الصالح ابراهيم الصالح
كم جميل أن يحمل رئيس شعب ثورة الياسمين هموم شعوب المنطقة المغاربية و تحقيق تطلعاتها في الإتحاد دون الحرية ، و هو الرئيس الذي لم يعرف من المعارضة إلا صعوباتها و من الحكم إلا صعوباته؟ ، في الوقت الذي تمر فيه تونس بوضع حرج على المستوى الإقتصادي،و تفاقم البطالة وتدهور القدرة الشرائية للمواطن، يُفاجئ النظام المؤقت الجميع في سعي المرزوقي إلى خلق أزمة جديدة تحت شعار ضرورة الاتحاد المغاربي ، فما الذي يحمل تونس و رئيسها المؤقت إلى البحث عن إتحاد مغاربي و هي لاتزال جريحة؟ وما حقيقة القفز إلى الاتحاد و تجاهل مشاكل الشعب التونسي ، و هو المحتاج لاتحاد تونسي قبل المغاربي ، وليبيا هي الاخرى تعاني أزمة داخلية ؟
ثم لماذا التركيز على الاتحاد المغاربي وليس الاتحاد العربي أو الافريقي ، خاصة و نحن في زمن سلطة الشعوب و الربيع العربي ؟
أم أن المرزوقي أدرك تماما أن الحرية والكرامة غير كافيين لتوفير الخبز، فسعى مهرولا لتعزيز حظوظه الحزبي في الإستحقاق القادم ، و طمئنة دول الجوار على السلطة الجديدة و نظرتها الاستراتيجة في ضرورة الاتحاد المغاربي و إستقلالها عن قطر أو فرنسا أو غيرهما ؟ و طمئنة الشارع التونس من خلال البحث عن فتح الباب امام المواطن التونسي للإستفادة من دول الجوار و إنعاش الاقتصاد التونسي في غياب الثروة الطبيعية ، و لفت إنتباه الشارع التونسي و أحزابه إلى الخارج سعيا في تجاهل المشاكل الداخلية رغبة في المصلحة الخارجية ، و بعث رسائل للخارج بأن تونس الجديدة قوة صاعدة تحتاج إلى الدعم الغربي لتكون قطر في شمال إفريقيا ، غير أن المرزوقي تجاهل عن قصد أو غير قصد أن الشعب التونسي في حاجة اليوم لحلول عاجلة لمشاكله ، وليس لتحويل المؤقت إلى دائم بإرادة التونسيين... لأن تحويل المؤقت إلى دائم يمر حتما بأن يعكف المرزوقي وشركاؤه في الحكم المؤقت على حل مشاكل تونس الداخلية أو حل بعضها على الأقل خاصة في مجال بناء الدولة والخروج بأسرع وقت ممكن من حالة المؤقت إلى الدائم ، و البحث من الآن في انجاح المحطات القادمة ( الانتخابات) و الاستعداد لمواجهة الوضع الراهن في تونس الذي قد يكون بحاجة إلى مؤتمر دولي من أجل إنقاذ إقتصادها من حالة التدهور المستمر ، أكثر من الحاجة إلى البحث عن الاتحاد المغاربي أو عقد مؤتمرات دولية من أجل دول أخرى ، و ما دام لم يحسم المرزوقي هذا الأمر فلن تعرف تونس الاستقرار الذي يصبو إليه شعبها .
وهنا يتضح أن حقيقة التركيز على الاتحاد المغاربي ، كان سعيا للأزمة ظنا منهم أن بعض الدول ستعارض هذا السعي الفاشل ، عندها يكون الهجوم الذي يبدو أنه قد فشل في جوانب أخرى وهي خطوة تبرز تونس المرزوقي من جديد و تضع نفسها في مخبر التاريخ الذي لا يرحم و تحملها مسؤليات تفوق قدرة المرزوقي ومن يدعمه على تحقيق تطلعات الشعوب التي تحرق جثثها من أجل الامن و السلام و الحرية و ليس البحث عن تصدير الأزمة و إرباك المنطقة من جديد.
فالمرزوقي نفسه و بعض دول الجوار كانوا يظنون أن الجزائر لن توافق على سعيه ، لكن الدولة الجزائرية ودبلوماسيتها اليقظة تفطنت للواقع الجديد و ما وراء السطور ، فخصته باستقبال حار فاق كل التوقعات و المحطات السابقة ، و هي رسالة قوية فسرها قول الدكتور الجزائري السيد احمد عظيمي في مداخلته في الحفل الذي حظي به المرزوقي في ضيافة مجلة الشروق ، أن" الدول المغاربية تحمل الجزائر فشل مشروع الاتحاد بسبب موقفها المبدئي من الصحراء الغربية"، مبرزا " ان الجزائر هي الطرف الإيجابي في عملية بناء المغرب العربي وليست السبب في عرقلته."، ليضيف زميله القائد العام للكشافة الإسلامية الجزائرية السيد نور الدين بن براهم "أن إعادة بعث الاتحاد المغاربي ضرورة ملحة في عالم يعيش تكتلات"، موضحا أن نجاح مسعى الرئيس منصف المرزوڤي "مرتبط أساسا بمدى توفر مناخ يستطيع أن يستوعب هذا التوجه وهذه الأهداف." و هو جواب شافي من الجزائر على ضرورة حل كل المشاكل .
أما عن كلام المرزوقي عن القضية الصحراوية و وضعها بين مزدوجتين ؟ و تجهال الواقع النفسي من أجل إتحاد مغاربي ؟ فإننا نذكرك أن قطف زهور الثورة البوعزيزي ليس شرطا لتجاهل من كان سببا في ما أنت فيه ، وأننا شعب حر يدافع عن حريته و لا يرضى اي مزدوجتين خارج الايطار المغاربي و الإفريقي اولا ثم بتعاون مع الاتحاد المغاربي نبحث جميعا عن حل أممي ، و اننا لا نرضى بكل ما ترمي إليه المزدوجتين من حلول ناقصة ، ترجع المنطقة إلى ماضي تم تجاوزه بفعل إرادة حقيقية جسدها الشعب الصحراوي في تخليه عن حقه في الكفاح المسلح ، ونتمنى إذا كان هناك بناء للاتحاد المغاربي و لا اظن ان يكون في خدمة الشعوب و ليس على حساب الشعوب.
و لكن رغم ذلك يبدو أن الصورة الحقيقية لبناء إتحاد مغاربي يستوعب تطلعات شعوب المنطقة أصبحت كاملة بفعل إستعداد الجميع لتحقيق هذا الحلم الذي حلم به المرزوقي المؤقت في منامه و أراد أن يجسده اليوم قبل غدا ؟