنوات ـ لعلهم كانوا يقصدون المؤتمر و نحن لم ندرك ذلك ـ و الندوة لم تعقد و لم يحدث إي تقييم  و ظلت دار لقمان على حالها بل أسوأ.
و في حلكة سواد ليل الانتظار الدامس قررت مجموعة من شباب الأرض المحتلة إضاءة مصباح أمل و خرجت في تظاهرة سلمية تاريخية تعد باكورة ربيع الثورات العربية و نصبت مخيما احتجاجيا في ضواحي مدينة العيون المحتلة مسببة بذلك أكبر حرج سياسي و إعلامي للمخزن و من يقفون خلفه ممن يتشدقون  نفاقا بالدفاع عن حقوق الإنسان، و بدل من أن يشكل ذلك الفعل النضالي الفذ حافزا قويا لقيادتنا "الرشيدة " لنفض غبار سنوات الأنتظار الطويلة عنها و استنهاض الهمم من جديد و التحرر من  الدوران في دوامة المفاوضات العقيمة  ووضع حد لسياسة استجداء بان كيمون ، و للأسف الشديد لم تكن القيادة الصحراوية في الموعد و لا في مستوى الحدث ، وفي المشهد الأكثر إذلالا و إلاما الذي عرفه الصحراويون منذ وقف إطلاق النار و في نفس اللحظات التي كان فيها "المخانزية" يحرقون الخيم على روؤس النساء و الأطفال و الشيوخ، كانت  قيادتنا " المخلصة و الثورية " تذهب مطأطأة الرأس إلى نيويورك لتصافح دون أدنى إحساس بالذنب الجلادين الذين أصدروا الاوامر بتكسير عظام الصحراويين في مخيم أكديم إزيك،  بحجة قطع الطريق على العدو و إفشال مخططاته الرامية إلى إجهاض المسلسل التفاوضي ، الشيء الذي لا يعدو كونه عذرا  أقبح من ذنب و حجة واهية لمدارات العجز و التغطية على الفشل في القدرة على التجاوب مع المعطيات الميدانية التي أحدثتها  انتفاضة إكديم إزيك، فما يسمونه مفاوضات ليس إلا مخططا فرنسيا لإضاعة الوقت قصد إنهاك الطرف الصحراوي و سلبه كل عوامل المقاومة والصمود و إعطاء المخزن الوقت الكافي لتصفية المقاومة الصحراوية و تجميع كل العناصر التي تمكنه من تجاوز أزماته الداخلية و حسم الصراع لصالحه في اللحظة المناسبة تماشيا مع المتغيرات على الساحة الدولية .
و ما كادت تنتهي الضجة التي احدثتها انتفاضة إكديم إزيك حتى جاءت الاحداث الأليمة التي عرفتها مدينة الداخلة المحتلة و التي ذهب ضحيتها عدد من المواطنين الصحراويين الأبرياء العزل ،  وبدل من التجاوب مع صرخة الاستغاثة التي أطلقها سكان الداخلة  الجريحة  و كما عودتنا قيادتنا إكتفت بالتنديد ورسالة  استجداء إلى كيمون دون أن تحرك ساكنا.
يضاف إلى العجز و الفشل الذريع على مستوى إدارة الصراع  إستشراء الفساد في مفاصل الدولة و المنظمة  و طغيان ظاهرة التسيب ، و تهميش الطاقات الشابة ، و العشوائية و الارتجال في الكثير من القرارات المصيرية ، و غياب سياسة خدماتية فاعلة تساهم في التخفيف من ظروف اللجوء الصعبة التي يعاني منها المواطنين، و سوء توظيف و استغلال الموارد و الإمكانيات المتاحة.
