اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

"خلاف القيادة الصحراوية يصل حدود التسفيه و التخوين"

كتب بواسطة : futurosahara on 30‏/01‏/2012 | الاثنين, يناير 30, 2012


محمد بنــو
لا يتعلق الأمر هنا بإنتقاد لأحد شباب الثورة الصحراوية الغاضبين بمخيمات اللاجئين الصحراويين، ولا بتعليق سياسي لأحد أؤلئك الذين ضاقت بهم جُبَّةُ الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب، و لا بتقييم لأحد المثقفين الصحراويين الرافضين تأجير أقلامهم لخدمة نظام سياسي لم يعد قادرا على تأطير كل الصحراويين و الإستجابة لتطلعاتهم. فالعنوان مقتبس من تصريح ناري لأحد أبرز قيادة البوليساريو و أكثرهم إثارة للجدل يعتبروه كثيرون من أشدهم حرصا على إتمام مهمة بدأها شقيقه في العاشر من ماي 1973 . فيما يرى منتقدوه أنه يتحمل أكثر من غيره جزءا كبيرا من مسؤولية العجز و الإنحطاط اللذين تتخبط فيهما الجبهة منذ موافقتها المجانية على وقف إطلاق النار. لقد اشتُهِرَ الرجل بمواقفه السياسية الجريئة و بنقده الثوري اللاذع إلى درجة إزعاج رفاقه في القيادة. فنصبوا له الكمائن، و أذاقوه مرارة العزلة، وأجبروه على تحمل تبعات سياسة الإقصاء و التهميش التي كان هو بدوره من ضحاياها. خَيَّرُوهُ بين الموت أو الإنتحار!
فظل يناور ويستكين حينا، و ينتفض و يصرخ أحيانا أخرى. لقد ظل الرجل صامدا و متماسكا في وجه كل المؤامرات التي تستهدف مرجعيته الفكرية و تنظيره السياسي، فحافظ بشرف على ما تبقى من إرث ثقيل شاء له التاريخ أن يكون شريكا في حمل مشعله.
ففي إحدى الغضبات السياسية التي ميزت مسار الرجل الثاني ـ سابقا ـ في الجبهة، باح البشير مصطفى السيد بكلام لم يكن مباحا. كلام خطير لا يستطيع الجهر به إلا هو. الغضبة هذه المرة سببها تغيير رئاسة الوفد الصحراوي المفاوض مع المغرب، و قرار إبعاد البشير مصطفى السيد عن تدبير ملف المفاوضات. القرار المفاجئ أثار غضب البشير، مما دفعه إلى إجراء مقابلة فورية مع نشرة "سبعة أيام" التي كانت تصدرها مديرية الشؤون السياسية و الإعلام التابعة لوزارة الشؤون الخارجية و التعاون بمقر الشهيد
الحافظ بوجمعة. المقابلة نشرت بتاريخ 19 يوليوز 1997، كشف من خلالها رئيس الوفد المفاوض ـ سابقا ـ عن وجود خلاف حاد على مستوى القيادة الصحراوية يصل حدود التسفيه و التخوين. ففي معرض رده على سؤال بخصوص الغيير الذي طرأ على تشكيلة الوفد الصحراوي المفاوض، قال البشير مصطفى السيد: " أما معنى تشكيلة الوفد الصحراوي، فتعني في القاموس العالمي و في العرف الدبلوماسي، وجود خلاف حاد على مستوى القيادة الصحراوية في ما يتعلق بالتقييم و التعاطي، تفسير قد يدنو فيكون تقصيرا في قيادة الوفد...، و يبتعد حتى يصل حدود التسفيه و التخوين."
مباشرة بعد هذا التصريح الناري، بدأ الخناق يشتد على الرجل أكثر من ذي قبل. حينها كان البشير في أوج عطاءاته كوزير للشؤون الخارجية و التعاون. و هو المدرك أكثر من غيره استحالة الإصلاح والتغيير داخل نظام سياسي صحراوي قُدِّرَ له أن ينشأ و يترعرع خارج رحمه، فقد خاض، بحزم، معركة البحث عن حلفاء يشاطرونه غضبه و تمرده على الواقع المرفوض، علَّهم يصلحون ما يمكن إصلاحه و يغيرون ما يجب تغييره. فالتفت حوله مجموعة من أعضاء القيادة وكوادر الجبهة، فعقدوا الإجتماعات، وارتفعت حدة النقاشات، و كثرت المقترحات ... ليكتشفوا أن قياديا، عضوا في الأمانة الوطنية كان مندسا بينهم لرفع تقارير مفصلة لكل من الأمين العام للجبهة و جهاز المخابرات العسكرية الجزائرية. و لهذا السبب
