اسلامه الناجم
إن العنف الجاري في سوريا مدان دون تردد، وما يقوم به نظام الأسد جريمة ضد الإنسانية لا لبس فيها، غير أن نفاق النخب العربية، السياسية والدينية والإعلامية على السواء، لا يقل فظاعة عن جرائم نظام دمشق،وتجب إدانته بالقدر ذاته، ذلك أن هذه النخب في حملتها التي تفيض بها وسائل الإعلام الآن، ومنابر المساجد، وصالات وكواليس السياسة،إنما يحركها شيء آخر، غير الانتصار للشعب السوري، والوقوف الى جانبه ضد آلة الاستبداد وحكم العائلة الوحشي و الدموي، فالنظام البعثي السوري مثل نظيره العراقي، قائم على الاستبداد والإرهاب والقهر منذ نشأته،وجرائمه في لبنان وفي سوريا غير خافية، وجريمته في حماه لازالت ماثلة،لكنها مرت دون حملة الاستنكار هذه، والسبب أن أنظمة هؤلاء المثقفون كانت حليفة بالأمس عكس اليوم,وكذلك واشنطن وباريس.
جميع كتاب جريدة "الشرق الأوسط" السعودية و الإعلام الخليجي عموما يتبارون هذه الأيام، في الإشادة بشجاعة السوريين، وينتقدون في حدة متزايدة القمع الهمجي للمتظاهرين في المدن السورية لإسقاط النظام من درعا الى القامشلي،وكذلك يفعل الساسة والدبلوماسيون الخليجيون، بل يدفعون بالملف السوري الى أعلى الهيئات الأممية، حاثين العالم على التدخل وبأي طريقة لوقف المعاناة السورية بإسقاط النظام، ويتسابقون في تقديم المبادرات وإبداع الحلول للازمة السورية، وينضم الى جوقة النفاق هذه أسمى المؤسسات الدينية الإسلامية وأعرقها الأزهر الشريف، فقد اعتبر شيخه الدكتور احمد الطيب أن ما يحدث في سوريا " لم يعد يصلح معه لا التنديد ولا الشجب " دون أن ننسى من هذه الكتيبة المجولقة كاتبا إسلاميا وازنا بحجم فهمي هويدي، الذي اعتبر في مقاله المنشور بجريدة الشروق المصرية تحت عنوان "اعتذار الى الشعب السوري" بتاريخ 14فبراير الجاري انه " لابد أن نقدم اعتذارا للشعب السوري عن خذلاننا له وتقاعسنا في إعلان التضامن معه" الى أن يقول "لست مخولا من أحد في تقديم اعتذار، لكنى أقدمه نيابة عن نفسي مستشعرا درجة عالية من الحزن والخزي"، هويدي الذي يكتب عن قضايا العرب والمسلمين ومهموما بها، من فلسطين و السودان ولبنان الى أفغانستان و إيران و كوسوفو و اندونيسيا، لم يجد من وقته ولا أوراقه ساعة أو صفحة للقضية الصحراوية وتحري الحق لوجه الله ليس أكثر.
ما أحرانا أن نحترم هؤلاء في مواقفهم،ونشيد بشجاعتهم ، لولا أن ما يحركهم ليس سوى النفاق وركوب الموجة المواتية،و إلا فما بالهم يتجاهلون الشعب الصحراوي ومأساته التي تكاد تدخل عقدها الرابع! لماذا لا يستشعرون الخزي تجاه جرائم الحسن الثاني ومن بعده ابنه محمد السادس بحق الصحراويين؟ ألا يعلمون - وهم نخبة الأمة- أن الحسن الثاني قد شن حرب إبادة حقيقة ضد الشعب الصحراوي الصغير والأعزل إلا من كرامته؟ ولم يتورع عن استخدام شتى أنواع الأسلحة الفتاكة ،بل عمد الى تقسيم وطنهم شعبا وأرضا بجدار من الأسلاك الشائكة وحقول الألغام ويتخندق خلفه آلاف الجنود ومئات الدبابات والمدافع .
