اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

تجاذب العلاقة الجزائرية المغربية وأثرها على القضية الصحراوية

كتب بواسطة : futurosahara on 22‏/09‏/2014 | الاثنين, سبتمبر 22, 2014


بقلم : السلامي  محمود
 ظلت  الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب محافظة الى حد كبير على ألإستقلالية في القرار أثناء مرحلة الحرب  أو على ألأقل  أوحت للرأي العام الوطني بذلك . لكن بيانات الأمانة الوطنية وتهديدات القيادة بالعودة الى الحرب في أكثر من مناسبة والبيان الشهير سنة 2003 الذي كان هو كذالك تهديداً  ووعيداَ بالحرب  إذا ماحاول " َرالي دكار" عبور أرض الجمهورية الصحراوية دون ترخيص مسبق من الجهة المعنية .
 تلك الحادثة كشفت المستور كما يُقال وأظهرت التحدي السافر الذي مارسه النظام المغربي وأطراف دولية على الدولة الجزائرية للحيلولة دون خرق وقف إطلاق النار . وكان الدليل الثابت على عدم إسقلالية الجبهة في إتخاذ القرارات. ومنذ ذلك الحين أصبحت مواقف الجبهة مقياساً لتجاذب العلاقة الجزائرية المغربية .
من يتصور أن حل القضية الصحراوية سيأتي دون توافق مغاربي قطباه الدولتان الجزائرية والمغربية فهو واهم.  ولا أعني بتاتاً بهذا الطرح  أن المشكل  الصحراوي هو مشكل مغربي جزائري . أقولها بؤضوح  قبل أن ينقض عليٌ المنافقون والمزايدون من إبناء جلدتي .
 وللتاريخ وكما يعلم البعض أن البوليزاريو قد حمل السلاح من أجل التحرير حتى قبل أن تعترف به الدولة الجزائرية ، بل أكثر من ذلك كان  أعضاء من البوليزاريو يمارسون أنشطتهم  التعبوية والنضالية في السنوات ألأولى من النضال في تندوف خلسةً ، بعيداً عن أنظار المخابرات الجزائرية .لأن الموقف الجزائري المؤيد للقضية الصحراوية أتى متأخراً الى حد ما.
 الصراع عمر طويلاً وتعرض للتدويل إقليمياً وجهوياً وظل يُراوح مكانه عشرات السنين والحقيقة المرة أنه لا حل في ألأفق للقضية الصحراوية دون مصالحة جزائرية مغربية حتى ولو حدث مايخشاه النظام المغربي، أي مناقشة القضية الصحراوية من جديد وإدراجها تحت البند السابع . ولاتغير في إستراتيجية الدولتين مادامت السلطة الفعلية في المغرب والجزائر بيد المخزن ونظام الحكم بالجزائر. 

