اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

مفاوضات "تقديم الموجود"

كتب بواسطة : futurosahara on 17‏/03‏/2012 | السبت, مارس 17, 2012


 محمد لبات مصطفى
 المفاوضات هي أداة يتم تطويعها لتحقيق أهداف تحددها موازين القوى المساندة لها "محصلة قوى طرفي النزاع على الأرض". لكن و على الرغم من الخلل القائم في أوراق الضغط الضرورية لخوض ذلك الصراع ، فقد اعتبرت القيادة الصحراوية طريق المفاوضات ، ساحة جديدة من ساحات النضال ، ولكن بوسائل مغايرة وشروط مختلفة ، ربما تتوخى من خلالها نقل جزء من المعركة الى داخل الأرض المحتلة وجنوب المغرب. وانطلاقا من ذلك التصور أصبحت العملية التفاوضية بحد ذاتها من بين "الخيارات الضرورية" وفق التوصيف الرسمي الذي أكدت عليه القيادة الصحراوية في الموتمر ال13 ببلدة اتفاريتي المحررة.  
و سواءا كان قرار المفاوضات مع سلطات الغزو و الاحتلال، اختياراً طوعياً، أو تمليه عوامل وظروف ذاتية ، وموضوعية تحيط بالقضية ، فان المفاوضات ، قد أضعفت الصحراويين من دون أن تضيف إلى نضالهم شيئا ، حتى وان اعتبرها بعضا من ساستنا ممارسة سياسية لا خسارة فيها؟ وهو رأي قد يجانبه الصواب.  
 و التجارب التفاوضية عبر التاريخ بيّنت ، بأن التفاوض الجاد لا يكون إلا فى ظل "شروط كافية" تضمن نجاحه ، كما أظهرت التجارب ذاتها بان تسوية الحروب و الصراعات المسلحة لا تتحقّق بالتوسّلات والمناشدات ، أو بتقديم التنازل تلو الآخر، أو بإبداء حسن النيّة من جانب واحد، ولا من خلال خطاب الارتياح في "نجاح" الوسيط بعقد جولة قادمة من اللقاءات الغير رسمية بين الطرفين ، ولا حتى من خلال فتح ملفات ثانوية مثلما يسمى باجراءات بناء "الثقة".. التي تعتبر برأيي أقرب الى مغازلة سياسية مع المحتلين ، منها الى التسوية السلمية المرجوة.
مشكلة الصحراويين لا تكمن في المفاوضات بحدّ ذاتها، إذ ان الطرفان لابد أن يصلا في مرحلة معينة إلى عقد تسوية تضمن للشعب الصحراوي حقه في تقرير مصيره بنفسه ، وإنما المشكلة الحقيقة تكمن في الأساس الذي تقوم عليه عملية التفاوض التي تجري اليوم ـ بصيغتها الحالية ـ فبينما ينطلق الصحراويون على أسس تضمن حق تقرير المصير ، و تعتمد على قوة الحق ، وميثاق الأمم المتحدة، والمنطق المبني على التاريخ والجغرافيا، ويقين الشعب بعدالة موقفه في الدفاع عن وطنه، ينطلق الغزاة المحتلون على أساس مختلف وهو "منطق" القوة المبني على التزوير ، وتسويق الوهم، وتغيير الديموغرافيا ، وإلغاء الهوية والتاريخ ، ونسف الحقوق . ونهب الخيرات ، وربح الوقت لخلق مسارات التفافية تمكن سلطات الاحتلال من القفز على مبدأ الشرعية الدولية والحدود الموروثة عن الاستعمار. او ربما في انتظار لحظة جديدة تسمح بنسف المخطط والتخلص من تبعات واستحقاقات سلام لا يريده المحتل الغازي. 
بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية باتت قانعة بضعفها. مستسلمة لعجزها. وعراءها و"عريتها" أصبحت بادية، ولا يمكن إخفاؤها. وأخذت الثقة بها ـ التي لم تكن قوية ـ تتآكل شيئاً فشيئاً أمام الإخفاق الواضح في الحد من الانتهاكات المتوالية لمدنيين يفترض بموجب التسوية واتفاقية وقف اطلاق النار انهم تحت رعايتها وفي "حرمتها".
 محاولة تكريس واقع الاحتلال بكل ظلمه ومآسيه اليومية.. هو تعبير عن حالة العجز الذي وصلت اليه بعثة المينورسو ، و الرهان على المنظمة الدولية ، بات أكثر إيلامًا ومأساوية حتى من فواجع القمع والتنكيل اليومي بجماهير شعبنا في المدن المحتلة وجنوب المغرب. ومواصلة التفاوض يجب أن تسانده أوراق جديدة ، وإلا أصبح مجرد "تقديم الموجود"  في أماكن بعيدة من العالم ، أملا في الحصول على شهادة حسن سيرة ، ممهورة بختم الوسيط الأممي "النزيه" الذي نخشى ان يكون  وهْم التعويل على دوره ـ كجل من سبقوه ـ بمثابة "وصفة" لخسارة وطنية مؤكدة لا قدر الله.