أين شجاعتهم ونبلهم ومبادئهم مما يجري في المدن الصحراوية المحتلة من قمع وتنكيل؟ أين مرافعاتهم ولغتهم الجميلة وتحليلاتهم العميقة واستنتاجاتهم المحكمة عن عشرات المعتقلين السياسيين الصحراويين في سجون الاحتلال المغربي؟ بل أين القضية الصحراوية برمتها من كتاباتهم واهتماماتهم؟أين الجزيرة والعربية؟ أين الحميد والراشد ؟ أين حمد والفيصل؟ أين القوميين والإسلاميين والليبراليين؟أين الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ؟ .
هؤلاء جميعا مشاركون في نكبة الشعب الصحراوي ومساهمون في إطالة عمر الاحتلال المغربي للصحراء الغربية، إنهم لا يرون في المغرب غير الوجه السياحي وما يوفره من متع رخيصة، ولا يعرفون منه أو عنه سوى فندق المامونية ومهرجان أصيلة، و أوسطهم رأيا يسعى الى التوسط بين الجزائر والمغرب - مع ميل واضح للأخير بسبب من "كرمه" وخبرة عريقة في شراء الذمم – مرددا بشكل ببغائي الدعاية المغربية ،في حين أن سكان هونولولو يعرفون أن الوجود المغربي في الصحراء الغربية هو احتلال لا شرعي، وان الأمم المتحدة تصنف القضية ضمن قضايا تصفية الاستعمار، بل إن حلفاء المغرب الغربيين لا يعترفون له بشرعية الاحتلال.
هذه النخب التي دأبت على النفاق ومردت عليه، لماذا تسكت عن الحراك الشعبي في المغرب والقمع الذي يواجه به النظام المخزني مظاهرات حركة 20فبراير السلمية؟ الانكى أن هذه النخب هي ذاتها من أشاد ويشيد بما يسمى إصلاحات النظام! ودبجت المقالات العصماء في دستور يعتبره معظم المغاربة انه دستور ممنوح ولا يلبي أدنى طموحاتهم! أم أن نخبتنا تفضل حواة ساحة جامع لفنا وسحرته، وترى في استمرار النظام محافظة على تراث إنساني من الضياع!.
هذه النخب هي من صفق للتدخل العسكري الخليجي في البحرين لقمع المعارضين للنظام، واعتبرته فتح الفتوح وحماية للديمقراطية والتنمية ،وهي بالطبع لا تعوزها المصطلحات ولا العناوين الضخمة الجوفاء .
ليست هذه بكائية صحراوية على صدر العرب،لا وألف لا إذ ليس من طبع الصحراوي البكاء أو الاستجداء،فليس في عرب اليوم نخوة، لكنها خيبة الظن في ما يسمى الربيع العربي، فقد اعتقدنا انه حرر هذه النخب من عبوديتها لأنظمتها أو تبعيتها لمن يصرف الشيكات والكوبونات،فيبدوا أن ربيع العرب مازال بحاجة الى ربيع، مادامت هكذا نخبة هي من تقود وتوجه، وهي الخائنة للأمانة البائعة للضمير ، وإلا كيف نفسر صمتها المطبق عن أنظمة الخليج الشمولية العائلية؟ وما فيها من عنصرية ضد مواطنيها "البدون" وضد المقيمين من خلال نظام الكفيل،والتمييز ضد المرأة الى درجة منعها من قيادة السيارة !.
لن يكون الربيع العربي ربيعا،إلا إذا كانت الشعوب هي من يصنع القرار ويحدد الخيار، وتخلصت نهائيا من هذه الكائنات التي تسمى زورا "النخب العربية" والحديث هنا عن القاعدة وليس الاستثناء.
إن الانتصار للحق الصحراوي عربيا هو ما سيحدد مدى يقظة الضمير العربي وانسجامه مع العدالة والشرعية، وهل فعلا ما نراه من حراك رغم عنفه ودمويته في بعض الأحيان هو مخاض لربيع تسود فيه قيم الإنسانية، من احترام حقوق الإنسان وأولها حق تقرير المصير، والديمقراطية والمساواة، أم انه امتداد لقرون الصقيع العربي، التي يميزها النفاق والسباحة مع التيار وركوب الموجة المواتية على حساب المبدأ والقانون والشرعية الدولية.