الصالح ابراهيم الصالح
إن المتتبع للحكومة الجديدة القديمة يدرك تماما أن الرجل فنان و محترف و خبير في الفقه المغالط للفكر التنظيمي السياسي الصحراوي الذي أصبح ينظر إليه على أنه لعبة تدوير الكراسي وتعميق المظالم و تسفيه أعضاء الأمانة الوطنية الحاصلين على صوت الشعب و السير في نهج التعنت و غرور القوة , أكثر من تطبيق نظرية الحاكم الأجير.
إن المشكل الذي نعانيه ليس في التفنن في التعيينات و خلق المناصب و الوزارات في "حمادة" تندوف و تعيين السفراء و الوزراء في الرابوني (لحمادة) , و ليس كذلك في القاعدة الشعبية كما يدعي البعض , فالقاعدة الشعبية طاقات كامنة تحتاج التوجيه السليم , و إنما المشكل يكمن في التنظيم العاجز عن خلق تنظيم في مستوى ثقة الشعب المسكين .
وحتى نكون واقعيين أكثر كان علينا أن نقول أن الحكومة حكومة المؤتمر الثالث عشر , و أن من نجح في تخطي الدور الأول أي مجموعة 81 الأخيرة , كان له الحظ في التعيين و هي خطوة يحاول الرئيس أن يرضي بها جمهور كل مرشح و عدم اكتراثه إلى القيادات البارزة التي لم ترشح نفسها للعضوية في الأمانة الوطنية غير أن السلطة وقعت عن غير قصد منها؟ في تجسيد القبلية و تكتلاتها السياسية , و تهميش تام للمواطنين الأحرار الذين لم يرشحوا أنفسهم إلى العضوية في الأمانة , وهنا يمكننا القول أنها حكومة الرئيس بعد أن كان المؤتمر مؤتمر الرئيس .
ففي البداية يتضح لنا جليا كيف أن زمن القبلية قد ولى ؟ و رحل معه التخلف و التعفن السياسي الذي يرمي بسمومه على الجسم الوطني ككل؟ , إذ يلاحظ أن من قدموا إستقالتهم في المؤتمر قد حل بهم سخط الحاكم بين من هجر للمهجر و من ترك بلا حقيبة وزارية ماعدا صاحب الخزينة العامة , و هنا نشير إلى أنه من العيب و العار أن لا نعطي من حصل على ثقة الشعب نصيبه في العمل الوطني حتى يكون في مستوى ثقة شعبه , أو على الأقل أن يكون سعي الحاكم مجتهدا في خلق حكومة وفاق وطني لا حساب و عقاب تحت الشعار الوطني و الاحتكار و المساهمة في التشويه و التسلط على من يسير عكس تيار السلطة بالنقد و البحث عن مكمن الخلل , ونشر ثقافة الانتقام السياسي جهارا نهارا , و اجتياز الحاكم حدود صلاحيته إلى مركزية القرار في فرد يغلب عليه المزاج و الذاتية أكثر من المصلحة العامة , وهنا درس ثمين يصور السلطة على حقيقتها المتخلفة و العبثية في نهج صناعة الأعداء أكثر من الالتفاف على الجسم الصحراوي و السهر على لحمة الصف الواحد , و ضعف النظر و احتقار و مصادرة صوت الشعب .
