اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

شريحة الصناع التقليديين الصحراويين والتهميش الممنهج

كتب بواسطة : futurosahara on 22‏/10‏/2014 | الأربعاء, أكتوبر 22, 2014

خطوات توالت في حق أشخاص من هذه الشريحة عبر مسيرتهم النضالية ، وتم من خلالها إقصاؤهم ، أو " ترقيتهم " نحو الأسفل إلى مناصب تكاد تكون وهمية بالمقارنة مع قيمة وحجم المسؤوليات التي كانوا يضطلعون بها في المؤسسات التي ينتمون إليها ، فهل هي عين الصدفة أصابتهم ، أم أن الإمعان في التهميش والإقصاء عصف بهم ؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه تحسس فقط ، من قبل النظام لمدى ردة فعل شريحتهم حيال تصرفات تزيد الطين بلة بخصوص حقوقها السياسية ؟ خاصة وأن النظام يخال هذه الشريحة ، نائمة على الدوام ولا تدرك شيئا عما يطبخ لها في كواليس سياسته المخيبة للآمال والطموحات .
    فإذا كانت هذه الخطوات القديمة الجديدة قد جاءت نتيجة الصدفة ، فهذه صدف يجب أن لا تتكرر من طرف النظام ، ولا من قبل العقلاء والوطنيين فيه ، الذين تهمهم وحدة هذا المجتمع وتلاحمه ، وعدم التمييز بين شرائحه ، فالشعب الصحراوي جسد واحد ـ هكذا نظنه ـ إذا اشتكى منه عضو يجب أن يتداعى له بقية الجسد بالسهر والحمى ، وهذا ما يفترض تجاه شريحة محرومة من أغلب الحقوق السياسية ، وخاصة في مستوياتها العليا كالأمانة الوطنية ، البرلمان ، والحكومة ، وكذلك مناصب الاستشارة في الرئاسة ، ووظائف الأمانة العامة في مختلف الوزارات والولايات ، وما إلى ذلك .
   أما إذا كان الأمر إمعانا في تهميش هذه الشريحة وجعلها كالذي " يحاذي العطار بازوكني " فهذا أمر مرفوض لا ترضاه لنفسها بتاتا ، وهي التي انخرطت في القضية كبقية الشعب ، وقدمت لها ما قدمه الأوفياء خدمة للمصير ، فكيف بها تظل ملقاة على الهامش تعاني الأمرين ، ظلم الغزاة لشعبها وظلم ذوي القربى لها ، الذي حسب ما يبدو من تجليات الواقع ، هو الأشد مضاضة على هذه الشريحة المنسية ، بخلاف ظلم الأعداء الذي لم يثني عزيمة منتسبيها يوما عن مواصلة النضال والاستمرارية على عهد الشهداء البررة ، الذين قل من ينحني لأرواحهم في وقتنا الحاضر وبالأحرى إذا كانوا من هذه الشريحة .
   الاحتمال الثالث وارد جدا ، خاصة في ضوء الرسالة التي سبق وأن نشرتها هذه الشريحة عبر الانترنت ، وليس في هذه الحالة أدنى شك في أن يتحسس نظامنا مدى جدية هذه الشريحة في ما تصبو إليه ،  وهو الذي عودنا على دواء " أطلا أعلى لوبر " الذي تتكشف من خلاله أساليبه التافهة في إدارة شؤون الشعب بكل مكوناته ، على أسس منها القبلية والمحسوبية ، والتمييز بينهم ، وإرضاء بعضهم على حساب البعض الآخر ، وهو الشئ الذي ذهبت ضحيته هذه الشريحة ، التي قد تخضع بدورها لاختبار على هذا المنوال ،  في الوقت الذي نبهت فيه إلى مطالبها الشرعية دون حراك أو شغب ، ولعل النظام في هذه الحالة رأى  أن الأمر غير جدي للغاية بالنسبة لهذه الشريحة ، بدليل أن الجرب في جسدها مازال في أطواره الأولى ، وحكها ليس شديدا ومؤثرا إلى درجة تضايق هذا النظام وتستفزه ، وبالتالي حدث المزيد من تجاهلها ، والاحتفاظ  "بالطلا " لمن تنتاب جسده التهابات القبلية والانتهازية ، وأورام الاحتجاجات الخبيثة ، وجنون الشغب الذي غالبا ما يكون العدو وراءه ، لاستدراج نظامنا بسذاجة تفسيره وتفاهة معالجاته إلى الوقوع في فخ ، ومثل هذا التعامل هو ما لا ترضاه هذه الشريحة في التعاطي مع مطالبها المشروعة التي لا لبس فيها ، والتي تقر بها علانية دون لف أو دوران ، ودون أية مظاهر مشينة .