ألغيت كل الإجتماعات، و قرروا التراجع عن كل الخطوات التصعيدية التي كانت مبرمجة. و قد كان من أبرز تداعيات هذه المحاولة الفاشلة لتأطير المعارضة، إرتماء مجموعة من هؤلاء في أحضان المغرب الذي تلقفهم بِنَهَمٍِِ شديد، فيما عاد الآخرون إلى قواعدهم و مناصبهم سالمين ! فالبشير الذي يعتبر رأس الحربة عُيِّنَ وزيرا للصحة، ثم وزيرا للتعليم، فمكلفا بأمانة فروع
التنظيم السياسي، و أخيرا وزير دولة، بدون حقيبة، مستشارا لدى رئاسة الجمهورية. فكيف سمح هذا القائد الثائر، المشاكس العنيد لنفسه أن يتورط في تزكية نظام سياسي أكد هو نفسه، غير ما مرة، عدم مسايرته لتطلعات الصحراويين، و عجزه عن تحقيق أهدافهم؟
صحيح أن الرجل سجل مواقف كثيرة تحسب له، كان آخرها محتوى مداخلته في المؤتمر الثالث عشر للجبهة، و دلالات انسحابه من أشغاله. إلا أن استكانته و مهادنته لواقع سياسي مأزوم على كل الأصعدة يظل لغزا يستعصي حله على كل تواق للإصلاح و التغييرداخل الجبهة.
لسنا هنا بصدد جرد لنجاحات البشير مصطفى السيد و إخفاقاته، لكن حسبنا أن نذكر ببعض إنجازاته و هو على رأس وزارة الشؤون الخارجية و التعاون، فقد رسخ دبلوماسية صحراوية هجومية حاضرة بقوة في المحافل الدولية، و رَفَعَ من وتيرة الإعترافات بالجمهورية الصحراوية، و فَتْحِ تمثيليات الجبهة. أما على المستوى الداخلي، فقد جلب الكثير من مشاريع التعاون النوعية، و كَثَّفَ من زيارات الوفود الأجنبية لمخيمات اللاجئين الصحراويين بهدف تقوية التضامن الدولي مع القضية الصحراوية.
و نحن نستحضر هذه الإنجازات، لا يحق لنا إلا أن ننصف الرجل بكونه المفاوض الصحراوي الذي يعي ما يريد، و يعرف جيدا كيف يحصل على ما يريد. فقد سخر جزء كبيرا من جهده للرقي بمسلسل التفاوض مع المغرب إلى أعلى مستوياته، فكانت رؤيته واضحة: التقدم بثبات، خطوة، خطوة، لإنتزاع حل يضمن للصحراويين حقهم في تقرير المصير تحت رعاية الأمم المتحدة. لقد فاوض البشير من موقع قوة، فكان يتقن فن الإصغاء للطرف الآخر دون أن ينقص ذلك من مصداقية طرحه و تشبثه بطموحات الصحراويين و تطلعاتهم كمرجعية أساسية تؤطر كل اقتراحاته للدفع بمسلسل المفاوضات إلى الأمام. و يخطئ من يظن أن رئيس الوفد المفاوض سابقا قد وافق على أدنى مقترح يتعلق بمصير الصحراويين دون الرجوع للأمين العام للجبهة. فهل لا زال منطق التسفيه و التخوين قائما داخل قيادة الجبهة، و إلى متى سيظل هذا المنطق سيفا مسلطا على كل من سولت له نفسه مجرد التفكير في الإصلاح و التغيير داخل الجبهة؟
و حفاظا على الأمانة التاريخية، و تكريما لمجلة المستقبل الصحراوي المستقلة، و عرفانا لما يقدمه طاقمها من خدمات لتنوير الرأي العام الصحراوي، نخصها بنشر المقابلة كاملة كما وردت في نشرة "سبعة أيام".
للتواصل مع الكاتب : mbennou@bluewin.ch