أما عن الخارجية التي وجه لها الكثير من النعوت في المؤتمر و كانت نقطة انفعال و توتر؟ , لم تحظى هي الأخرى كغيرها من المجالات بالجديد ، حيث حظيت بنفس الوزراء المنتدبين مع بعض التخصيص في الحقائب و ميزانيتها , و تغيير الأماكن , وعقاب البعض على حساب عضويته في الأمانة الوطنية , وهو أسلوب يقلل من حركة الوزير نفسه بين الممثل و السفير و وزير الخارجية , عندها يكون وزير الخارجية وزيرا بالصفة في حقيبة فارغة تعج بالوزراء المنتدبين , مكتفيا بالتعامل مع الممثلين و السفراء , و يخلد الوزير المنتدب إلى الترحال و التجوال و حضور الوقفات التضامنية و غيرها من السهرات الفنية , وهنا يمكن الإشارة إلى أن التعيينات الدبلوماسية للسفراء و الممثلين القادمة ستكون من اختصاص الرئيس من خلال ما يقدمه الوزراء المنتدبون من أسماء يستطيعون العمل معه كل حسب منطقته بتشاور مع الوزير الصفة , إلى جانب بعض اللوائح التي سيأتي بها بعض المتخصصين في القبلية , و منها يقوم الرئيس بالإختيار حسب مزاجه و معرفته للشخص لتكتمل تعيينات الرئيس .
أما عن المناطق المحتلة التي تعتبر الرهان الكبير , فإن الخطر فيها فقدان الأمن و لعل تعيين من كان مديرا للأمن الوطني ينم عن الحاجة إلى سلامة الملف و الجاليات و الريف الوطني , وهو عقاب للرجل الملتزم الذي حاول الرئيس تحميله المسؤلية في غياب الأمن و الذي عان الكثير من الأزمات و التي يبدو أنه لن يخلو مشواره الجديد من البحث له عن المشاكل , كما يمكن القول أن تعيينه في هذا المنصب هو محاولة لوقف التهديد و المشاكل القادمة من المناطق و تنظيمها , ليكتفي مدير الأمن الجديد القديم بترتيب المنزل الداخلي و له خبرة كفيلة في هذا المجال , غير أنه لن يستطيع العمل بحكم طبيعة التهديد الحالي و تقييد بعض الصلاحيات التي لا تخرج من يد الرئيس بعد أن أصبح الرئيس الأعلى للقضاء , و هو منصب جديد يقلل من عمل الجهاز الأمني الذي سيكتفي بالاستخبارات و تنظيف الطريق أمام مسيرة الحكومة الجديدة التي لن تخلو من فجوات سيتحمل عواقبها الوزير الأول , ليقف الرئيس في التحكيم بين الأطراف المتنازعة دون أن يجد حل لخلافاتهم التي ستكون عنوان المرحلة القادمة .
أما الجانب العسكري فقد دعم بقيادة شابة تمزج بين التجربة و العلم مع تحديد معظم القيادة العسكرية في فئة واحدة حصل أصحابها على العضوية في الأمانة و ثقة الشعب , و إن تعيينهم كلهم في الجانب العسكري تقليص من صوت الشعب و نحن في حالة السلم و التفاوض , وهذا كله تضليل ينم عن عدم الجدية في الرفع من مستوى التنظيم , فلماذا مثلا لا يحصل أصحابة العضوية في الأمانة على وزارات يعملون من خلالها على ترقية التنظيم و التطوير أساليبه ؟ عوض رميهم في غير محلهم , في حين يعين من لم يحصل على العضوية في الأمانة على رأس وزارة , ثم ماذا سيفعل القائد الشاب في محيط يعج بالقرارات الفردية بجوار السلطة الحاكمة , وهنا يظهر جليا أن الرغبة في تعيين الأشخاص تفوق الرغبة في المحصول , ثم أننا نسأل كيف يرفض الأمين العام و الرئيس رفع راتب المقاتل المسكين و يذهب إلى ترقية كتابات الدولة إلى وزارات ؟.