    على أي فهذه الشريحة  " ماسحة عن أوجها " وحضارية عكس ما يتوقعه مجتمعها ونظام دولتها وحركتها ، الذي مازال يتشبث بمخلفات الماضي فعلا وقولا ، فهذه الشريحة تؤمن بالحوار البناء واحترام وتقبل الآخر في حدود ما تمليه الشراكة الحقيقية ، مثلما تقدر التفهم لحقوقها السياسية المشروعة من باب المساواة بين المواطنين  في الحقوق والواجبات ، وأمام القانون ، ولا ترى أي مانع من الحصول على ما تخوله لها مبادئ الثورة ، وقوانين الدولة وإجراءاتها ، وخاصة في مجال التعيينات ، أما في مجال الانتخاب فالسلطة عودتنا على قاعدة التوازنات القبلية ، وعادت بنا إلى الماضي القذر بكل مخلفاته الذهنية السلبية ، وهو الشئ الذي يزيد من عدم تقبل غالبية المجتمع الصحراوي لهذه الشريحة في الهرم القيادي ، التي هي الآن أقرب إلى سفحه من وسطه ، في وقت لم يحرك فيه هذا النظام الخامل ساكنا لاستعادة القيم والمبادئ السامية الضائعة ، التي قامت من أجلها الحركة والدولة معا في الساقية الحمراء ووادي الذهب ، وكان من شأنها لو تم الحفاظ عليها ، أن تجعل هذه الشريحة وغيرها من المظلومين يتبوأ مكانته المشروعة في القيادة والمسؤولية بين مختلف الشرائح الصحراوية دون غبن أو تمييز ، وبالأحرى في شعب يفترض به أن يكون قد بلغ درجة عالية من الوعي والنضج بعد مسيرة طويلة من النضال والتضحيات ، تفتح خلالها على العالم من حوله ، وقد آمن بقيم الديمقراطية والعدالة والمساواة بين بني البشر، على اختلاف ألوانهم وأعراقهم ، وأصولهم وانتماءاتهم ، وما وصول أوباما ذو الأصول الإفريقية إلى الرئاسة في أمريكا ، وقبله كارلوس منعم ذو الأصول اللبنانية إلى الرئاسة في الأرجنتين ، والأمثلة كثيرة ، إلا خير دليل على إحقاق الحق وتقبل الآخر  باعتباره شريكا واقعيا على الساحة ، لا يجوز تجاهله أو إسثناؤه أو التخلص منه .
    ما هو متبع حاليا في سياسة دولتنا وحركتنا للأسف ـ نقولها كشريحة وفي الحلق مرارة وفي الضمير تأنيب على هذه المقاربة في شقها الأول ـ لا يبعد كثيرا عما كان يقوم به نظام لا بارتايد بزعامة فريديرك دوكليرك في جنوب إفريقيا ، من ناحية التهميش والتمييز العنصري الفاضح عندنا ، خاصة في المناصب العلياء وفي الاضطلاع بالوظائف الهامة ، وفي العمل أحيانا ، لا من حيث القهر والإبادة الجماعية ، التي نتركها للنظام المغربي الغازي ، الذي انتهجها ضدنا جميعا كصحراويين ودون تمييز لتصفيتنا من الوجود .
