اول مجلة صحراوية مستقلة تأسست 1999

مجلة المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي

حتى لا تصبح المفاوضات غاية

كتب بواسطة : futurosahara on 21‏/03‏/2012 | الأربعاء, مارس 21, 2012


اسلامه الناجم
انتهت جولة أخرى من المفاوضات المباشرة بين الجبهة الشعبية والمغرب، لا تهم التسمية أو الصفة رسمية كانت أو غير رسمية، طالما أن الطرفين يتفاوضان و مباشرة، وهي مفاوضات يجمع الطرفان ومعهما الأمم المتحدة أنها لم تحرز تقدما، وذلك يعني أن البوليساريو لم تتمكن من إقناع المغرب بتصورها للحل، والمتمثل في تمكين الشعب الصحراوي من حق تقرير المصير، من خلال استفتاء حر وشفاف تحت إشراف الأمم المتحدة ، ويعني أيضا أن المغرب لم يتمكن من فرض تصوره للحل، والذي يراه من خلال حكم ذاتي، يضيف إليه عبارة "موسع" في بعض الأحيان لتحسين الطعم، ورفع العتب عنه أمام المجتمع الدولي ، ويعني كذلك أن الأمم المتحدة عاجزة عن فرض أي من الحلين، مع أن مجلس الأمن الدولي و رغم قراراته المتوازنة الى حد ما، لكنها  تدعو بوضوح لا لبس فيه الى حل سياسي  متفق عليه، يستند الى رأي الشعب الصحراوي، وهو موقف قريب نوعا ما من مطلب البوليساريو، كذلك دورات الجمعية العامة السنوية، تدعو دائما من خلال لجنتها الرابعة، الى وجوب استكمال تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، غير أن السبب في عجز الأمم المتحدة مرده الى أن بعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، يعملون عكس قراراته، ويشجعون المغرب صراحة على التمادي في تعنته والاستهتار بجهود المنظمة الدولية، وخاصة فرنسا ، فمندوبها في مجلس الأمن يكاد يكون ناطقا رسميا باسم ملك المغرب .
البوليساريو أيضا ليست معزولة فلها حضور دبلوماسي وسياسي عبر العالم، وكفاحها عادل ونظيف، يستمد شرعيته من القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وهيئاتها الدولية،  و تعترف بالجمهورية الصحراوية أكثر من ثمانين دولة، وهي عضو مؤسس في الاتحاد الإفريقي، و فوق مستوى الشبهات، رغم محاولات الخصوم وصمها تارة بالإرهاب، وأخرى بتجارة المخدرات وعمليات التهريب الدولي، ولها جيش يردع المغرب عن ارتكاب أي حماقة، كأن يلجأ الى تغيير الوضع القائم منذ وقف إطلاق النار، وكان قد هدد بذلك مرارا،هذا التوازن النسبي في القوى بين الطرفين ،هو ما جعل الوضع يراوح  مكانه، ويدخلان في لعبة عض الأصابع أيهما يصرخ أولا.
رغم طول الصراع، ومسلسل التفاوض الممل، و التغيرات الجيوسياسية التي شهدها العالم ومازال، وتبدل موازين القوى،  ورغم الهزات والأزمات، التي عرفها حلفاء الجبهة، وهي نفسها، إلا انه يحسب لها في كل ما أبدته من مرونة، وتنازل في بعض الأحيان، أنها لم تصل الى المساس بأهم  مبدأ تأسست من اجله، وهو تمكين الصحراويين من حقهم في تقرير المصير. ومع ذلك ليس هذا بالانجاز الكافي، فلابد للمفاوض من عصا الى جانب الجزرة، فطوال هذه العشرين سنة من التفاوض منذ وقف إطلاق النار على الأقل، قدمت البوليساريو ما بحوزتها من الجزر، ولم تلوح بالعصا جديا إلا مرة واحدة، في مطلع 2001 خلال أزمة الرالي المعروفة، في حين تراجع المغرب خطوات الى الوراء، ونكث بتعهداته في تطبيق مخطط السلام الأممي الإفريقي، المفضي الى الاستفتاء، مستغلا في ذلك ظروف ومستجدات، وهو ما لم تفعله البوليساريو التي تعاملت ومازالت بسذاجة سياسية مع المتغيرات المتسارعة، فقد أضاعت الفرص الواحدة تلو الأخرى، بسبب تمسكها الحرفي بالاتفاقات،و"أخلاقها الحسنة" ، إذ ضيعت فرصة الضغط على المغرب وحلفاؤه نهاية التسعينيات، عندما اشتدت وطأة المرض على الحسن الثاني، وتركته ينقل الحكم الى ولي عهده بكل سهولة ودون منغصات، ثم أضاعته لحظة استلام الملك الجديد للحكم،و أعطته كامل الوقت حتى تمكن واستقر، ليفاجئها بتنصله من الاستفتاء، وتقديم ما يسمى بالحكم الذاتي كسبيل وحيد للحل، وكانت ثالثة الأثافي بتضييعها لفرصة مخيم اكديم ازيك والتي يندر أن تتكرر . 
تدرك البوليساريو أن عملية التفاوض طويلة وشاقة ومرهقة، أشبه ما تكون بسباق القفز من فوق الحواجز، خاصة إن كانت البدائل محدودة وفعاليتها أيضا محدودة، وهي تحاول جاهدة أن تحتفظ بالمكاسب التي حققتها، سوى على مستوى الحركة أو الدولة كأوراق لعب رابحة .