أما عن الرابوني المعادلة الصعبة في الجهاز التنظيمي فقد عزز الجبهة الغربية بمدير جديد للأمن الوطني و وزيرا للداخلية يهتم بالتنظيم الإداري و هيكلة الوزارة و رسم بعض القوانين التي لا تخرج عن مذاق الرئيس التنظيمي , بعد أن نجح في تمرير مطالب الرئيس في المؤتمر , و بعد التنظيم الباهر "استغفر الله" الذي حققه في وزارة العدل سابقا , ولعل موضوع الوثائق الصحراوية سيكون العنوان الأبرز لعمل وزير الداخلية , و تهدف هذه الخطوة إلى محاولة خلق قناة أخرى تسن القوانين تزاحم سلطة الوزير الأول في القوانين , وهي تعيينات تضمن سلامة القرار بين وزير الدفاع و مدير الأمن و وزير الداخلية الذي لن يعترض كثيرا على المواضيع الأمنية , غير أنه من الصعب أن تخلو الجهة الغربية من الأزمات بين مدير الأمن و وزير الدفاع و الرئيس و وزير الداخلية , أما الجهة الشرقية المالية فقد نجح الوزير الأول في اختيار محيطه دون خطر و هو ما يفسر نية الرئيس في تحقيق رغبات الوزير الأول , حيث شهدت لمسات طفيفة لا تؤثر كثيرا على مسار الوزير الأول و طاقمه المتخصص , في التعاون و الهلال و غيرهما من مصادر الدعم المالي و التخطيط الإستراتيجي في القوانين و المشاريع , مع بعض التفلسف العقابي في خلق المناصب الإستشارية و تصديرها من الرئاسة إلى الوزارة الأولى .
أما عن الولاة التابعين لوزير الداخلية و بعد تحديد مدة عامين للأمناء المحلين و رؤساء الدوائر , فإن العمل لن يكون سهلا مع تجديد الفروع البلدية و المحلية , وهو ما يضع الولاة الجدد في حالة من عدم الإستقرار النفسي و العملي الذي يضمن تطبيق خطة هادفة و خلق جو من التفاهم و تنسيق الجهود بين الأمناء العامون داخل محيط الولاية , و إن كانت مبادرة ترسخ مبدأ التداول على المنصب و نشر ثقافة الإنتخاب و التصويت , غير أنه حبذا لو طبقت على الهرم و ليس على من يسهرون على تنظيم و مباشرة القاعدة الشعبية .
و يلاحظ أن العنصر النسائي قد حظي بمكانه غير أن المنصب النسائي لا يفي بحق المرأة الصحراوية و الحاجة إلى الإستفادة من خبراتها العلمية و العملية و التركيز على نشر ثقافة المرأة الصحراوية , أكثر من البحث عن تعيينات نسائية لتزيين الحكومة و التظاهر على أن المرأة قد حظيت بمكانها , و إنه لقليل على المرأة أربع مناصب في الحكومة , ذلك أنها يجب أن تكون شعارا لغرس الأشجار و ليست زهور لتزين الشعار .
و يعد ترقية كتابات الدولة إلى وزارات نوع من التكريم لأصحابها لتفانيهم في العمل و الصمت و التخفي عن الأنظار دون مشاكل تذكر , في وقت كنا ننتظر تقليص بعض الوزارات و ضم كتابات الدولة إلى وزارة الداخلية أو غيرها من الوزارات تفاجئنا بهذه الخطوة في زمن حساس ملي بالمخاطر الإقليمية و الدولية و العجز المالي , وهي خطوة غير حكيمة تبرهن على ضعف السلطة و استمرارها في نهج تحقيق رغبة الأشخاص و التوازنات القبلية و تجاهل المصلحة العامة , تحت حجة ضرورة التجديد . و يبقى أن نقول أن الحكومة و الوزارات و السفراء و الولاة و السباق من أجل المنصب و محاولة ترسيخ هذا المفهوم الضيق للسلطة المتخلفة عند القاعدة الشعبية و المواطن هو جريمة ترتكبها السلطة في حق المواطن الصحراوي البسيط , لأن مثل هذه السياسات الخبيثة تقتل كل المكاسب و تخلق جو من التنافس على المنصب في حمادة تندوف على أساس القبلية و المحسوبية و التوريث وهي أمور تنتهجها السلطة في وقتنا الحالي و ستستمر في البحث عن الأخطر منها ما لم يقف الشعب في وجهها .