لا ينفك التاريخ وحوادث السياسة وعوامل الجغرافيا تؤكد مجتمعة ان الاستفتاء هو الخيار الوحيد الافضل في حل القضايا المستعصية بين الشعوب والقوميات وهو الامر الذي استمد منه مبدأ حق تقرير المصير كل هذه الاهمية في ميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي ، فها هي بريطانيا بكل ارثها الاستعماري والامبريالي المخزي و ايضا بكل تراثها وحاضرها الديمقراطي والليبرالي المجيد تلجأ إلى الاستفتاء في مسألة اسكتلندا وتضرب له خريف 2014 موعدا لا يثنيها عن ذلك الثروات البترولية والغازية الضخمة المستكشفة في بحر الشمال وبالضبط في الشواطئ الشرقية لاسكتلندا ولا يثنيها كذلك تاريخ طويل يمتد الى قرون من الوحدة المتنافرة في اول الامر والمتناغمة في اخره وما ترتب عنها من مصالح مشتركة او ما قد يترتب عن الاستقلال من مشاكل وتداعيات.
كل هذا لا يفوت لندن فقد قال رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وبالحرف الواحد " انه بينما لدينا رغبة قوية في الحفاظ على وحدة المملكة المتحدة ، فمن العدالة ان نسمح لسكان اسكتلندا ان يصوتوا على المسألة اذا كانوا يرغبون في ذلك ". بل اكثر من هذا فقد دعا الحكومة الاسكتلندية المحلية الى تنظيم الاستفتاء في اقرب وقت ممكن والكف عن ما اسماه تضييع الوقت لتحقيق مكاسب سياسية ، ولكم ان تتصوروا ان حكومة غلاسكو برئاسة الحزب الوطني الاسكتلندي هي من يرفض تحديد موعد عاجل وتصر على نهاية 2014 !!.
لم تجد المملكة المتحدة سببا يدعوها الى عدم احترام رغبة اسكتلندا في الاستفتاء سوى ان العدالة تقتضي منها ذلك ، ام المملكة المغربية والتي يفصلها عن الصحراء الغربية وشعبها الف سبب وسبب، فمن التاريخ جاءت شهادة محكمة العدل الدولية بلهاي تنفي أي صلة بينهما ومن القانون الدولي يطالعنا القرار الشهير 1514 القاضي بحق الشعوب في تقرير مصيرها تدعمه وتعززه عشرات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الامن الدولي ، تدعوا وتطالب صراحة الى تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير واحترام ارادته ، يضاف الى هذا القرارات الافريقية واشهرها اللائحة أ هـ ج 104 والتي تعتبر حجر الاساس في مخطط السلام الاممي مع الاخذ بعين الاعتبار اعتراف افريقيا بالجمهورية الصحراوية وقبولها عضو في اكبر منظماتها السياسية "منظمة منظمة الوحدة الافريقية " 1984 لتصبح عضوا مؤسسا للاتحاد الافريقي سليل المنظمة .وحتى لا تستغرقنا المقارنة بين المملكة المتحدة والمملكة المغربية غير الواردة اصلا وفصلا اذ لا يوجد وجه شبه واحد بينهما اللهم الا في عبارة "مملكة " فشتان بين الثريا والوحل .
وللعلم فان اسكتلندا تتمتع بحكم ذاتي منذ عشرات السنين في ظل نظام ديمقراطي ومع ذلك تريد استفتاء شعبها حول استمرارها مع المملكة المتحدة او الاستقلال عنها.
بإمكاننا ان ندرك تماما لماذا تقبل المملكة المتحدة وتتقبل استفتاء الاسكتلنديين وترفض المملكة المغربية استفتاء الصحراويين ، ذلك ان بريطانيا دولة ديمقراطية لا تخفي شيئا عن شعبها وبالتالي لا تخشى غضبه وتعلم وتعمل ان الحكومة في خدمة الشعب في حين تخفي ديكتاتورية المخزن في المغرب تحت سطوة الخوف تآمر على الشعب المغربي وبيع لأرضه وتراثه وخيراته وحتى لمستقبله بل ان كلمة الشعب لا معنى لها في المغرب ولا وجود فالمغاربة هم رعايا وخدام الملك وحاشيته ، لهذه الاسباب تتخذ الرباط احتلالها للصحراء الغربية غطاء للتآمر وللفساد وتصدير لمشاكله وتأجيل كل مطالب الشعب المغربي وتطلعاته المشروعة الى بلد ديمقراطي و حداثي فيه الناس مواطنون وليس اشياء ومقتنيات ، من هنا يتضح جليا ان الرباط لن تتقدم الى حل حقيقي لنزاع مادامت هي نفسها مستعمرة من قبل اوليغارشية المخزن .