ولاجديد في العلاقات الجزائرية المغربية  ، كما ينبغي لها أن تظل هكذا..... لأن كليهما يتعامل مع الصراع من إستراتيجية تبادل الإتهامات و من خلفية قديمة تعود الى ألأثار المترتبة عن الواقع الجيوسياسي الذي تركه ألإستعمار الفرنسي في القرن الماضي قبل إنسحابه من المنطقة المغاربية إن لم نقل شمال إفريقيا وجنوب الصحراء.
ففرنسا كما هو بديهي وغيرها من الدول ألإستعمارية لم تراع لا الحدود التاريخية ولا المكونات الثقافية للشعوب المستعمرة بل مصلحتها كدولة إستعمارية أتت من أجل البحث عن الموارد ألأولية بشرية كانت أو مادية و إستنزافها . وإلا فكيف نفسرالتقسيمات الجغرافية لدول العالم الثالث؟. تقسيم الشعب الواحد الى أجزاء مختلفة وانتماءات متباينة . وعلى سبيل المثال لا الحصر فهناك أكراد العراق وأكراد سوريا وأكراد تركيا ، و طوارق الجزائر وطوارق ليبيا وطوارق  مالي و النيجر ولا أبالغ حين أقيس ألأمر نفسه على الشعب الصحراوي فالواقع ألإستعماري هو الذي أحدث ظاهرة صحراويي المغرب ، وصحراوي موريتانيا ، وصحراويي الجزائر ، وليس غريباً أن نجد  أنفسنا أمام صحراويي إسبانيا قريباً.
 ألأمثلة على الشعوب التي ذهبت ضحية التقسيم ألإستعماري في مؤتمر برلين لاتُحصر لأن تقسيم الشعوب تم ببساطة على الطاولة بعيدا عن الواقع والمكونات الجيوثقافية للشعوب .
 لكن ألإستثناء في المنطقة المغاربية وقد يكون نادرالحدوث  في مناطق أخرى ، أن فرنسا كانت تُريد لنفسها البقاء في الجزائر الى ألأبد  و التقطيع الجغرافي كان مفرطاَ إذا صح التعبير ومكرساً  لذلك  ألإعتبار. حيث احتفظت فرنسا  بمنطقة تيندوف حين قررت ألإستغناء عن المغرب ومنحه الإستقلال  واقتطعت من نصيب إسبانيا منطقة ازويرات في الجنوب  الشرقي  حيث معدن الحديد نظراَ لتمديد بقائها في موريتانيا .
 واقع احتفظت به الذاكرة التاريخية .
 فالدولة المغربية تشعر بالظلم  وتعتبر تيندوف ومنطقة الساورة عموماً هي مناطق كان من الممكن ان تكون مغربية وما دوافع إحتلالها للمستعمرة ألإسبانية في سنة 1975 ماهو إلا قفزة على ألأحداث و ردة الفعل القوية على الشعور بالظلم إتجاه الخارطة الموروثة عن الإستعمار الفرنسي ، رغم أن الحدود الموروثة عن الإستعمار متعارف عليها دولياً في ميثاق الأمم المتحدة.  وقد تخلى المغرب عن المطالبة بها رسمياً   في نهاية الخمسينات عندما شارك في العدوان الإسباني الفرنسي في عملية  "أكوفيون"  والقضاء على جيش التحرير.
وأمام تلك المتغيرات لم يبق للدولة الجزائرية سوى اتخاذ الموقف الذي ينسجم مع  طبيعتها كثورة شعبية وفي نفس الوقت يُساند الشرعية الدولية في تصفية ألإستعمار وحق الشعوب في تقرير مصيرها وألأهم من هذا كله إزعاج الدولة المغربية وألإنتقام منها مجدداً . فهي من هاجم الجزائر حين كان الشعب الجزائري  لازال يُضمد جراحه من حرب دامت  سبع سنوات ونصف ضد ألإستعمار الفرنسي الغاشم  ذهب ضحيتها مليون ونصف مليون شهيد ، وبذلك تضرب الجزائر عصفورين بحجر واحد. 
إن تجاذب  العلاقات الجزائرية المغربية مستمر ولن يخدم القضية الصحراوية فهو أشبه مايكون الى مسلسل جديد قديم يُوظف فيه الشعب الصحراوي عند الحاجة من هذا  أو ذاك ، لأن الإدوات التي تتحكم في  مصدر القرار سواء من لدن المخزن في المغرب  أو نظام الحكم في الجزائر هي أدوات تحكم بذهنيات قديمة  تتعامل مع ألأحداث من خلفية ماضية ، ولم تعد قابلة للتغيير ومواكبة ألاحداث.
لن تجد القضية الصحراوية طريقها الى الحل إلا في إطار مغاربي متكامل إقتصادياً ولن يتحقق ذلك إلا بالتكامل ألإقتصادي لقطبيه ألأساسيين المغرب و الجزائر وبدون شك سيكون على حساب الصحراويين ما لم يتبوؤا  مكانة أفضل من التي هم فيها ،  بإستحداث الموقع الريادي الذي يستحقه الشعب الصحرواي و ألإستفادة  من التجربة الفلسطينية في إدارة الصراع على المستويات الإقليمية والجهوية والدولية مع القوى المتنافرة ،  ورفع التحدي . 

