اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

إسرائيل والبوليزاريو !

كتب بواسطة : futurosahara on 18‏/04‏/2012 | الأربعاء, أبريل 18, 2012


جمال لعلامي
حتى وإن كان من حقّ الوفد المغربي، برئاسة الوزير الأول الجديد، الانسحاب من جنازة حضرها وفد البوليزاريو بقيادة الرئيس الصحرواي، فإنه لا يُمكن استبعاد الحركة الاستعراضية للسيد عبد الإله بن كيران، الذي يُستبعد أن يكون قد تصرّف "من راسو"، وقرّر هكذا فجأة الانسحاب، دون أن يأتيه "أمر" من بلاط "أمير المؤمنين" الذي يبدو أنه كان يُتابع انطلاقا من المخزن مراسيم التشييع وبروتكولات الاستقبال والتعازي!
المتتبع للحظات انسحاب السيد بن كيران، تعطي الانطباع أن الوزير الأول المغربي، لم ينسحب صدفة أو بقرار نابع من تلقاء نفسه، فقد أظهرت المشاهد التلفزيونية الحية والمباشرة من مقبرة العالية، أن الرجل جاءه "مبعوث" وشوش له بأمرية قادمة من المملكة، تطلب منه الانسحاب، احتجاجا على "حضور" الرئيس محمد عبد العزيز، الذي أدى واجب العزاء كغيره من الضيوف المعزّين!
لا يُمكن لصاحب العزاء مهما كان دينه وجنسه وملته أن "يطرد" أيّ ضيف جاءه لتقديم التعازي والمواساة، لمجرّد أن ضيفا آخر دخل البيت، وهو من الخصوم أو "الأعداء"، فالظروف الجنائزية تتطلب من هذا وذاك نسيان، أو على الأقل تناسي الخصومة ولو مؤقتا، لأن الظرف ليس مواتيا لتدشين حركة مشوّهة للضمير والعلاقات الإنسانية!
الجزائر وغيرها من البلدان لم توجه دعوات إلى المعزين، وبالتالي تتبدّد في هذه المناسبات كلّ البروتوكولات، ويتساوى في بيت العزاء والمقبرة أيضا الوزير والغفير، والغني والفقير، والرئيس والمرؤوس، وأيضا بن كيران وعبد العزيز، ويوزع بعدها الشكر والعرفان لكلّ المعزين والمتضامنين!
كان بإمكان المغرب أن يتجاوز ظرفيا حساباته الشخصية مع الصحراء الغربية، وكان بالإمكان أيضا عدم إقحام "العداوات" في الجنازة، من أجل تصفية حسابات سياسية، ومثلما جاء الوفد المغربي معزيا، فإن الوفد الصحراوي جاء كذلك معزيا حاله حال الوفود الأخرى التي حلّت بالجزائر من عدّة بلدان، مثلما حضرت قبل سنوات في جنازة العاهل المغربي الحسن الثاني، وحضر وسطها رئيس الوزراء الإسرائيلي أنذاك، إيهود باراك، دون أن ينسحب لا عربي ولا مسلم!
الظاهر أن "عداء" المغرب وموقفه من البوليزاريو، هو "موقف مملكة"، فحتى تغيير الحكومة وفوز الإسلاميين بها، لم يدفع إلى تغيير مواقف المملكة من القضية، وبالتالي لا داعي للغضب من تمسّك الجزائر بموقفها المساند للصحراء الغربية وترحيبها بالرئيس عبد العزيز، مثلما رحبت بالوزير الأول بن كيران والرئيس التونسي المرزوقي وغيرهم من المعزين الذين جمعتهم الجنازة الرئاسية للراحل أحمد بن بلة. من المفروض أن المناسبات الأليمة و"لقاءات الجنائز"، تفتح الأبواب للتصالح وتهدئة النفوس ودفن الضغائن والأحقاد، ومن ثمة قد لا يكون من اللائق لفت الانتباه في مثل هذه الظروف والانسحاب، حتى وإن كان بكلّ لياقة وأدب وديبلوماسية، ولعلّ الوفد الصحراوي قد سجّل هدفا في شباك الوفد المغربي، لأنه لم يجهر بموقفه في مراسيم تذوب فيها كلّ الحسابات الدنيوية!
الذي جرى من طرف الوفد المغربي -بشهادة الأحياء والأموات- سواء كان تصرّفا تلقائيا، أو نتاج تنفيذ قرار بالهاتف، يبقى مسمارا أخر في نعش اتحاد المغرب العربي وحسن الجوار بين دول يمزقها الخلاف، ومازال جزء منها يشوّش على الجزء الآخر، بمواقف تضرّ ولا تنفع، فمتى يجتمع شمل هؤلاء وأولئك فيغيّر الله ما بقوم بعد أن يغيّروا ما بأنفسهم؟