اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

الحق في الاختلاف ... والاختلاف في الحق

كتب بواسطة : futurosahara on 11‏/12‏/2011 | الأحد, ديسمبر 11, 2011

سالم احمودة الصغير
     عُرِفَ عن شاعر الجاهلية الكبير زهير بن ابي سلمى , انه عند ما يشرع في كتابة قصيدة شعرية يسهب في تمحيصها تنقيحها وتهذيبها وتقليم ما يستوجب التقليم زمنا طويلا  وقيل حتي يكتمل حولا كاملا , لذا سميت بالحوليات , وهذا من اجل ان تكون في اكمل رونقها , وهو ناهيك عمن هو , احد شعراء المعلقات  وفحل من فحول الشعر العربي وفطاحل الادب وجهابذة الحرف
والعبد الفقير الى الله يستسمحك عذرا سيدي القارئ على هذه الاطلالة المتكررة في ظرفا وجيزا , فلا حب الظهور يغويني ولا بهرجة الاضواء تجذبني ولا الى حاجة في نفس يعقوب ارنو , وارجو ان لا اكون ضيفا ذو ظل عليك ثقيلا
فهذا اللغط والتناطح الفكري الذي تشهده ساحات النقاش الوطني والذي تدور رحاه في محارب الانترنت وقاعات النقاش وفي كواليس الصالات المغلقة وفضاءات الاسواق المفتوحة , في مناسبات الافراح وحتى في عز صمت المآتم , لا تفارق انفك رائحة نقاش حاد عن المؤتمر و ماذا بعد ؟
كل هذا جرني مرغما بين اقدام واحجام ان ادلو بدلوي , وما أنا إلا من غزية إن غوت غويتُ وإن ترشد غزية أرشدِ.
هذه توطئة  من باب آداب الاطلالة على القارئ الكريم , كان لابد منه
والمتتبع لمسارات هذا النقاش والجدل في كل الصعد  وبين مختلف الفئات النخبوية
- ان جاز اللفظ - والشعبية , بغير كبير عناء يقف على التباين الواضح في الرؤى من حيث تشخيص الداء او وصف الدواء
وكما وشى به عنوان المقال , فنحن كبشر اولا , فان سمة الاختلاف هي في صلب تكويننا الادمي وغريزة ليس لنا فيها كبير خيار في اخفاء تأثيرها فينا  وكصحراويين تاليا , نحمل هموما مشتركة واهداف ذاتها , فالاختلاف بيننا محمودا , بل مطلوبا كأحد المسالك في دروب التحرير والبناء من اجل الوصول الى افضل النتائج بتناقح وتمازج مخرجات هذا الاختلاف البناء
اما اهدافنا وغايتنا الكبرى في تحقيق دولة صحراوية مستقلة على كامل التراب الوطني  فذاك حق باين بينونة تامة والاختلاف فيه لعب بالنار , لانه ببساطة , الحق لا خلاف عليه وتلكم المفارقة بين شطري عنوان مقالي.
ومن هنا تبرز جدلية الغاية والوسيلة , وان كان مسلما به ان الغاية لا تتحقق الا بالوسيلة , لكن الجدل الذى طغى على ساحات النقاش الوطني مؤخرا يبدو تائها ومتموجا في تحديد اولوياته بل حتى في تشخيص الغاية من الوسيلة , ويتضح احيانا ان الوسيلة عند البعض اصبحت غاية في حد ذاتها بل وتشعبت الغايات  وهذا ما شرحه بكثير من الاسهاب الاخ السيد حمدي في مقاله ( لنعقد المؤتمر الاكثر جدلا في تاريخنا)
وهو احد الكتاب الذين اكن لهم كبير احترام واعجاب
وان كان وضع القضية الصحراوية الحالي يعكس بشكل جلي عمق الازمة التي نعانيها كتنطيم سياسي منضوي في اطاره كافة الصحراويين  وهي ازمة تعيد انتاج نفسها عند كل مفصل تاريخي او استحقاق هام  وان كانت  باشكال متفاوتة الاختلاف الا انها اليوم تبدو اكثر نتؤا وبروزا , فالجمود في المسار السياسي القائم وبقاء المحتل المغربي جاثما علي تراب الوطن ينهب الخيرات وينهك الحرمات والفجوة التي تزداد اتساعا بين المواطن والسلطة وغياب قيادة قادرة علي اداء الدور الفاعل في مسرح الاحداث كما سابقا  ونخب مثقفة بين هلالين  وشبابية عاجزة عن المشاركة الفعلية في الحياة العامة , مضافا الي كل هذا مثاقل الحياة وصعوبتها في ظل ظروف اللجؤ وعوامل الطبيعة
ويمكن قياس عدم التجانس وحالة التشظي بين السلطة والمواطن في الاتي:
- تدني الثقة بين السلطة والمواطن ان لم نقل انعدامها في قسط كبير من المواطنيين و التي بدونها يفقد النظام السياسي قدرته على الاستمرار ومقومات بقائه.