    وعلى الرغم من كون هذه الشريحة اليوم تقع بين مطرقة النظام وسندان المجتمع ، إلا أنها في هذه الظروف واعية بمخططات العدو ودسائسه ، مثلما هي متفطنة  للاستثناء الحاصل لها في عدم استيعابها وإشراكها في سلطة دولتها بمختلف مستوياتها العليا والمتوسطة وحتى ما بعد المتوسطة التي بدأت تخلو من أثرها ، وهي إن لم تبدي حراكا وشغبا على هذا الاستثناء ، فليس معنى ذلك أنها عاجزة ، أو تفتقر إلى الوسائل والسبل القانونية والإنسانية الحضارية لفرض إرادتها ، ونيل حقوقها السياسية المشروعة في إطار الدولة الصحراوية وحركتها التحريرية ، خاصة في ظل وجود محامين أكفاء ورجالات قانون فقهاء ، ومثقفين ومحللين سياسيين من صلب هذه الشريحة ، باستطاعتهم المرافعة أمام منظمات حقوق الإنسان ، وفي أي مكان عن حقوقها السياسية والمعنوية المهضومة عمدا من قبل النظام الصحراوي ، في تناقض صارخ مع مبادئ الحركة ، وقيم العدل والمساواة التي يكفلها دستور الدولة لكل مواطن صحراوي بغض النظر عن لونه أو سلالته أو قبيلته أو أي انتماء يمكن أن يستهدف بالتمييز لفظا وممارسة .
    في الأخير على نظامنا مراجعة سياسته في إدارة دفة الحكم ، على أسس منها احترام مشاعر الناس ، وصون حقوقهم السياسية أساسا طبقا لما تقره مبادئ الجبهة الشعبية ودستور الدولة الصحراوية وقوانينها ، بعيدا عن التحجج بالظروف واستثنائية المرحلة ،  وانعدام الملاءمة لأي طرح ، وهذه كلها مسامير يعلق عليها نظامنا كل فشله وعجزه في اتخاذ مواقف حاسمة من كل ما يجري على الساحة الوطنية من تناقضات ومفارقات ، فعلى هذه السياسة أن تكون واضحة وبعيدة كل البعد عن التدليس على حقوق الأقليات في المشاركة في السلطة ، وأن تكون بوصلتها دقيقة ، ونهجها سليم ، ونية من يديرونها صافية وعادلة ، ومن ثم الطريق واضح لمن يضطلع بمسؤولية في الهرم القيادي بمختلف مستوياته ، سواء كان صانعا تقليديا أو عبدا أسودا ، أو " بيظانيا " أبيضا ، أو غير ذلك من النعوت التي يتقنها نظامنا اليوم قولا وفعلا ، وليكن العهد والميدان وحدهما هما المحك ، وكفى تعصبا زائفا لا معنى له في عالم اليوم غير الظلم والإقصاء والديكتاتورية والاستبداد بحكم أعرج ، إن ظل يتوكأ ويكبو إرضاء لمن خالفوا المبادئ السامية والقيم النضالية العالية ، قد لا يوصل الصحراويين ـ لا سمح الله ـ إلى الهدف المنشود المتمثل في الدولة الصحراوية المستقلة والشاملة لكل الصحراويين دون إقصاء أو تمييز .

   إيماننا بالقضية وبالوحدة الوطنية قوي لا يتزحزح ، وعزيمتنا على تحقيق حقوقنا السياسية المشروعة كشريحة في هذا الإطار ثابتة ولن تلين ، لأننا على حق واضح كالشمس ولا يمكن تغطيته بالغربال ، ولا بأي شئ آخر مهما تنكر نظامنا وتلوى وتمادى في التضليل والإهمال والتهميش والإقصاء ، وليحفظ هذا النظام الغافل الدرس من حياة اليوم التي ترفض العنصرية والتمييز بكل أشكاله ، وليعرف أن للكبش قرون ، وأن تأخيره ليس ذلا ، كما هو الحال في هذه الشريحة .