إذن على البوليساريو للخروج من هذه الدوامة، البحث عن حلول باستشارة الأصدقاء والحلفاء وعن طريق إشراك النخب الوطنية و الأخيرة  مسؤولية مركز الساقية الحمراء للدراسات الإستراتيجية الذي "يذكر ولا يرى"،فللجبهة وسائل ضاغطة إن هي أتقنت استغلالها، والتي منها وليس حصرا.
ورقة الثروات الطبيعية، التي من شأنها حسم الصراع إن أحسنت الجبهة إدارتها ، فهي إن تمكنت من إقناع المجتمع الدولي بحمل المغرب على وقف استنزاف الثروات الصحراوية، ساعتها ستكون كلفة الاحتلال المغربي كبيرة وفاتورته باهضة. ولن يجد بدا من الانصياع الى الشرعية الدولية لعلها  تحفظ ماء وجهه، أو أن تتمكن على الأقل من إجباره على توجيه جزء كبير منها لفائدة الصحراويين، و به ستعوض كثيرا نقص التمويل الناجم عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية ، وستعمق من عدم شرعية احتلاله للصحراء الغربية، وهذا الميدان يفتح على جبهة قانونية تترتب عنها أخرى أخلاقية، و الصراع فيه سيكون على مستويين الأول  الهيئات الدولية والقارية والتجمعات الاقتصادية الكبرى، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي وأداته الأمم المتحدة والقانون الدولي،والثاني على مستوى كل دولة أو شركة على حدة، و أداته الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والهيئات الحقوقية والقانون الدولي أيضا .
ورقة الأرض المحتلة وحقوق الإنسان، وذلك عن طريق كسر الحصار  المضروب عليها من خلال حث وتشجيع الأصدقاء والمتعاطفين على  زياراتها, و من خلال المرافعة الدائمة في كل مكان عن ضرورة فتح المنطقة أمام المراقبين الدوليين والصحافة الدولية، وجعله بندا ضمن جدول أعمال التفاوض، والإصرار على  خلق آلية أممية لمراقبة حقوق الإنسان والتقرير عنها وحشد الداعم اللازم لفرضها، وهذا سيتسنى إذا تمكنت الجبهة من تأجيج وتوجيه انتفاضة الاستقلال، حتى تصبح كابوسا يثقل كاهل الرباط ، ويحرج باريس. 
ورقة الأرض المحررة، من خلال تحول مدروس وتدريجي للدولة الى هناك، حتى تصبح أمرا واقعا على طرف الجدار، وعلى الحكومة أن تعزز عوامل الصمود وتوفرها هناك وليس هنا، فإذا كان العالم لا يلتفت إلا الى الأزمات و بؤر التوتر، فلنحمله على تمويل وتسهيل توطين شعبنا اللاجئ، في أرضه المحررة الى أن يستكمل تحرير الجزء المحتل منها. 
ورقة الدبلوماسية، بان تطرق الجبهة جميع الأبواب، وهي تحمل الى جانب الحق والشرعية، صفقات ووعود وامتيازات، جميع الأبواب دون استثناء من فرنسا الى أمريكا ، بل عليها أن تتجه شرقا الى الصين إن لم يلتفت الغرب إليها وفضل حليفه التقليدي، فالصين قوة متعاظمة يوما بعد آخر اقتصاديا وعسكريا وقريبا سياسيا وقطعا إنها تحتاج الى منافذ وموارد جديدة شانها شان أي إمبراطورية تتطلع الى ما وراء حدودها. ونحن لنا ارض تزخر بالثورات الطبيعية والموقع الاستراتيجي، كانت دوما سبب احتلالها وحان الوقت أن تكون سبب استقلالها، وعلينا أن ننتبه الى أن الدبلوماسية ليست مسؤولية وزارة الخارجية وحدها، فمخاطبة العالم يجب أن تكون بالثقافة و الرياضة والفن والإعلام .....الخ، ففي بعض الأحيان تكون هذه الوسائل أمضى و أجدى. 
ورقة الجيش، لان أهبة الجيش واستعداده ستظل الضامن "لتعقل" المغرب وانخراطه الجاد في البحث عن حل سلمي  للقضية، وذلك بان تتوجه الجبهة والدولة الى بناء جيش محترف عالي التدريب والمهارة ومسلحا تسليحا حديثا، له قوات احتياط مكونة من عناصر الجيش الذين سرحتهم مرحلة اللاحرب و اللاسلم الى مشاغل الحياة الأخرى ومن الذين أدوا الخدمة العسكرية لكنهم يريدون أن تتجه حياتهم الى المستقبلية الى اختصاصات ومهام أخرى غير الجيش. وفق برنامج استدعاء وتسريح منظم ودقيق تشرف عيه وزارة الدفاع.
ورقة الدولة، كلما تمكنا من إرساء وبناء دولة المؤسسات، سنفرض أنفسنا بشكل أفضل على المجتمع الدولي، ولن يستطيع تجاهلنا الى ما لانهاية.  
إن التفاوض دون غطاء أو وسائل ضغط  والاستناد الى الحق وحده في وجه عنجهية الاحتلال  وسياسة المصالح واللوبيات ستحول مفاوضاتنا الى نسخة أخرى من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية   لا قدر الله، فكلما امتلك المفاوض وسائل ضغط على خصمه استطاع ان يحدد جدول الأعمال وان يضع سقفا زمنيا للتفاوض معه  والا........