- عزوف ( المثقفين) والشباب عن ممارسة اي دور فعلي في حياة المجتمع ككل , سياسي او انتاجي لأسباب لسنا في معرض شرحها.
أن التنظيم السياسي الصحراوي في ظل هذه الوضعية  يمر بمرحلة فاصلة وحاسمة تلقي بظلالها على كافة القضايا المصيرية والمحورية للشعب الصحراوي. وفي ظل المرحلة الخطيرة التي نعيشها قد يصبح كل شيء مهدد : النظام السياسي، المشروع الوطني، الهوية، الدولة الصحراوية المستقلة ، بل حتى الإنسان الصحراوي في وجوده.
المشهد السياسي  الراهن يؤذن بأزمة ما, مما يستدعي إعادة النظر الجدية من قبل  كل الاطراف الصحراوية دون اقصاء او ممارسة دور الوصاية.
تجدر الإشارة في هذا المقام انه بالرغم من الظروف الموضوعية ( المتغيرات الخارجية وطبيعة الاحتلال وحتى عوامل الطبيعة) هذه الظروف تتحمل قسطا من المسؤولية عن الخلل في التنظيم السياسي والتضعضع والرخو ولكن المسؤولية والقسط الأكبر بالتأكيد  نتحملة نحن كصحراويين،  قيادة و شعب.  
وبرغم أن الواقع مرير ويعاني من معضلات نقرأ في بعض الآراء  التي تطفؤ علي سطح النقاش الحالي، حالة من الإحباط و اليأس من إيجاد مخرج من الحالة الراهنة إلا أنه لابد من أن يبقى الأمل قائما وتكاثف الجهود وتجاوز الخلافات مطلوبا لرفع كل التحديات من اجل الوصول الى الهدف الاسمى ، الدولة الصحراوية المستقلة.  
الأصل في المعركة يتمثل في العودة إلى الوطن وانهاء وجود المحتل المغربي من خلال التشبث بحركة المقاومة بشقيها المسلح والسلمي، وتحديد اساليبها كحرب طويلة الامد  وليس إقامة دولة في  جزء من الوطن  لِكم من الشعب.
ومن هنا نحكم ببطلان الجدلية القائمة عند البعض بين اولوية الغاية و اولوية الوسيلة
وان كانت هذه الغاية لابد لها من وسيلة لبلوغ مبتغاها،  وهنا سأتطرق لواحدة من هذه الوسائل ، وهي احدى النقاط المطروحة للنقاش والإثراء ضمن وثائق المؤتمر ، التداول علي السلطة ، علني اساهم ولو بالنزر اليسير في الامساك برأس خيط ما، يسهم بدوره في اثراء النقاش الجاري،  للحصول على رؤية ينحصر فيها الاختلاف.
يقصد بتداول السلطة وجود آليات لانتقال المنصب السياسي  من شخص إلى آخر،  او من هيئة الى اخرى في مختلف مناصب الدولة المؤسساتية.
ويرتبط بذلك الحديث عن آليات هذا الانتقال اما سلميا وفقاً لإرادة الناخبين، او إجبار شاغل أو شاغلي المنصب السياسي على ترك موقعه رغماً عنه باستخدام صورة من صور الإجبار أو الإكراه.
ويجدرالقول أن وجود انتخابات حرة و شفافة ونزيهة، دورية يعتبر أمراً جوهرياً لتحقيق  مبداء التداول السلمي للسلطة .
واذا كانت الديمقراطية تعرف بأنها منظومة من الآليات الهادفة الى تنظيم العملية السياسية والتداول على السلطة في المجتمع فانها ترتكز الى مجموعة من الدعائم منها:
فصل السلطات (تشريعية، تنفيذية، قضائية)
دستورية القوانين
احترام الحقوق و الحريات الاساسية للمواطن، المكفولة قانونا
آلية للرقابة (تشريعية) وهياكل للمحاسبة (قضائية).
