محمد لبات مصطفى
فى إطار مشروع وطني جمع كل الصحراويين، وضحوا من أجله أجمعين، أقبلت ذات يوم الجماهير الصحراوية بحب واقتناع، وتدافعت للانتظام في صفوف الجبهة الشعبية، باعتبارها حاضنة الكفاح والشرعية، وصمام الأمان حيال الثوابت والحقوق والمقدسات الوطنية الصحراوية، وصاحبة الإنجاز التاريخي، والإرث العظيم ذي المكاسب الوطنية الكبرى.
كان ذلك في مطلع السبعينات من القرن الماضي، وقد كانت تلك السنوات هي الأكثر قرباً، على الأغلب، بين القمة والقاعدة، حيث أدرك حينها الجميع ان الجبهة مدرسة للتضحية والنضال من اجل تحرير الوطن ليس الا، فتدافع خيرة الرجال والنساء، لتأدية واجب الدفاع عن الوطن بهامة مرفوعة، وهيبة مهيبة. لسنا هنا في مقام التأكيد على الدور الكبير للقيادات الصحراوية، حين كانت مضربا للأمثال في التضحية و تقدم الصفوف، أو حين كانت مثالا للتقشف و نظافة اليد.. تُمسي الناس وتصبحها على خطاب واحد وواعد، مشحون بحوافز الأمل، والتبشير بالمستقبل. خطاب من إنتاج ثقافة "المسؤولية تكليف وليست تشريف".
كما اننا لسنا بصدد أن نبخس أحدًا حقه وعطاءه وما ينبغي لنا، فالتاريخ الذي يسجل الأحداث والوقائع لن يُضيع بالتأكيد حقا أوحقيقة لأحد.. وبلادنا الج الع الص الد بالتأكيد لا تعدم أبطالا، اليوم كما بالأمس وفي كل مكان.
لكن كذلك من حقنا أن نسأل ونتساءل: أليس ما وصلت إليه قضيتنا الوطنية اليوم من مآزق مختلفة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي هو نتيجة فعل.. أو تقصير.. قادتنا مجتمعين أو منفردين؟ أليس من المفيد أن نذكـّـر قادتنا بوعودهم بالحرية والمساواة لشعبهم، وببدايات صلتهم بجماهيرهم، وكيف أصبحت اليوم؟؟.
ان ما نشاهده من تهور واعتداد بالذات، غير مسبوق على مستوى الاطارات الصحراوية، الذين خاطبوا شعبهم بتلك الصياغات الاعتراضية المتحدية الرافضة لدعوات الاصلاح وحكم القانون، ليبعث على القلق، ويثير الكثير من التساؤلات..وهو تعبير عن حالة العجز الذي وصلوا اليه، والتي فرضت علينا واقعا ربما سيصعب مستقبلا تغييره دون حراك على كافة المستويات.
المرحلة اليوم في حاجة الى قيادة تقوم بنفسها بعملية التطوير الداخلي بهندسة نفسية جديدة وب"روح رياضية" دون إغماض العين عن المتغيرات السياسية والاجتماعية التي تجتازها بلادنا اليوم. المرحلة بحاجة الى قيادة تعيد للمواطن اعتزازه بتنظيمه، تصون حقوقه، وتعمق لديه قيمة الانتماء والاندماج فى المشروع الوطنى، وتجعله ـ كما كان دائما ـ حريصا على مسار القضية، ومؤمنا بان خلاصه وحياته ومستقبل أولاده مرهون بتكريس الكيان الوطني القائم على الحرية والديمقراطية والعدالة، بحيث تبعث فى المجتمع من جديد روح جامعة متفقة على هدف واحد ووحيد هو الاستقلال والدفاع عن الوطن المذل بالأجنبي الطامع.
هذا القول يعني ان الحاجة ملحة الى رؤية إصلاحية سياسية واجتماعية ، تجذب الجماهير الصحراوية نحو المشاركة، ولا تميل إلى اقصاء أحد، بل تخلق مناخ الديمقراطية، وتقضى على المحسوبية والفساد الذيْن بلغ سيل شططهما الزبى، والذيْن بات المواطنون يحددون "أوكارهما" بالأسماء والألقاب بشكل معيب ومقزز ومخجل.؟هذا القول يعني الدعوة الى الرحيل عن "دار يامس" بقوالبها ونصوصها وحتى بعضا من أشخاصها الذين نجحوا وبامتياز في تحقيق أهداف ذاتية وأنانية في مرحلة عرفت تراجعا كبيرا في تحقيق أهدافنا الوطنية العامة، وساد فيها التسيب.. والرشوة السياسية.. والزبونية.
هذا المنطق يعني أن من بيدهم شؤون الحكم والقيادة في بلادنا، لا يمكنهم أن يستمروا بذات الفكر ونفس التسيير ، دون النظر الى تداعيات الواقع الذي أوصلونا إليه؟..وانه لامناص لهم من أن يثبتوا لشعبهم أنهم قادرون على الاستفادة من تجارب الماضي، ووضع الخطط الكفيلة بعدم تكرار هفواته. ومعالجة كل ما ترتب عنه من سلبيات كبيرة أوصغيرة وعلى كافة المستويات. وهذا المسار يحتاج بالتأكيد الى الشجاعة والتواضع في آن معاً. الشعب الصحراوي يريد قيادة تُعد باستمرار العدة لأدوات وشروط تحرير الوطن.. و تبادر الى الاصلاح باعادة صياغة أوجه التعامل مع الذات.. الشعب الصحراوي بحاجة الى قيادة مؤمنة بسيادة دولة الحق والقانون، الذي يقف عند مسافة واحدة من جميع المواطنين، ولا يمس الحريات إلا ضمن ضوابط صارمة جداً متفق عليها تضمنها أحكام القانون الداخلي للجبهة أو دستور الجمهورية ضمن ثنائية تقديم الدولة على الحركة...
مطلوب معالجة تعيد الاعتبار للتنظيم وسلطاته العامة، ومثل هذه المعالجة ستجعل الادارة تخضع في جميع أعمالها وقراراتها الإدارية.. إلى رقابة القضاء.. والمحاسبة الدائمة من طرف المجلس الوطني.. و الرقابة الشعبية الصارمة من قبل الرأي العام الوطني..اضافة الى النقد البناء من داخل هيئات الجبهة الذي سيعزز لا شك ثقة المواطن في التنظيم وسلطاته ومؤسساته والأشخاص القائمين عليه.
إذا كان علينا أن نركز على أهمية الاصلاح السياسي الذي ينبع من رحم الوطن وحاجاته واشتراطات وضعه الاخلاقي والاجتماعي ودرجة نضجه السياسي والثقافي. فإن علينا أن نحذر في الوقت ذاته من التدخلات الأجنبية..وممن لديهم حسابات أخرى غير الحسابات الوطنية، الذين ما فتئووا يألبون بعض المجتمع على بعضه، ويرقصون على إيقاعات الأجنبي وأجنداته عن علم ودراية وقصد ، يسايرونه ويسترضونه، ويستقوون به ، ويقبلون باستدراجه لهم.. لاستمرار احتلال بلادنا ووأد مطامح شعبنا في الحرية والاستفلال والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.