ما أردت الوصول إليه من خلال كل هذه المقدمات هو إننا بحاجة ماسة إلى إعادة نظر شاملة ليس فقط على مستوى التعاطي مع الأمم المتحدة المتخاذلة و ملسلسل الإستسلام  الذي ألزمنا انفسنا بالتشبث به دون طائل ، و إنما كذلك على مستوى هيكلة المنظمة و أسس و منطلقات العمل المؤسساتي على مستوى الدولة ، ووضع إستراتيجية واضحة المعالم في كل الميادين لإدارة الصراع مع العدو في ظل المعطيات و المتغيرات المتسارعة التي تعرفها المنطقة العربية خاصة و العالم كافة.
في واقع الأمر لا يمكن الحديت عن التغيير دون التطرق إلى خلق الظروف الملائمة لأحداث مثل هذا التغيير و تحقيق الاهداف المرجوة منه ، و أول لبنات التغيير الناجح هي التركيز على الأداة من خلال بث دماء جديدة في جسم المنظمة عبر فتح الباب أمام الطاقات الشابة و العمل على إيجاد ميكانيزمات  و آليات للتواصل معها وجعلها رافدا مكملا للقيادة بدلا من اعتبارها عدوا و منازعا لها على السلطة ،  لأنه يبدو و الحال هذه  أن  القيادة الحالية أصابها الوهن الجسدي و العقم الفكري و أضحت عاجزة عن تقديم أي جديد للدفع بالقضية إلى الأمام و التأقلم مع متطلبات القرن  الواحد و العشرين مما جعلها تلوذ وراء مبررات واهية لم تعد تقنع أحد من قبيل التمسك بخيار النضال السلمي للوصول إلى تسوية و إعطاء المسار التفاوضي مزيدا من الوقت لعل و عسى، فإذا كانت عشرين سنة لم تكن لتكفيهم للوقوف على حقيقة ما يجري و استخلاص الدروس و العبر منه فإنهم إما واعون لحقيقة الأمر و لكن عاجزون الايتاء بالبديل و إما إنهم بلداء إلى درجة تجعلهم يتأملون في حدوث معجزة تجعل فرنسا و المغرب يغيران موقفيهما أو تجعل الأمم المتحدة تغير أسلوب عملها و تعاملها مع الملف  و هو ما لا ينتظره أحد على الإطلاق.
و المضحك في الامر إنه هناك تيار في القيادة يريد تصوير الأمر على أن الشباب همه الوحيد هو الحصول على المناصب و الاستيلاء على السلطة وهم ـ إي القيادة ـ يرون أنفسهم أحق بها إستنادا إلى ما يسمونه بالشرعية الثورية و يحاولون ترسيخ فكرة  أن استمرارية القضية الوطنية مرهونة ببقائهم في الكراسي، و في الحقيقة أن الشباب لا تهمه لا المناصب و لا الكراسي بقدر ما يهمه وجود قيادة وطنية قوية قادرة على إدارة الصراع مع العدو ووضع حد و بأسرع وقت ممكن لمعاناة شعينا و تحرير أرضنا من المحتل، و بالتالي فالقيادة الحالية إما أن تكون في مستوى التحديات التي تفرضها المرحلة و تثبت أنها أهل للثقة التي منحها إياها الشعب إنطلاقا من مقولة " كون اسبع و أوكلني" و  حينها ستجد أن الشعب سيكون مستعدا ليس فقط لإطاعتها بل للموت في سبيلها، و إلا فعليها ان تترك مكانها لمن هو أقدر منها على تحقيق تطلعات الشعب.
