ابراهيم سيداحمد
في البداية أريد أن أنوه أنه لا أحد يطرب بالحديث عن الواقع و ما وصلت إليه ، لكن الواجب فرض يقتضي أن نجوب في رحابه دون تفصيل ، فالبشر ضعيف مهما قوي ناقص مهما كمل .
و إنطلاقا من ما يخوله الدستور الصحراوي و توصيات المؤتمر الشعبي العام ، أن التحديات الخطرة الراهنة والمستقبلية ، تتطلب وجود تنظيم سياسي قوي ومتماسك ، لأنه هو وحده القادر والضامن لنجاح المشروع الوطني والكفيل بوضع آليات تفعيل البرامج والخطط و حماية وحدة صفوف الجبهة وتعزيز سلطة وفعالية هيئاتها وأجهزتها وصيانة مكاسبها وخطها السياسي ، الأمر الذي يفرض علينا جميعا توجيه الهمم وتسخير كل الطاقات الفكرية و العملية لرفع من مستوى التنظيم و صيانة نهجه التحرري الرائد في مجال التحرير .
ففي زمن يوسع العالم العربي من دائرة الحرية الديمقراطية ، ويحاصر أسلوب العنف الذي جثم لعقود على صدور المواطنين ، وتخلي الجميع بسقوط دكتاتوريات عن العنف المسلح وتبني العصيان المدني الحضاري الذي إنطلقت لبنته الأولى من ملحمة أقديم إزيك مرورا بتونس التي ناهزت ثورتها الكبار ، و مصر التي تخطت الصعاب ، إلى ليبيا التي لا تزال تنتظر الألباب ، وبين تونس و مصر وليبيا التي تمثل عامل ضخ أساسي لصمود الخارجين عن القانون ، كان الرابح الأكبر التنظيمات المسلحة ، ورب ضار أنفع ، ففي وقت يموت الأبرياء بحثا عن الحرية ، تعيش التنظيمات المسلحة أجمل لحظات عمرها ، منتهجين كل أساليب التمويل من سلاح وذخيرة وعتاد حربي من مختلف الصناعات و التصنيف ، بعد زمن طويل أصابها فيه الهجر و النسيان والمطاردة من كل الاتجاهات بتحالف دول الجوار والساحل لتضييق الخناق عليها و شل تحركاتها ومدها الاستراتيجي ، متتخذتا من الصحراء الكبرى موطنا لها .
ونحن ننتظر المؤتمر الشعبي العام وفي يوم كانت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الشعبي العام ستقدم برنامج عملها ، إستيقظ الجميع على عملية إختطاف المتعاونيين ، العملية التي تمنى الشعب الصحراوي أن تستهدف أجهزة النظام ، عوض خطف الأبرياء المساندين لقضيتنا العادلة ، و إن كان الإختطاف أشنع لأنه يستهدف حرمة الشعب و عصب صموده في معركته من أجل التحرير .
وبعيدا عن تفاصيل العملية و حيثياتها ، على السلطة وأهل الرأي و القلم أن يبحثوا عن أنجع السبل لردع و مواجهة كل عمل إرهابي يهددنا و يهدف إلى النيل من إستقرارنا الوطني ، بالطرق السليمة و الحكيمة التي تحفظ الدماء وإستقلال القرار الوطني الصحراوي وتعصم من الأخطاء و الطرق المظلمة التي سبق لدول الجوار أن سلكتها .
فليس من الحكمة و لا من الإستراتيجية في شيء ونحن في طور التحرير، الدخول في حرب مجهولة العواقب ، ونحن ننظر إلى دول مجاورة أنهكت و أستعمرت و استنزفت طاقاتها البشرية و المادية لدخولها في حرب الهجوم و المواجهة مع هكذا تنظيم مسلح ، دول مستقلة غنية ومتقدمة في التعاطي مع ملف الإرهاب ، و إذا كانت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و واد الذهب قد إستطاعت الحفاظ على نبل نضالها السلمي الرفيع ، عليها اليوم الدفاع عن ذلك الرصيد النضالي الفريد ، ليس خوفا من القفز في الظلام ، وإنما حبا وسعيا في نشر السلم و السلام في منطقتنا المغاربية ، و إن كنا شعب مظلوم إمتشق البندقية ذات يوم مجبرا للدفاع عن أرضه ، فإننا نملك من الإرادة ما يؤكد أننا نبحث و بإستمرارحتى وإن كنا الضحية ، عن منطقة يعم فيها الأمن و الأستقرار و السلام ، حتى وإن كلفنا ذلك التخلي عن كل شيء عزيزلدينا و مشروع لنا .
ومن المهم لنا و للسلطة الصحراوية أن تدرك أن الأرهاب ظاهرة عالمية ، لم تستطع أقوى الدول على مواجهته و صده ، بل راح يتسع و ينتشر من حيث قاعدته الشعبية و المالية من خلال ما تحصل عليه هذه التنظيمات المسلحة من فدية مكنتها من الصمود و الأستمرارية ، إلى جانب الواقع الهش الذي تركته الثورة الليبية المسلحة ، وعلى السلطة الصحراوية أن تعلم أن الإرهاب نوعان ، إرهاب حقيقي ينم عن الظلم و الإستبداد و الإستهتار بحقوق الإنسان ، ما يجعل المظلوم يستبيح ويستهدف ذلك المستبد في حقه ، وهذا النوع أتمنى أن يموت مع سقوط الدكتاتوريات الظالمة ، أما النوع الثاني وهو بيت القصيد فهو الإرهاب السياسي المدعوم الذي يهدف بالأساس إلى تمرير مشاريع سياسية يكون الضحية فيها المواطن الصحراوي و قضيته العادلة ، و النيل من إستقراره الأمني الوطني الحقيقي الذي إستطاعت البوليساريو بسطه في كامل المناطق التابعة لها رغم كل المحاولات الفاشلة .