فاستمرارالوضع على على هذا النحو بحالة الجمود  لن يجدي نفعاَ ولن يجد الصحراويون  من الكعكة عند تقسيمها غيرالقشور،  وبعبارة أخرى فهي الحلول التي ستُملى علينا و لن يكون لنا من أختيار غير القبول بها.
على الصحراويين أن ينفتحوا على أنفسهم قيادة وشعباً وأن يستحدثوا حواراً وطنياً شاملاً يمس القضايا المصيرية التي يعتبرها التنظيم طابوهات محرمة  لايُخوض فيها "إلا المطهرونّ." . لاتُقصي أحدا ًبغض النظرعن انتماءاته السياسية. يشمل التجمعات الصحراوية  في جنوب المغرب والمناطق المحتلة والمناطق المحررة وشمال موريتانيا ومنطقة الساورة ومخيمات اللاجئين والجاليات ، تكون محاور النقاش فيه  هي ألإختيارات الثلاثة  المطروحة والتي تبنتها المنظمة رسمياً ، تبنتها دون إستشارة شعبية . ولاتفويض قانوني من المؤتمرالشعبي العام الذي يُعد أعلى سلطة في الجبهة . ومن حق الصحراويين النقاش فيها والتعديل والتغيير والرفض أوالقبول.
إن ألإستغلال ألإقتصادي أو ألإستثمار كما يحلو للبعض أن يُسميه من طرف المغرب في الصحراء الغربية وحق الشعوب في التنمية سيظل ناقصاً و غير مُجدي نظراً للضغط الذي يًمارس على المغرب بحكم  إستلائه على ألأرض بالقوة وحرمان أهلها من أن يُقرروا مصيرهم بإشراف أُممي .
 وأما بالنسبة للدولة الجزائرية فإنها بسياستها الحالية تمنع نفسها من إستغلال معادن غار اجبيلات في الجنوب الغربي و غير ذلك من المعادن الباطنية التي تزخر بها منطقة الجنوب الجزائري وما يترتب عن ذلك من مشاريع إنمائية وإيجاد مناصب شغل وحل مشاكل السكن والصحة والتعليم  و أيجاد البنية التحتية للمؤسسات. و تعمير الجنوب والحد بين الفوارق الإجتماعية والإقتصادية والبنيوية بين الجزائريين وبشكل من ألأشكال تجنب ثورات الصحراء الجزائرية التي بدأت تلوح في ألأفق.
أما من الناحية السياسية فإن كل من المغرب والجزائر قد أخفقا في كسب إرادة الصحراويين. فالدولة المغربية  هي التي إحتلت ألارض بالقوة وزجت بأهلها في غياهب السجون وأذاقتهم كل أنواع التنكيل وألأخطر من ذلك كله أنها في الزمن الحاضر لازالت عاجزة عن طي صفحة الماضي . فكلما قطعت خطوة نحو إصلاح البين وإرضاء الصحراويين سرعان ماتقوم بخطوة أخرى في ألإتجاه المعاكس وتفسد ما أصلحته " كييف حرث اجمل". لأن معظم القائمين على الشأن العام في المناطق المحتلة  هم أنفسهم من مارس سياسة العصى الغليظة في سنوات الرصاص.
 وفيما يخص الدولة الجزائرية فقد ظلت تعزف على الوتر الذي يستميل الصحراويين وينسجم مع إرادتهم و المتمثل في حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، الشرعية الدولية، إعانة المظلوم لكن هذا الموقف نفسه أدى الى إبقاء الصراع في  حالة جمود . لايضر بالدولة الجزائرية . يضمن الصُداع المزمن لعدوها اللذوذ المغرب ، وتُدير الصراع عن بعد بتمسكها بقيادة شائخة متخاذلة عاجزة عن تحقيق التقدم، تنعت بالخيانة والعمالة كل من يُخالفها في  الرأي.
إلى متى سيظل الصحراويون حطباً لنار الحروب في المنطقة المغاربية، خدمة لأجندات خارجية .  فعلوها في مقاومة ألإستعمار الفرنسي تحت لواء الجهاد ونصرة ألإسلام ، و في زمن جيش التحرير لتحرير ألأرض من النصارى والكفر، و في تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.
علينا أن نعيد قراءتنا للواقع الجديد قراءة متأنية، متحررة من الوصاية المغربية والجزائرية وأن نعمل سوياً  على بلورة الرأي الشعبي الموحد الذي لايُهمش أحداً من وادنون شمالاً الى أزويرات وانواذيبو غرباً وتيندوف شرقاً وتكوين إجماع حول الحلول التي يراها الصحراويون مناسبة لهم دون غيرهم . آخذين بيد الجار والحليف خدمة للمنطقة المغاربية وشعوبها.