و نحن نعقد مؤتمرنا الثالث عشر فإننا نجد أنفسنا أمام  خيارين إثنين لا ثالث لهما ، إما أن ننفض عن أنفسنا غبار الوهن الذي أصابنا جراء سنوات الأنتظار الطوال و نعيد النظر في  كل السياسات التي إعتمدناها منذ وقف إطلاق النار حتى الساعة  بما فيها التعاطي مع الامم المتحدة و مسلسل المفاوضات العبثية ، و التي أثبتت عدم جدوائيتها تماما و فشلها  في تحقيق أي شيئ  يذكر للصحراويين  على طريق استكمال تحرير كامل التراب الوطني طيلة العقدين الماضيين، و نعيد توجيه البوصلة بشكل جذري  يستجيب لمتطلبات و مقتضيات إدارة المعركة، أو نبقى أسرى لسياسات و ممارسات الماضي العقيمة و بالتالي علينا الانتظار لعقود أخرى حتى تحدث المعجزة لإحداث اختراق ما في الطريق المسدود الذي آلته إليه القضية أو سيكون مآلنا مثل مآل نمور التاميل الشيء الذي لا نتمنى حدوثه.  و من هذا المنطلق  فالمؤتمر و المؤتمرون مطالبون بوضع استراتيجية جديدة تستجيب ل: 
أولا: إعادة النظر في هيكلة و آليات عمل المنظمة  و الدولة  بشكل يعالج مكامن الضعف و يستجيب للتغييرات التي عرفتها و تعرفها المنطقة و العالم اجمع.
ثانيا: اعتماد  آليات و أساليب  جديدة لإدارة الصراع  مع العدو و و ضع حد لسياسة الانتظار المميت بما في ذلك خيار العودة إلى حمل السلاح و وضع المجتمع الدولي أمام الأمر الواقع مادام عاجزا عن تحمل مسؤولياته في حماية الصحراويين من بطش الاحتلال المخزني و الوفاء بتعهداته في تطبيق مخطط التسوية و تنظيم الاستفتاء.
ثالثا: تقوية الجبهة الداخلية و الحفاظ على تماسكها و تحصينها أمام  محاولات العدو الرامية إلى  بث روح الفرقة و ضرب الوحدة الوطنية التي تعد الضامن الحقيقي لديمومة تأجج الفعل الوطني و الرافد الأساسي لصمود و مقاومة شعبنا على كل الصعد.
رابعا: الأهتمام بالطاقات الشابة  من خلال  توجبهها و توظيفها بالشكل الصحيح  لتكون في قلب المعركة مع العدو بدل تهميشها و إبعادها و محاولة خلق صراع وهمي معها على السلطة المستفيد الاول و الوحيد منه هو العدو و بعض المتمصلحين في النظام.
خامسا : محاربة كل أشكال الفساد و التسيب من خلال اعتماد  إجراءات صارمة و رادعة  تطال كل من تثبت إدانته مهما كان موقعه ، منصبه أو مستواه فلا أحد فوق القانون .
سادسا: اعتماد معياري الكفاءة و النزاهة في التوظيف و التعيين في كل المناصب بدل القبلية  و الولاء للنظام كما هو حاصل الآن.
سابعا: تحقيق العدالة الاجتماعية و العمل على توفير كل الخدمات الاساسية للمواطنين للتخفيف قدر المستطاع من  وطأة الظروف الصعبة التي يفرضها واقع اللجوء المرير و عقلنة توظيف و إدارة الموارد و الامكانيات المتاحة.
في واقع الأمر و مع أن الكثيرين لا يرون بوادر لإحداث التغيير المنشود من خلال المؤتمر بالنظر إلى أن إلاعداد  له جرى بنفس الطريقة التي عهدناها في التحضير لسابقيه ، فما دامت اللجنة التحضيرية تضم نفس الأشخاص تقريبا و المؤتمرون هم أنفسهم فبالضرورة ستكون النتائج و المقررات هي نفسها، إلا اننا نتمنى صادقين أن يشذ عن القاعدة و يأتي بنتائج تكون في مستوى الآمال المعلقة عليه من كل الصحراويين و ترقى إلى مستوى تحديات المرحلة  لتجسد بالفعل شعاره " الدولة الصحراوية المستقلة هي الحل" كما نتمنى ان تكون القيادة الجديدة التي ستنبثق عنه في مستوى التحدي و مستعدة لفرض تحقيق هذا الشعار على أرض الواقع.
إشبيلية ـ 13 ديسمبر 2011