شروط التداول على السلطة
التعددية:
التعددية كظاهرة طبيعية للاختلافات في شتي المجالات  تتضمن تمايزات فكرية بين اطياف المجتمع ككل.
وهنا ساكون مجبرا في التغاضي عن الحديث عن التعددية الحزبية بمفهومها التقليدي  كون ان  جبهة البوليساريو مازالت في المقام الاول هي حركة تحريرية مناط بها التحرير بالدرجة الاولي، وكونها الحاضنة  الشرعية لكل الصحراويين حتي تحقيق ذلك، دون ان يصب هذا  بالضرورة في مفهوم القطب الواحد المهيمن علي السلطة والمتفرد بالقرار او ماعرف في حقب ليست ببعيدة بالحزب الواحد، الذي قد يلجأ الى قمع قيمة الاختلاف بين مكونات المجتمع و تعويضها بنمطية و اتجاه في الغالب قد لا يكون هو الاصلح و الانسب كونه ينطلق من رؤية احادية، في ظل اقصاء شرائح اخرى من مكونات المجتمع هي الاوسع ، عوضا عن كونها تضم ايضا الافضل.  
وحتي لا يكون المفهوم شمولي، فان التعددية التي اقصدها هي اشراك كافة مكونات المجتمع في الحياة السياسية، العسكرية، التربوية الاجتماعية، الاقتصادية ...الخ كل حسب دوره ، وبطريقة فعالة، على ان لا تكون طريقة المؤتمرات الشعبية التي اثبتت عقم مفعولها  او بتعبير آخر تجاوزتها المرحلة بما استجد عليها من تغيير في اصعدة عدة، كتنامي ما يوصف بالمثقفين ، وتزايد اعداد المهاجرين (الجاليات) واغلب هؤلاء في العادة يكون خارج اطار اي دائرة او مؤسسة انتخابية (لسبب او آخر).
الانتخابات :
ودون الخوض في التفاصيل  التقنية لعملية الاقتراع يكفي الاشارة الي ان الاقتراع يجب ان يكون بشكل حر و عام و مباشر و سري وان لم يكن ذلك يشمل كل الهيئات المنتخبة  في اطار العملية السياسية للتنظيم الثوري، فعلي الاقل منصب الامين العام للجبهة، رئيس الدولة، لثقل المنصب وما يترتب عليه من صلاحيات وطاعات.
الاتفاق حول مؤسسات الدولة:
اي ان مؤسسات الدولة القائمة بصفة دستورية (افراد و هياكل)  يجب ان لا يتم الغائها ،استبدالها او تحويرها الا طبقا للقوانين الدستورية حتى ينتفي طابع المزاجية  الشخصية في التصرف بمؤ سسات الدولة .
والحال هكذا ونحن مقبلون على محطة هامة من محطات النضال الوطني علينا ان نتحلى بالشجاعة والقوة والسيطرة على الذات وتغليب مصلحة الوطن والغاية الكبرى على مصلحة الذات والغايات الضيقة - وان كنا مجبرين احيانا-  مراعاة لسلامة الكل ليسلم الجزء، على رأى الصديق حمادي البشير في مقاله ( المؤتمر السفينة ونذر الاعصار) ولست بحاجة الى استباحته العذر في الاقتباس، لأنه ببساطة صديق عزيز، بل لعله الحجة الدامغة التي تجعلني لا اؤمن بما آمنت به العرب ، ان الخل الوفي من المستحيلات ، وعذرا ايها القارئ الكريم في هذا الخروج عن النص ، وان كان كسرا للرتابة.
في الختام رسالتين قصيرتين
الى المؤتمرين، نتمنى عليكم ان تذهبوا الى مكمن الحل والربط حاملين هموم الوطن شملا لا هم صندوق الاقتراع حصرا.
الى القادة ونخب التنظيم السياسي ، انتم منا الاهل وولي الامر، لكم منا الطاعة والولاء مادمتم على الحق قائمين و ان جانفتم لكم منا التقويم ، كبشر لكم اخطائكم ومنكم من تمادى، لنا اخطائنا ومنا من تمادى، الوطن للكل ، وحمله بالجماعة ريش، فينا وفيكم دل قول الشاعر
بلادي وإن جارت علي عزيزة ... وأهلي وإن ضنوا علي كرام
السلام على الجميع
تصبحون على مؤتمرا ناجحا ..... ووطن حر
سالم احمودة الصغير