كما أنه من البديهي ونحن جزء من المنطقة التي نعاني إذا عانت ، و نتأثر إذا تأثرت رغم ذلك ليس من الشهامة أن نغض الطرف و نترك الفاعلين أحرارا دون موقفا يحفظ ماء الوجه ، إحتراما لذات الدولة و شعبها المعروف بالقوة و رد الصاع صاعين ، وإن كان هذا ليس محل خلاف بين الصحراوين ، و إنما الخلاف في كيفية الرد و الرد الحكيم الذي حتى وإن ترك أثر سلبي و نقطة سوداء في تاريخنا النضالي المجيد ، يجب أن يكون فاصل بين المواجهة و الخنوع و الإحترام دون الحرب ، وإن كان الإستعداد للحرب فعل يمنع الحرب .
فمن الضروري تسيير الجيش وفقا لصيغ حديثة تجعله منظما قادرا ونشطا وذلك وفق نظم وضوابط يتم تحديدها وإجراءات تدبيرية أمنية تساعده على حماية قيمه ورصيده التاريخي .
وعلينا جميعا أن نبتعد عن الحروب الجانبية التي تهدف إلى إضعاف و فتور الجسم الصحراوي المتين ، و أن يكون للسلطة من الفطنة ما يجعلها تدرك أن إجبارنا على خوض غمار حرب عصابات ، هو تشويش و تسويف لحقيقة الشعب الصحراوي الذي ظل متمسكا بالحماية و الدفاع و إحترام الأخر ، و أن إشعال الحرب أمر سهل و لكن إخمادها سيكون من الصعب ونحن شعب لازال في طور التحرير .
رغم ذلك لاعيب في دراسة و معرفة حقيقة التنظيمات المسلحة ونحن مجبرين على ذلك ، وإن كان من الواجب الوقوف على ماهيتها في ما مضى ، ليس حبا فيها ولا رغبة ، وإنما الحيطة و الحذر و الإستعداد ما يدفعنا لذلك ، وعلى دول الجوار المصابة في أمنها ، أن تكاثف جهودها و طاقاتها ، ولن يكون ذلك ممكن مالم تكون الدولة الصحراوية عضو كامل العضوية في ذلك التحالف الأمني ، خدمة لشعوب المنطقة ميسرين لا معسرين .
وعلى السلطة الصحراوية أن تتبنى الحرب الدفاعية ولا تهاجم خارج حدودها ، وتحرص على الدفاع عن مقدساتها و لا تترك لمن يبحثون عن حرب طاحة داخل المنطقة زمام المبادرة ، و أن تركز على الجانب الأمني القانوني و العسكري .
وليس هذا وحده بل يجب على البوليساريو أن تحمل الأمم المتحدة و المجتمع الدولي المسؤولية في حماية الشعب الصحراوي وضيوفه أو السماح له بإتخاذ قراراته بنفسه أو دعمه في أخذ كل التدابير الأمنية التي تضمن سعيها الأممي في حفظ السلام و الأمن و حقوق الأنسان , ومهما كان الحدث و الحديث علينا أن نتفرق إلى مناطقنا المحتلة الحاضرة الصورة أمام كل صحراوي يتحسر ليده الفارقة الدعم للنساء و الأطفال و الشيوخ الصامدين هناك في قلب البركان , دعما منا لستقرار المنطقة , فإذا كنا و في كل يوم نضحي ونحن جامدين أمام أبطال الأنتفاضة سعيا للسلام الذي أصبح العالم يشتريه , علينا أن لا نسقط في متاهات الزمن السحيق و المنطقة لا تزال في طور المخاض المتصل و الشعب الصحراوي صامد .
وعلى أصحاب الرأي و السلطة و البوليساريو و المؤتمر أمامهم أن يأخذوا العبرة وأن يعلموا أننا لسنا بحاجة إلى حرب أخرى مع القاعدة أو غيرها ، تستنزف قوتنا و أن حربنا الحقيقية هي مع العدو ،و أن أي إجراء بعد هذه العملية الأجرامية يجب أن يرعى مصلحة الشعب الصحراوي التي يجب أن تبقى فوق أي إعتبار ، و أن تدرك السلطة أن الأمن الحقيقي لأي دولة و أي مجتمع لا يبدأ من الزاوية البوليسية مثلما كان نظام بن أعلي وغيره من الأنظمة الفاسدة ، فهو مسألة إجتماعية قبل أن تكون سياسية ، فالمجتمع المستقر هو دعامة للإستقرار السياسي ، وأمن الدولة أو إنهياره الدولة يبدأ من إنهيار مجتمعاتها وأهم دعامة لاستقرار المجتمع هي الإحساس الفردي و الجماعي بالإنتماء و الأمن ، فعندما يحس المواطن الصحراوي بأن هناك علاقة وجدانية تربطه بالمجتمع و الدولة قائمة على الحقوق و الواجبات و تثمين الجهود ، فإنه يرتبط بالمجتمع و الدولة ويحميها من كل تهديد ، أما عندما تكون الواجبات هي المذكر دائما فإن المواطن الصحراوي يفقد الرابطة الوجدانية بالدولة ، ومن ثم فإن النتيجة تكون الضياع و فقدان الاحساس و الشعور بالإنتماء .